-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"كسافييي" مصدوم من سياسة الرئيس تبون السياديّة

نديّة الجزائر الجديدة تنسف أحلام الاستعماريّين الفرنسيين

محمد مسلم
  • 6605
  • 0
نديّة الجزائر الجديدة تنسف أحلام الاستعماريّين الفرنسيين
أرشيف
كزافيي دريانكور

تكتنز الأدبيات السياسية في الجزائر مقولتين لرجلين طبعا تاريخ الجزائر الحديث، الأولى لرائد النهضة في الجزائر، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي قال ذات مرة “لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله، ما قلتها”، أما المقولة الثانية فهي للزعيم الراحل هواري بومدين وجاء فيها: “إذا انتقدتني فرنسا فأنا في الطريق الصحيح، وإذا شكرتني فعلي مراجعة حساباتي”.

هاتان المقولتان الخالدتان تبقيان نبراسا يستأنس به الجزائريون في رسم مسار العلاقات مع فرنسا، والتي تبقى مثالا للتعقيد والاضطراب. وانطلاقا من هذه الخلفية يتعيّن قراءة المقال الذي كتبه السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر، كسافيي دريانكور، على أعمدة صحيفة “لوفيغارو” اليمينية، الصادر في عدد الإثنين.

يعتبر دريانكور حالة نادرة في التمثيل الدبلوماسي لبلاده، فهو الوحيد الذي عمل في الجزائر لعهدتين، من 2008 إلى 2012، ثم بين 2017 و2020، وجاء تعيينه سفيرا في الجزائر، في عهد الرئيس اليميني الأسبق، نيكولا ساركوزي، وهذا المعطى يختزل الكثير من الأدوات التي تساعد في تحليل وقراءة ما كتبه الدبلوماسي الفرنسي.

في المقال، يتحدث دريانكور عما اعتبره زاعما ومتوهما “انهيار الجزائر”، ثم ينقل تداعيات ذلك على الجمهورية الفرنسية الخامسة، وهو التقييم الذي خلص إليه في وقت تشهد العلاقات بين البلدين تطورا لافتا بعد مرحلة من الجفاء، وصل حد استدعاء الجزائر سفيرها من باريس رفضا لعداء غير مبرر تجسّد في حملة مركزة قادها سياسيون وإعلاميون فرنسيون.

بالنسبة للدبلوماسي الفرنسي المتقاعد، فالجزائر “شأن داخلي بالنسبة لفرنسا”، هذه المقاربة ليست استنباطا من طرف المتابعين والقراء، وإنما قناعة لدى دريانكور، وقد كتب ذلك في مذكراته التي عنوانها “اللغز الجزائري”. ويبدو أن التطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية لا ينظر إليها صاحب المقال بعين الارتياح، للعديد من الأسباب.

الأيام الأخيرة من مهمته الثانية في الجزائر، لم تمر كما كان يتمناها دريانكور وقد تزامنت مع تحولات جذرية شهدتها البلاد بفضل “الحراك الشعبي المبارك”، كما أسماه في المقال. فبعد ما كان يتجول دريانكور في ربوع الجزائر بكل حرية وكأنه صاحب الدار في عهدته الأولى (2008 /2012)، باتت تحركاته مشبوهة ومرصودة بإحكام في مهمته الثانية 2017 / 2020، إلى درجة أنه طلب من الرئيس ماكرون، إعفاءه من مهمته، كما جاء في تسريبات، لم يتم تكذيبها في حينها.

طبعا، الجزائر تغيرت وفق ما يريده الجزائريون ولكن ليس كما يريده من لا يزالون يفكرون بمنطق فرنسا الاستعمارية ومن هم على شاكلة دريانكور، الذي لم يستسغ ضياع المكانة التي كان يحظى بها السفير الفرنسي في عهد النظام السابق، مقارنة بما هي عليه الآن، حيث أصبحت الندية عنوانا في الممارسة الدبلوماسية، والحفاظ على المصالح العليا للوطن، معيارا في تأطير العلاقات الثنائية.

توقيت المقال وأهدافه يطرح أكثر من سؤال. ومن بين الأسئلة التي تبرز إلى الواجهة هنا، هل اقتنع دريانكور أن الرئيسين عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي، نجحا في وضع قطار العلاقات الثنائية على السكة الصحيحة، وأن أطرافا فرنسية متنفذة لا تريد لهذه العلاقات أن تستقيم؟

هذه المقاربة ترتكز على الكثير من المبررات. فالدبلوماسي السابق لم يهدأ له بال وهو يرى الدفء يقتحم العلاقات بين الجزائر وباريس، وبالضبط منذ الزيارة التي قادت الرئيس الفرنسي إلى الجزائر في نهاية شهر أوت المنصرم، وهي الزيارة التي كانت حجر الأساس لإرساء استراتيجية جديدة في إعادة بناء العلاقات الثنائية قوامها الندية والاحترام المتبادل، والشروع في تسوية واحد من أعقد الملفات وهو ملف الذاكرة، الذي كان سببا وعلى مدار عقود طويلة في تسميم الأجواء بين البلدين.

ومنذ تلك الزيارة (زيارة ماكرون للجزائر)، أصبح دريانكور ينشر مقالات مناسباتية في صحيفة “لوفيغارو” وله العديد من الفيديوهات، كلها تنتقد الجزائر وتوجّه الرئيس الفرنسي في إعادة بناء العلاقات معها، على غرار الحوار الذي قام به للصحيفة وهو موجود على موقعها بتاريخ 10 أكتوبر المنصرم، والذي جاء تحت عنوان “نتساءل عن رؤية إيمانويل ماكرون للجزائر”، وقبل ذلك نشر مذكراته المعنونة: “اللغز الجزائري”، الذي حمل توصيفات مسيئة للجزائر.

لا يختلف ما كتبه السفير الأسبق عن الجزائر، عن الأفكار التي يتبناها ويدافع عنها اليمين الفرنسي وذراعه الإعلامية “لوفيغارو”، وهي التوجهات التي لا تعتبر الاحتلال الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، كما يراها الرئيس ماكرون، بل ينتقدونه بشدة على هذا التصريح، لأنهم يؤمنون ظلما بأن الاستعمار جلب الحضارة إلى الجزائر، حتى وهو الذي قتل من الجزائريين ما يناهز السبعة ملايين نسمة.

كما أن تولّي الرئيس تبون مقاليد الحكم، وفق مراقبين، أزعج أذناب العصابة في الخارج، بعد ما وضع حدا لنهب أموال الجزائريين التي كانت تهدر تحت ذريعة الاستثمارات لتهريب العملة الصعبة، وتبنى سياسة سيادية معتمدة على مبدأ الندية في إعادة بناء علاقات الجزائر مع فرنسا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!