-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أكاديميون ومبدعون يحلّلون الظاهرة ويتساءلون..

هل أدب الكرة يواكب صخب الملاعب والجلد المنفوخ في الجزائر؟!

صالح سعودي
  • 834
  • 0
هل أدب الكرة يواكب صخب الملاعب والجلد المنفوخ في الجزائر؟!

إذا كانت الجماهير الكروية تتابع هذه الأيام منافسة كأس العالم الجارية بكثير من الشغب والاهتمام، مباشرة من ملاعب دولة قطر، وسط أجواء تطبعها النسوج الكروية فوق الميادين واللوحات الجميلة في الشوارع والمدرجات، ناهيك عن تفعيل السياحة الرياضية وأنشطة أخرى موازية ومواكبة لهذا الحدث العالمي، فإن البعض يتساءل عن موقع أدب كرة القدم ومدى مواكبته لصخب الملاعب ومتعة الجلد المنفوخ في الجزائر وبقية بلدان العالم.

يجمع الكثير على النقص الكبير الذي تعرفه المكتبة الرياضية الجزائرية (في الشقين الإبداعي والنقدي والتوثيقي) مقارنة بالإصدارات التي تصب في الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية التجريبية والتقنية وغيرها من المجالات، ولو أن ذلك لا يخفي جهود بعض المساهمين في إصدار عدة كتب تصب في خانة أدب كرة القدم أو الأدب الرياضي بشكل عام، على غرار ما ذهب إليه عزالدين ميهوبي برؤية تحليلية ولمسة أدبية في كتاب “ومع ذلك تدور” و”ميسي والآخرون” و”جابولاني”، عن هذا الأخير قال واسيني الأعرج بأنه “جاء في وقته ليسد فراغا في شيئين. في الرياضة ولغة الرياضة”. والكلام ينطبق أيضا على الكاتب والروائي الشاب نجم الدين سيدي عثمان الذي أتحف المكتبة الرياضية ب3 إصدارات تخدم أدب الجلد المنفوخ وهي “رحلات جزائري في ربوع إفريقيا” و”كنت في البرازيل” وكتاب آخر بعنوان “الفار.. القصص السرية لأبطال إفريقيا”، كما صدر للعربي محمودي العام الماضي كتاب “صراحة قلم.. مع كل الود” يتضمن مقالات وآراء رياضية بتوابل أدبية راقية. وقبل ذلك لا يمكن نسيان رواية “ضربة جزاء” لرشيد بوجذرة، ورواية أخرى باللغة الفرنسية لعبد القادر جمعي بعنوان “LE JOUR OU PELÉ”.

المكتبة الرياضة بين البعد التقني التوثيقي والحاجة إلى الأدبي والنقدي

أخذ البعد التقني والتوثيقي اهتمام بعض المساهمين في إثراء المكتبة الرياضية على قلتهم مقارنة بشعبية اللعبة في الجزائر والخارج، وهذا بناء على عدة إصدارات كانت وراءها أسماء أغلبها مارست الإعلام من ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن، عل غرار حميد قرين وعلي لهواري ورابح سعد الله وجمال بن فارس وحسين صديقي، وهي وجوه برزت بإصدار عدة كتب خلال ثمانينيات القرن الماضي بالخصوص. وسار على نفس النهج عدة أقلام حاولت خدمة المكتبة الرياضية بكتب خففت ولو نسبيا من الفراغ الموجود في هذا الجانب، على غرار ما قام به علي مروش وعبد الناصر بن عيسى وعياش سنوسي وفوزي بن كاري ويزيد وهيب وغيرها من الأسماء التي سلطت الضوء على تحولات وتطورات الرياضة الجزائرية بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص من ناحية التطور والانجازات المحققة، وكذلك تسليط الضوء على أندية ومنتخبات مثل فريق جبهة التحرير الوطني والمنتخب الوطني ونجوم كروية ورياضية مشهورة مثل رشيد مخلوفي ولخضر بلومي ورابح ماجر ونور الدين مرسلي وحسن لالماس والبقية، فيما لجأ بعض التقنيين إلى إصدارات في أدب السيرة، مثل كتاب “الملاكمة حياة وممارسة” لمحمد ميسوري، وكذلك المدرب حميد زوبا الذي خلد مسيرته قبل وفاته في كتاب، شأنه في ذلك شأن الحارس الراحل مهدي سرباح، فيما صنع سعيد سلحاني التميز بإصدار عدة كتب وثّق فيها لأبرز محطات ونتائج وإنجازات المنتخب الوطني في مختلف المنافسات الرسمية والمباريات الودية، وكذلك أبرز محطات البطولة الوطنية وكأس الجمهورية منذ الاستقلال، وله كتاب آخر حول شباب بلوزداد. كما سجلنا أيضا صدور كتب لها علاقة بالجانب التقني مثل كتاب الحكم الراحل أحمد خليفي حول خصوصيات التحكيم في كرة القدم، ومنجز المدرب لمين زموري حول الخطط الفنية الحديثة في مجال كرة القدم، وغيرها من الجهود الفردية المبذولة، في محيط يعج بصخب الملاعب ويفتقر إلى إنتاج يواكبه بالشكل اللازم من الناحية الفنية والإبداعية والأكاديمية والتوثيقية.

