الرأي

مشكلة منظومة

محمد سليم قلالة
  • 2273
  • 14

عندما نصل في أيِّ مجال من مجالات الحياة إلى حالة من الانسداد، سواء أكان ذلك في قطاع مثل التربية أم الصحة أم التجارة أم الصناعة، فإن المشكلة تتجاوز الأطراف المُكوِّنة لهذا المجال أو ذاك إلى المنظومة الكلية التي تتحكم فيه التي تفرض منطقها على الجميع ولو كانت الخسائر كبيرة وواضحة وليس هناك أي أمل في تحقيق مستقبل أفضل.

في قطاع التربية بعد الإضراب الأخير لا يوجد سوى الخاسرين: التلاميذ، الأساتذة، الإدارة، الأولياء، الوزارة والحكومة… لا أحد يُمكن أن نعتبره رابحا وإن تفاوتت النِّسب.

الأمر ذاته بالنسبة إلى إضراب الأطباء المقيمين، يُمكننا وضع الجميع ضمن قائمة الخاسرين، الطبيب، المواطن، الإدارة وكذا الوزارة والحكومة. لا يوجد أي طرف من مصلحته بقاء الوضع على حاله.

وإلى بقية القطاعات التي تعرف انسدادات كالتجارة التي لا رابح فيها لا المُنتج الحقيقي ولا المستهلِك، ولا الخزينة العمومية كرمز للدولة، الجميع يشتكي رغم تعدد القوانين ومضاعفة الإجراءات، دار لقمان باقية على حالها لا شيء تغيَّر فيها.

هذا يعني أن المشكلات التي تُطرح اليوم والإضرابات التي تبرز هنا أو هناك، حتى وإن توقفت بطريقة أو بأخرى فإنها لن تسهم في حل المشكلات حلاًّ حقيقيا، وإن عادت ستعود بشكل أكثر حِدَّة وبخسائر أكبر، مادامت المسألة الرئيسة لم تُعالَج وهي مسألة المنظومة، أي مجموعة القواعد والآليات وأساليب التسيير وطبيعة الخيارات ونوعية الرجال والنساء الذين يقودون هذا القطاع أو ذاك، أي مجمل الرؤية الاستراتيجية التي تقود وتوجِّه وتضع الإطار العام الذي يتحرَّك ضمنه الجميع.

يكفي أن نعرف أن مشكلات قطاع التربية ما فتئت تتكرر منذ عقود من الزمن، وأن مشكلات قطاع الصحة ليست بنت اليوم، وكذلك مشكلات قطاع التجارة أو السكن أو النقل، حتى لا نذكر سوى هذه القطاعات، كلها مشكلات ناتجة عن عدم تصحيح منظومة العمل التي تشتغل منذ عقود بطريقة خاطئة، في ظل غياب رؤية متكاملة وضبطٍ دقيق لخياراتنا الاستراتيجية.

لذا فإننا إذا كُنّا بحق نسعى لإيجاد مخارج حقيقية فعَّالة وبعيدة المدى لمشكلاتنا المختلفة، علينا أن نتوقف عن ترقيع المنظومات البالية القائمة، وأن نسعى إلى إعادة تشكيلها بطريقة عصرية وملائمة للتطورات الحاصلة في العالم مع اعتماد رؤية واضحة على المدى البعيد، وإن اقتضى الأمر مراجعة خياراتنا الاستراتيجية الكلية فلِيكُنْ ذلك ضمن فتح مجال واسع للتشاور والاستفادة من الأخطاء السابقة والتجارب الناجحة؛ إذ لا يُعقل أن نستمرَّ على الحال التي نحن عليها، مؤجلين الحلول جيلا بعد جيل إلى أن ننتقل من حالة أنه ليس لنا خيارٌ إلا ما نقوم به اليوم، إلى حالة أنه لم يبق لنا خيارٌ حتى ما نقوم به اليوم.

مقالات ذات صلة