الرأي

ممنوع على الذين تقل أعمارهم عن الثمانين؟

تقول العملية الحسابية البسيطة، إن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي سيبلغ الثالثة والتسعين من العمر، في نهاية عهدته الرئاسية التي بصم عليها الشعب التونسي، بعد انتخابات رئاسية اختاروه فيها، دون كل الذين ترشحوا لرئاسة البلد الوحيد، الذي نجحت فيه ثورة الربيع العربي.

وإذا كان بطل الثورة محمد البوعزيزي قد هلك شابا دون سن السابعة والثلاثين، وصاحب الصيحة الشهيرة “بن علي هرب” المحامي عبد الناصر لعويني قد خاطر بحياته بكشف هروب الرئيس دون سن الأربعين، فإن التونسيين الذين ملّوا من زعيمهم الأول الحبيب بورقيبة الذي انتخبوه مدى الحياة، ومن زعيمهم الثاني زين العابدين بن علي، الذي كان يخطط لأن يموت على كرسي الرئاسة، عادوا الآن لينتخبوا رئيسا، إن منحوه عهدة ثانية فسيدق أبواب القرن من العمر، وهو على كرسي الرئاسة.

الحديث هنا لا يعني السن فقط، فقد نجد في نهر شيخ في الغابرين ما لا نجده في بحار شاب يانع في نشاطه البدني فقط، ولكنه بالتأكيد حنين إلى زمن لم يبلغ صفة الماضي بعد.

وإذا كانت الأنظمة الشمولية والديكتاتورية العربية على وجه الخصوص، قد حققت على مدار أكثر من نصف قرن من حكمها شيئا ملموسا، فهو بالتأكيد، كونها تمكنت من أن تمسح شريحة الذاكرة من الأمة نهائيا، فكانت ومازالت وستبقى هي أولا وآخرا، وستبقى هي، أو لا أحد، واقتنع الشعب التونسي كما اقتنع غيره بأنه أمام خيارين فقط، وهما الحكم الديكتاتوري أو الحكم الديكتاتوري، واقتنع الجميع بأن هاته الدول التي خنقت الأمة تمكنت من أن تترك الطوفان بعدها والأرض محروقة لا شيء فيها، فكانت هي الدواء بالرغم من أن الشعب يعلم بأنها هي الداء، فأبانت عن عبقرية لا مثيل لها، وهي إطفاؤها للمشعل الذي كانت تحمله من دون أن تسلمه لأحد، حتى لا يكون لها وريث.

والذين أبرقوا إلى قضاة مصر بتبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك تمنوا لو أن الرجل بقي إلى حد الآن في الحكم حتى وإن كان عمره قد قارب السابعة والثمانين، ليس لأن الرجل وغيره من الزعامات يتميزون بالنزاهة والعبقرية، وإنما لأنهم تمكنوا في عقود قليلة من أن يصنعوا جيلا عاجزا في كل المجالات الحيوية والسياسية على وجه الخصوص، بدليل أن الجزائريين الذي يجمعون على مساوئ النظام الحالي، لم يجدوا بديلا أقل سوءا من هذا النظام، حيث ساهمت رداءة المعارضة في بقاء هذا النظام السيئ، الذي كان ينفق تبذيرا وإسرافا من أموال النفط، ويتبنى كل المشاريع التي أقيمت في العقد الأخير، ويعتبرها من عصارة أفكاره وجهده وسهره، ثم عاد الآن ليرفع الراية البيضاء ويعترف بعجزه ويطالب المواطنين بشد الحزام.

تونس وجدت شيخا قارب التسعين، من العهد السابق، راهنت على خبرته وليس على أفكاره الجديدة، ولكن البقية قد لا تجد من هذا الجيل الغابر غير التماثيل الحجرية. ربما نجحت المملكات في توريث حكمها وبعض خبراتها للأمراء ولكن الرؤساء اجتهدوا حتى يكون الجيل الجديد عاجزا عن وراثتهم.. فنجحوا.

مقالات ذات صلة