الرأي

مليح؟ قبيح؟.. الترك أحسن..

عمار يزلي
  • 1649
  • 6
ح.م

التحوُّلات العالمية والإقليمية منذ بداية الألفية الثانية، تتسارع بشكل لم يسبق له نظير في التاريخ. العالم كله، الذي صار قرية صغيرة كما يقول ماكلوهان، يتسع بشكل مضطرد وتتطور فيه العلاقات الدولية بشكل لم يسبق له نظير، حتى أننا بتنا اليوم على شفا حفرة من انفجار حرب كونية، لأي سبب من الأسباب، والأسباب باتت أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية جراء جائحة كوفيد 19؛ فالحروب العالمية، عادة ما تبدأ من حادثة صغيرة، محلية، فاعلوها على تناقضات كبرى والمتفاعلون معها على مصالح عظمى.

الحرب تؤججها العصبيات أولا، حتى ولو كنا ظاهرا نبدو قد انتهينا من العصبيات “القبلية”: عصبيات قومية، شوفينية، عرقية، ثقافية، تحرِّكها دوافع اقتصادية مصلحية أنانية، تماما مثل ما تفجِّر حادثةٌ صغيرة تحدث كل يوم في الزمان وليس في الزمان والمكان وضمن الفاعلين المحددين. حدث هذا مع كل الحروب الكلاسيكية تقريبا في التاريخ القديم والحديث، من حرب طروادة إلى الحرب العالمية الأولى التي بدأت باغتيال وليّ عهد دولة في دولة مجاورة.. وكما كانت حرب داحس والغبراء بسبب تنافس قبيلتي عبس وذبيان على حراسة قوافل النعمان بن المنذر.

الحروب القبَلية اليوم، صارت أعظم وأطغى حتى من الحربين العالميتين الأخيرتين، باعتبار أن العالم بقدر ما اتَّسع، صار في شكل قبيلة، يعرف الناس كل ما يحدث وما يقال وما يحاك فيها بفعل انتشار تكنولوجيات الاتصال الآني والانترنت التي قلَّصت الفجوة الجغرافية وقرَّبت الحدود إن لم تكن قد أزالتها افتراضيا.

الغرب اليوم، بزعامة أمريكا وربيبتها إسرائيل في الشرق الأوسط، وذراعها التي تبطش بها، صارت المهيمِن، أو على الأقل، تعتقد أنها كذلك، بفعل اقتصادها الضَّخم وترسانتها الحربية الفائقة القوة، التي صارت هي الأخرى محل صراع وتنافس مع الصين وروسيا. هكذا يبدأ وهم الإمبراطوريات، منذ الإغريق والفرس والروم وقبلها الحضارة المصرية الفرعونية وحضارات ما بين النَّهرين. كلها كانت ترى نفسها أنها الأقوى وأنها يمكنها أن تُخضع العالم. وخضع العالم لها.. عالم آنئذ.. إلى أن أسقطت الحضارة الإسلامية وهْمَ القوة بعد أن دبَّ فيها الوهنُ الاقتصادي، ثم العسكري قبل أن تسقط فارس وبيزنطة في ظرف قياسي في مجابهة حفنة من “أعراب شبه الجزيرة”، فالوهن والقوة ليسا قدَرين لا مقدور عليهما، وقضاءً وقدرا لا قدرة لأي قادر عليها..

تركيا عشرينيات الألفية الثانية اليوم، تشابه في الاتجاه العكسي تركيا في العشرينيات من القرن الماضي.. قرنٌ مضى على الأتاتوركية.. قرنٌ من محاولة الدخول في هالة العلمانية الأوروبية، بكل وسائل التدخل، وآية من “آيات صوفيا” التي تعود إلى أحضان تركيا المسلمة بعد تحييد “أتاتوركي” دام 86 سنة كاملة.

لقد بدأ عصر التكتلات الجديدة بحثا عن قوة موازية للغرب الأوروبي والأمريكي.. أوروبا مهما كانت ستبقى مع أمريكا، فيما ستتكتّل تركيا والصين وإيران وروسيا والجمهوريات الإسلامية المجاورة، وباقي الدول الإسلامية من باكستان إلى جاكرتا، لتشكِّل قوة اقتصادية وأمنية موازية للغرب الأوروبي والأمريكي، إن لم يكن هذا في الآجل، ففي العاجل. هذه القوى الجديدة سيكون أمامها خياراتُ السلم والحرب: خيار المنافسة الاقتصادية، ولكن أيضا خيار الحرب الطاحنة التي قد تغيِّر من موازين القوى والجغرافيا السياسية رأسا على عقب، خاصة في الشمال الإفريقي مع دخول معادلة “الغرب مليح، الشرق قبيح”.. فـ… “الترك أحسن”.

مقالات ذات صلة