-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الدكتور أحسن تليلاني يتحدث عن هموم المسرح ويؤكد:

مسرحنا تحوّل إلى سوق عكاظ وإطلاق لجنة تفكير وتخطيط بات ضرورة

زهية منصر
  • 362
  • 0
مسرحنا تحوّل إلى سوق عكاظ وإطلاق لجنة تفكير وتخطيط بات ضرورة
أرشيف

دعت الوزيرة في أول خرجة لها للمسرح إلى إعادة المسرح إلى أهله، في رأيك كيف يمكن تحقيق ذلك؟

هذه الدعوة تدل على اعتراف السلطة بأن المسرح الجزائري ليس بين يدي أهله، وأن مسرحنا المنكوب صار مثل سوق عكاظ فيه كل من هبّ ودبّ، بينما المسرح فنّ وعلم عظيم لا يقدر عليه إلا من أوتي الموهبة الفذة والثقافة العالية، بل أعتقد أنه أصعب الفنون وأعقدها وأكثرها اشتمالا لكل الفنون والعلوم أيضا، المسرح أبو الفنون كما تعلمين، المسرح ليس مرآة للحياة فحسب، بل خلق لها، وإذا اعتبرنا المسرح مرآة الحياة، فإن أمة من دون مسرح قوي صادق هي من دون شك أمة شاردة تائهة لا ترى نفسها ولا تدرك أخطاءها وليس بمقدورها تصحيح وضعها لأنها أصلا لا ترى نفسها، وإذا اعتبرنا المسرح خلقا للحياة، فإن أمة من دون مسرح منتشر في كل الأحياء والساحات والمدارس والجامعات، مسرح متفاعل مع المجتمع وفاعل في حركيته من دون شكّ أمة جامدة ميتة، إنني شخصيا أحيي السيدة الوزيرة على هذه الالتفاتة الواعية لتصحيح وضع المسرح الجزائري، وأعتقد أننا يمكن تحقيق ذلك من خلال تنصيب لجنة تفكير وتخطيط على مستوى الوزارة تتكون من أهل العلم والتجربة والاختصاص توكل لها مهمة وضع خارطة طريق عملية وميدانية للنهوض بمسرحنا الجزائري وتمكينه من كل أسباب الانتشار في المجتمع وخاصة في المدن، لأن فن المسرح هو فن المدينة بامتياز، وهو فنّ الناس والساحات.

دار الحديث في السنوات الأخيرة عن أزمة المسرح في اعتقادك هل الأزمة في المسرح أو في المسرحيين؟

في الحقيقة كل شيء في بلادنا في أزمة، لأن الإرادة السياسية غائبة، انظري إلى مؤسساتنا المسرحية كيف أنها مغلقة، وإن فتحت فهي لا تقدم إلا عروضا ضعيفة هزيلة لا تستقطب الجمهور، انظري إلى هذه الجيوش من الإداريين العاملين في مؤسساتنا الثقافية وقيّمي كم يستهلكون من ميزانية دون فائدة، ودون إنتاجات مسرحية ذات أهمية، انظري إلى محدودية كفاءة الكثير من مدراء مسارحنا ومعاهدنا المسرحية، بل أنظري إلى الكثير من الكفاءات المسرحية المهمّشة، هل يعقل مثلا أننا لليوم لا نملك أكاديمية عليا للمسرح؟ هل يعقل أننا لليوم لا نملك مجلة مسرحية متخصصة؟ هل يعقل أننا لليوم لم نؤسس مركزا للأرشيف والتوثيق المسرحي؟ الأسئلة كثيرة والوضع المسرحي والثقافي عموما في أزمة سببها الرئيسي فيما أعتقد هو غياب إرادة سياسية حقيقية للاعتراف بدور المسرح والثقافة عامة في المجتمع.

يطرح عادة التكوين كحجر أساس في النهوض بالمسرح، هل تعتقد أن المؤسسات المسرحية الحالية مؤهلة للقيام بهذه المهمة؟

