-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من السلاطين إلى وهبي

من السلاطين إلى وهبي

“لسنا في حاجة إلى مساعداتكم”.. هي العبارة التي ردّت بها سلطات الرباط على عرض جزائري للمساعدة في التكفل بمنكوبي الزلزال، سواء عبر إعانات إنسانية أو فرق إنقاذ للمساهمة في البحث عن ناجين، وجثث بقيت لأيام تحت الأنقاض بسبب ضعف إمكانات الدولة.

هذه الوضعية أثارت حيرة حتى دول غربية بعيدة جغرافيًّا عن المملكة العلوية، فصُحف مثل “واشنطن بوست” الأمريكية، كتبت مقالا عنوانه “رفض سلطات المغرب للمساعدات يثير الحيرة”، وورد في محتواه ما ملخصه، أنه من أغرب ما يمكن أن تسمعه هذه الأيام، أن دولة منكوبة بسبب زلزال يرفض حكامُها مساعدات دولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، رغم نداءات الاستغاثة من المواطنين والتي غزت شبكات التواصل، ويقولون فيها إن ضحايا تحت الأنقاض لأيام وفرق الإنقاذ لم تصل بعد، فضلا عن تعفن جثث لم تُدفن بعد.

وبعيدا عن قضية رفض العرض الجزائري، وهو خطوة إنسانية سيّسها القصر وإعلامه وذبابه، فإن دولة مثل تركيا والمصنفة ضمن الدول المتطورة اقتصاديا، استقبلت مساعدات من 60 دولة خلال الزلزال الأخير.

وكثُرت التأويلات لسبب رفض المساعدات بين الخوف من نقل صور الفقر في المناطق الداخلية للمملكة، ورفض سلطات الرباط أن يرى العالم صورة المغرب خارج المناطق السياحية التي يرتادها الأجانب، لكن بالنسبة للمساعدات الجزائرية، فيبدو الرفض بدوافع سياسية أعمق، رغم أن شواهد تاريخية يمكن سردها تعدّ كافية لفهم موقف القصر المغربي.

ولم تأت السلطات المغربية بجديد في طريقة التعامل مع الجارة الجزائر بترحيب من وزير العدل، عبد اللطيف وهبي وتماطل ثم رفض الخارجية، وكان هذا هو دأبها منذ تأسيس المملكة، وحتى قبل ظهور قضية الصحراء الغربية التي يتحجج المخزن بأنها سبب تأزّم العلاقات.

ولمن يريد دلائل على هذا التوجه، يقرأ كتب التاريخ حول طريقة تعامل سلاطين المملكة العلوية مع المقاومات الشعبية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بداية بالأمير عبد القادر الذي تآمروا عليه ودفعوه إلى الاستسلام، ووصولا إلى ثورات أولاد سيدي الشيخ وبوعمامة، إذ وصل الأمر بالمخزن إلى معاقبة قبائل مغربية تقطن بالمناطق الحدودية ساندت كفاح الجزائريين.

وكانت هذه المؤامرات من المخزن ضد مصلحة المغرب أيضا، بعد أن ضيّع فرصا للتحالف مع المقاومين الجزائريين ضد الفرنسيين والإسبان قبل سقوط المملكة تحت نظام الحماية عام 1912.

ولم تتوقف المواقف العدائية ونقض العهود من القصر؛ فقد اصطدم الجزائريون، فجر الاستقلال، بغزو من القوات الملكية عام 1963، في إطار سياسة التوسُّع التي ينتهجها القصر، والذي رفض أيضا حتى الاعتراف بموريتانيا دولةً بعد استقلالها.

وظلت مناورات سلاطين الرباط نفسها ولم تتغير إلى اليوم، ففي عام 1988، اتفق البَلدان على تطبيع العلاقات بوساطة سعودية، كما وقّع القصر بعدها اتفاق إطلاق النار مع الصحراويين وتعهّد بإجراء استفتاء تقرير المصير في ظرف أشهر، لكنه استغل دخول الجزائر في أزمة سياسية وأمنية لينقلب على كل الاتفاقيات السابقة.

وعام 2005، قرر البَلدان إعطاء دفع للعلاقات الثنائية وبرمجا اجتماعا للجان التعاون بالرباط، لكن القصر ألغى الاجتماع وزيارة رئيس الحكومة من جانب واحد قبل 24 ساعة عن الموعد.

وكانت القمة العربية الأخيرة بالجزائر، محطة أخرى أكد فيها المخزن وفاءه لسياسته، فقد أكد الملك محمد السادس المشاركة، وقاد القصر حرب معلومات طيلة أسابيع بشأنها، لكنه تراجع في آخر لحظة وأضاع فرصة، ولو رمزية، للتقارب، ليعلن بعدها من الرباط عن “مدّ يده” للجزائر.

ولا يكاد الموقفُ من المساعدات يخرج عن هذا المسلسل من خرجات القصر التي استمرّت عقودا ومن الصعب تصديق أنها ستتغير، فهو لم يترك حتى فرصة رمزية خلال كارثة طبيعية كانت ستساهم في تخفيف الاحتقان والمحافظة على علاقات الشعبين في حدِّها الأدنى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!