الرأي

مرض الإشاعة في إشاعة المرض

عمار يزلي
  • 1174
  • 3
ح.م

الإشاعة مصطلحٌ يدلُّ على “خبر كاذب، مضلِّل أو مغرض”، آلية إنتاجها تمتدّ من مجتمع منغلق سياسي وإعلامي ضمن إستراتيجية دولة في الغلق الإعلامي “black out”، ما يجعل مغامرة البحث عن أجوبة عن أشياء لا تحدث لا وقع ولا مكان لها في الإعلام الرسمي، لكن عبر مصادر لا تملك الحقيقة أو تملك نصفها أو جزءا منها، وتنشر وتروَّج وتسوَّق على “أنها أخبارٌ حقيقية وصحيحة لا غبار عليها”. وقد تكون الإشاعة عملا مصنَّعا، منتَجا لأغراض إشاعته لهدف ما، يخدم مصلحة خاصة، ذاتية أو جماعية.

ما يحدث عندنا، يميل أكثر إلى الممارسة الثانية؛ فالإشاعة ليست وليد غلق إعلامي أو منع أو تستر على المعلومة بقدر ما هي نتاج عمل منسق أحيانا، مدرك، واع بالرغبة في إنتاج إشاعة وفبركة خبر أو تصديقه أو تكذيب خبر رسمي حقيقي. الهدف هو إشاعة الفتنة وجوّ من انعدام الثقة في مؤسسات الدولة وإرباكها، والهدف سياسي بالأساس، يستعمل الأدوات المغرضة وغير الأخلاقية لغرض أناني مصلحي جماعي أو فردي.

الإشاعة هي إذن ممارسة غير أخلاقية، لأنها تنطلق من الكذب، واستعماله والترويج له بغرض تصديقه، وتسفيه وتكذيب الخبر الصحيح أو التشويش عليه لخلق جو من عدم الثقة في المؤسسات وفي الخبر الرسمي.

 الإشاعة لا مصدر لها، وإذا حدث، فالمصدر غير موجود أو مكذوب عليه بالنسب أو ملفق أو ناقص، وغالبا ما نجد مرجعا يكون بمثابة مصدر، وفي كلا الحالتين، لا المصدر ولا المرجع، مصدر ومرجع موثوق أو حتى موجود، لأنه لا أحد فيها يتمتع بمصداقية، كون الدليل على الموجود، غير موجود، أو إذا وُجد، فهو إما محرف سياقيا، أو مزيف أو مفبرَك تقنيا صورة كلاما أو نصا.

ما نقرأه ونسمعه ونشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أن انتشرت بانتشار استعمال الانترنت ودخول الهواتف الذكية في مدونة “غباء الفكر” واستعمال الغباء وتوظيفه واستثماره في سوق العامة، هو نتاج سنوات من العزل غير الصحي للمعلومة الصحيحة والتكتم الرسمي والتزييف، قابله لدى الناس، عدم ثقة في كل ما يصدر من الجهات الرسمية وكل ما ينشر من أخبار في الإعلام المهني الخاص والعام، ما جعل من الأغلبية العظمى، لا تصدِّق ما تقوله المؤسسات. بقينا على هذا الحال سنوات إن لم يكن هذا منذ الاستقلال، فيما خلا بعض المراحل من الانفتاح قبل الانغلاق.

هذه الممارسات ولَّدت سلوكيات، تقف خلفها قناعاتٌ بأن المعلومة الصحيحة تتمثل في نقيض المعلومة الرسمية. المنتجون للإشاعة، يعرفون ذلك ويأتونها مع سبق الإصرار والترصد. إذن فهي بمثابة جرم، ذلك أنك حين لا تملك المعلومة ولا تملك مصدر خبر موثوق، فلا يصح لك أخلاقيا أن تؤوِّل أو تنتج خبرا وتلفقه وتسوِّقه على أنه خبرٌ حقيقي من مصدر مطلع أو مأذون أو منسوب مكذوب به أو عليه. فليس “الإنساب” دليلا على المنسوب.

أحداث كورونا وقبلها أثناء سنة من الحَراك، تحولت الإشاعة إلى ممارسة عبثية، إلى مرض ووباء. صار الجميع، إلا قليل منا، يعتقد أن ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي هي أخبار صادقة.. مع أن 99% منها غير صحيح بالمرة أو نصفها أو بعض منها. مع ذلك تصدَّق هذه الإشاعات وتُنشر ويتقاسمها الناس توزيعا وتعليقا وشحنا، لتصبح معلومة خاطئة وملغَّمة ومغرضة، الهدف منها خلق فوضى فكرية وعقلية لدى المعتقدين أن فيسبوك مثلا مصدرُ خبر بديل وهو الصادق الأمين.

مقالات ذات صلة