نعم، التكوين أمر أساسي في النهوض بالمسرح، ولذلك كثيرا ما طالبت بإدراج مادة المسرح في المنظومة التربوية وفي رحاب الجامعة ممارسة ودراسة، بل إنني عندما كنت عميدا لكلية الآداب واللغات الأجنبية بجامعة سكيكدة لمدة ثلاث سنوات، كنت دائما أطالب وزارة التعليم العالي بضرورة تحويل كل كليات الآداب عبر الوطن إلى كليات للفنون، لأن هذا ما هو موجود في أغلب جامعات العالم التي زرتها خاصة في أوروبا، فقد انتهى زمن سيطرة الأدب وحده، فاليوم صارت هناك فنون متعددة تفرض نفسها في المجتمع كالمسرح والسينما والدراما التلفزيونية والفنون التشكيلية والموسيقى والكوريغرافيا وغيرها، بينما نحن مازلنا في العصور القديمة نتغنى بالشعر ونكتفي بدراسة البلاغة والعروض وفقه اللغة، بينما العالم يعيش في زمن فقه الصورة وفي زمن الفنون السمعية البصرية. لذلك أعتقد أن مؤسساتنا المسرحية تحتاج إلى تغييرات جوهرية تشمل المسيرين والمؤطرين وكذا البرامج والمناهج، ومثلما ذكرت آنفا علينا على الأقل أن نبدأ عاجلا بترقية معهد برج الكيفان إلى أكاديمية عليا للفنون..

عانى المسرح من التهميش وسياسة التقشف.. كيف يمكن اليوم إشراك الفرق الخاصة والتعاونيات في جعل المسرح يساهم في الإنتاج بنفسه عوض انتظار دعم الدولة؟

أعتقد أولا أنه يتعين على الحكومة رفع ميزانية وزارة الثقافة التي هي للأسف أضعف ميزانية على الإطلاق، كما أعتقد أنه يتعيّن على وزارة الثقافة تغيير القوانين المنظمة لسير المؤسسات المسرحية والثقافية عامة، فهذه المؤسسات على ضخامتها وكثرة موظفيها هي في الحقيقة من دون نشاطات تتلاءم مع ما لديها من طاقات وإمكانيات، فأنا كثيرا ما أمر أمام المسارح وأتألم عندما أراها فارغة على عروشها أو موصدة الأبواب، وما من سبيل لإصلاح هذا الوضع سوى بتحرير الفعل الثقافي وتمكين القطاع الخاص من استغلال تلك الفضاءات، ليس فقط البنايات بل حتى الفضاءات العمومية كالساحات مثلا التي يمكن استغلالها فيما يسمى بفنون الشارع التي أصبحت اليوم ظاهرة منتشرة في مختلف البلدان، ولذلك أعتقد أنه يتعين علينا تشجيع الفرق الخاصة والتعاونيات بل يمكننا فتح المجال للخواص في بناء مسارح صغيرة ومراكز ثقافية مع إعطائهم الحرية في تسييرها وفق دفتر شروط طبعا، نحن اليوم في زمن المبادرات الحرة، وقد انتهى زمن احتكار الدولة لكل شيء.

ينظر إلى الأساتذة والأكاديميين العاملين في مجال المسرح على أنهم بعيدون عن الهموم الواقعية للخشبة الجزائرية وعدم المواكبة النقدية لما يحدث.. هل هذا صحيح؟

حقيقة، المسرح الجزائري نشأ شعبيا، وظل لسنوات طويلة بمنأى عن الأكاديميين، لكنه اليوم لن يستطيع التطوّر إلا إذا ارتكز على بصيرة الجامعة، فقد كان المسرح مجرد فن يقتضي الموهبة وكفى، ولكنه اليوم صار علما يتطلب العلوم والمناهج والثقافة العالية سواء في صناعة الفرجة المسرحية أو في دراستها وتحليلها، كل شيء في العرض المسرحي يتطلب العلم والعبقرية: السينوغرافيا فن وعلم، والإضاءة فن وعلم، والأداء فن وعلم، والإخراج فن وعلم… المسرح ليس حوارات متهافتة، وليس صراخا في الفراغات الشاردة، بل هو فرجة متقنة إتقانا تاما، ودراسة المسرحية ليست مجرد تحليل لنصها المكتوب من حيث الصراع والشخصيات والحوار، بل هي تحليل شامل لنصها المرئي أي العرض المسرحي، فأين منا اليوم من يحسن تحليل العلامات السينوغرافية؟ وتحليل شعرية الإضاءة؟ ومقاربة الأداء والحركة؟ ودراسة إيقاع العرض، والتحليل الدراماتورجي للمسرحية بوصفها فعلا فرجويا بينيا، البينية بوصفها علاقة تفاعلية بين العرض والجمهور، الدراسات المسرحية اليوم متطوّرة جدا حيث تم إخراج المسرح من الأطر القديمة إلى واقع الحياة. وبالنسبة لنا في الجزائر فإن الجامعة الجزائرية اليوم لديها الكثير من الباحثين في مجال المسرح وأعتقد أن إشراكهم في الحركة المسرحية والاستعانة ببحوثهم النقدية من شأنه تقديم الفائدة والثراء لصناع الفرجة المسرحية كيفما كانوا كتّابا أم مخرجين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!