-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مذكرات رجل لم يتعفّن

مذكرات رجل لم يتعفّن

ذات يوم قال لي فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان – عليه الرحمة والرضوان-: يا “الشيخ” الهادي أنتم الذين سمّيتم أنفسكم، أو سمّاكم غيركم، “شبان الصحوة” تظنون ظن السوء بكل من تقلد منصبا ساميا، وتسلقونه بألسنة حداد، و”تشيطنونه”، ولو كان لكم من الأمر شيء لألقيتم به في سواء الجحيم، ولكنني لاحظت أن كثيرا منكم يستثنونني من هذا الحكم الجائر، فما هو السبب؟

لم أفكر كثيرا، وأجبت فضيلته وعلى شفتي ابتسامة: لأننا اعتبرناك كـ”سيدنا ابراهيم” – والمثل الأعلى – الذي أدخل النار ولم يحترق، ارتسمت على شفتي فضيلة الشيخ ابتسامة الرضا إعجابا بالجواب، وراح يردده على مسامع بعض زوره.

وخطت الأقدار في صحيفتي أن ألتقي – منذ أوائل التسعينات – مع الدكتور أحمد طلب الإبراهيمي بعد ما كتبت أول مقال عن والده الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ولو سألني ما سألنيه الشيخ شيبان لأجبته الجواب نفسه.. ودليلي الأسطع والأقطع – إضافة إلى ما لاحظته عيانا عليه، وما سمعته منه وعنه، وما قرأته – هو أن “الحراك المبارك” لم يرفع – إلا شرذمة قليلون – من الأسماء لحل أزمة الجزائر إلا اسم الدكتور طالب، اليس هو صاحب كتاب “الأزمة والحل؟”، وبما أن الدكتور طالب ليس من “عبّاد الشهوة الخفية” – أي السلطة – اعتذر بعد ما شكر.

لما أعاصر مرحلة الجزء الأول من مذكرات الدكتور طالب (1932-1965)، ولم أكن ناضجا في مرحلة الجزء الثاني من مذكراته (1965-1978)، ولم أكن قريبا منه في مرحلة الجزء الثالث (1978-1988)، وإن كنت متتبعا لكثير مما كتبه وكتب عنه، فكنت أجدني في نفس “المدرسة” التي عبّر عنها بإيجاز وعمق، وهي: “الجزائر جغرافيا وتاريخ، تراب وتراث، حدود وجدود”. (جريدة الجزائر اليوم في 21/11/1991). وقد تأكدت من هذا بعد ما تعرفت على الدكتور فوجدته كما قال والده “رجلا وطنيا لا سياسيا”، إذ كل وطني سياسي ولو لم يمارس “البوليتيك”، وما كل سياسي وطني، ومن كان في هذا القول يمتري فليزر سجون الجزائر ليلتقي بـ”السياسيين”، وليزر المقابر ليجد من ألهاهم “التكاثر والتفاخر والتناحر والكادر” عن “أزمة الجزائر” التي كان كثير منهم من أسبابها.

ليس غرضي أن أتحدث عن الجزء الرابع من مذكرات الدكتور طالب (1988-2019) الذي يغطي الثلاثين سنة الأخيرة من حياته العامرة بالعمل لخير الجزائر والدعوة إليه – إلا عند من لا يجوز عليهم التيمم – ولكنني أشهد – بحكم اقترابي من الدكتور طالب في هذه المرحلة – أن ما جاء في هذه المذكرات مما كنت عليه شهيدا قد تميز بالصدق والأمانة، والدليل على ذلك هو أن المعنيين بما ورد في هذه المذكرات من “هؤلاء وهؤلاء” قد لاذوا بـ”الصمت”، وبلعوا ألسنتهم.

إن من علامات نبل الرجل أنه خالط اللئام وصبر على لؤمهم، وعاشر السفهاء ولم يسفه، فقد كان حليما كاظما للغيظ، طاهر اليد، عفّ اللسان، وما أصابه لا يعدو أن يكون رذاذا لا يوجب الطهارة الكبرى، وإنما يكفي فيه النضح بالماء.. أما من طلب مني أن أقارن بين الدكتور طالب وأحد “البوليتيكيين” فقد قلت له: الفرق بينهما كالفرق بين الجراح والبراح، وقد أكدت الأيام صحة مقارنتي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!