-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بسبب الحداثة والتطور الرقمي

مُعايدات وتعاز إلكترونية أحدثت فجوة في العلاقات الإنسانية

نادية سليماني
  • 228
  • 0
مُعايدات وتعاز إلكترونية أحدثت فجوة في العلاقات الإنسانية
أرشيف

يتثاقلون عن زيارة الأقارب ويستسهلون قطع الأرحام.. ويحسبون أن بضع كلمات تُبعث عبر رسالة نصية من هواتفنا النقالة كافية، لتهنئة قريب بالعيد أو بتعزية في وفاة، أو بطلب قضاء حاجة، هي ظاهرة مُؤسفة وغريبة، بعدما بات مجتمعنا يتواصل الكترونيا بعيدا عن مشاعر الإنسانية والمودة والرحمة.
كثيرة هي معايدات الفطر عبر رسالة نصية أو فيديو مكرر ومنسوخ، لم يتعب صاحبه نفسه لخط كلمات بيده، وقلة من باتت تحرص على التنقل إلى بيوت الأقارب والأصدقاء لمعايدتهم أو تعزيتهم، إذ يكفي أن تقوم الرسالة النصية عبر الهاتف النقال بالواجب، فحتى المكالمات الهاتفية تم إلغاؤها لدى البعض، بل بعض المتصلين هاتفيا يتمنون ألا يجيب من يتصلون بهم على المكالمة!
“زينب”، سيدة تقطن بحي باب الوادي بالجزائر العاصمة، أخبرتنا أنها في جنازة ابنها، الذي توفي في عز شبابه قبل شهر رمضان، تلقت تعزية عبر مكالمة هاتفية من شقيقة زوجها أي عمة المتوفى القاطنة بولاية تيزي وزو، أما أبناء الأخيرة فاكتفوا بتعزية خالهم عبر رسالة نصية فقط، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التنقل لمنزل الفقيد، رغم امتلاكهم سيارة، وأضافت مُحدّثتنا: “وبعد سنة، أقمنا حفل زواج لأحد أبنائي، والمفاجأة حضور هذه العمة وأبنائها، وهنا قام زوجي بطردهم، لأنهم لم يواسوه في قرحه ولا تزال علاقتهم متوترة الى اليوم”.
أما عن رسائل تهنئة العيد النصية والإلكترونية فحدث ولا حرج، وجميعها نسخ ولصق. وكل هذا دليل على استسهال الناس قطع أرحامهم، رغم ما في الأمر من خير وبركة كبيرتين.
وفي هذا الصدد، تؤكد المختصة في علم الاجتماع، جميلة شطيطح، أنه يمكننا القول بأن المعايدات والتهاني وحتى التعازي في مجتمعنا، تحولت من حية إلى إلكترونية.
وقالت في حديث مع “الشروق”، بأن مجتمعنا المعاصر يشهد انتشار ظاهرة المعايدة وتقديم التعازي إلكترونيا على الأهل والأقارب، وتفاقمت الظاهرة بشكل كبير مؤخرا، بعدما كانت الروابط الاجتماعية والعائلية قوية سابقا، ولكنها ومع مرور الوقت ودخول الهاتف النقال لحياتنا، بات التواصل بين الأهل والأصدقاء والخلاّن إلكترونيا.

المُعايدات باتت افتراضية خالية من المشاعر
وأضافت محدثتنا: “بعد أداء العبادات في شهر كامل من الصيام والقيام وتلاوة القرآن، يحل عيد الفطر المبارك، عيد التسامح والغفران، الذي تعم فيه الرحمة والتآلف والتآخي بين المسلمين، وميزة العيد وفرحته تكمن في زيارة الأهل والأقارب والأصدقاء، فتفتح الأيادي للحضن ويطغى العناق”.
وأردفت المختصة: “كانت العائلات سابقا، ومباشرة بعد صلاة العيد تهرول نحو الأهل والأقارب حاملين معهم الحلويات التقليدية، ليجتمعوا حول مائدة واحدة، وغالبا يكون اللقاء في منزل كبير العائلة، أين يتبادلون أطراف الحديث، ويستحضرون شهر الصيام، آملين عودته عليهم بالخير واليمن والبركات، ولكن مع تطور الهواتف النقالة وظهور منصات التواصل الاجتماعي، بدأت هذه العادات الحميدة الأصيلة لمجتمعنا بالتراجع بسبب موجة الحداثة والتطور التكنولوجي، التي غيرت من سلوكياتنا، لاسيما تلك المتعلقة بالتواصل، وتلاشت بظهورها الزيارات، وأصاب الكثير منا الكسل والتراخي على زيارة أقاربه، وتبنّى الناس سلوكيات وعادات جديدة في تواصلهم مع أهلهم، معتمدين على التواصل الإلكتروني والرقمي.. وبالتالي، انتقلنا من زمن المعايدة الحية الحضورية إلى زمن المعايدة الإلكترونية برسائل هاتفية أو عبر الواتساب أو الفايبر أو المسنجر وغيرها، مما تسبب في زيادة نسبة الفتور في المشاعر”.
وترى محدثتنا بأن التطور الرقمي جعل التواصل بين الأشخاص سهلا وسريعا خاصة في ديار الغربة لأنها قرّبت البعيد، ولكنها من جهة أخرى وللأسف “تسببت في إبعاد القريب، وباتت نقمة على العلاقات الإنسانية وأحدثت فجوة في العلاقات بين الأفراد وصاروا يفضلونها على كل ما هو لقاء وتعاطف وتعانق، وأضحى تعاملهم مع ذويهم عبر رسائل نصية لا يضاهي فضل زيارة نصل بها أرحامنا، تتجلى فيها روح الإسلام السمحة وتتعزز فيها أواصر الأخوة والمحبة بين أفراد الأسرة وأبناء المجتمع الواحد”.
واختتمت جميلة شطيطح بأن أحلى هدية يمكن أن يتلقاها شخص هي تهنئة أو مواساة حضورية، من شخص يبدي لك فرحته وتعاطفه الإنساني الحيّ والحضوري، والتي لا تعادل فرحتها وقيمتها الإنسانية والدينية، معايدة إلكترونية افتراضية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!