الكرة بين الشعبية الجارفة وجفاف الإصدارات..

ويشكل الوسط الكروي في الجزائر مجموعة من التناقضات، فمن جهة نسجل شعبية واسعة اتجاه لعبة كرة القدم، ومن جهة أخرى لا تزال المكتبة الرياضية بعيدة عن التطلعات من ناحية كمية ونوعية الإصدارات التي تصب في خانة التوثيق والمعالجة التحليلية والإبداعية ببعديها الأدبي والنقدي، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول طبيعة الخلل الحاصل في هذا الجانب. ويؤكد الأستاذ عيسى بلخباط في حديثه مع “الشروق” بأن كرة القدم تتصدر اهتمامات الشريحة العريضة من الجزائريين وفي كثير من الأحيان على حساب المستجدات السياسية والثقافية في البلاد، ورغم هذا الزخم الشعبي للمستديرة، إلا أنه حسب قوله لم يترجم إلى أعمال أدبية جادة، مضيفا أن حضور كرة القدم في أعمال أدبائنا يكاد يكون نادرا وهامشيا، كما نجد ذلك في العمل الإبداعي للكاتب عز الدين ميهوبي “ما لم يعشه السندباد” وإصدارات أخرى له، معتبرا أن الكاتب ميهوبي يعد أكثر الكتاب الجزائريين ارتباطا بكرة القدم وبصدى الجماهير في فترة عمله في الصحافة الرياضية، إضافة إلى ما كتبه الروائي واسيني الأعرج في الصحف الوطنية عن الاحتقان الذي حدث بين الجزائر ومصر بعد المباراة الشهيرة بأم درمان، والأحداث المؤسفة التي نتجت عنها، وغلب على مقالات الأعرج التذكير بالروابط الإنسانية المشتركة بين الشعبين.

هل يمكننا الحديث عن وجود أدب كرة القدم في الجزائر؟

ولم يتوان الدكتور المبدع علاوة كوسة في طرح تساؤل وجيه ومباشر، وهو “هل يمكننا أن نتحدث يوما عن “أدب كرة القدم” بوصفه نوعا أدبيا مستقلا، قائما بنصوصه، وخصائصه وموضوعاته؟ وهل يمكن أن يكون ذلك التراكم الشاسع من الكتابات -التي جعلت من كرة القدم موضوعا لها- قادرا على جعلنا نؤمن بوجود أدب خالص لوجه كرة القدم؟ منذ الكتاب التأسيسي الموسوعي “كرة القدم في الشمس والظل” لإدواردو غاليانو، إلى أشعار: فرناند أستيللي، وروبي كينيدي وديوان (كرتي القديمة) لميلتون هايس، مرورا بمعروف الرصافي وغادة السمان ونجيب محفوظ وعز الدين ميهوبي ونجم الدين سيدي عثمان وحفيظ دراجي ومحمد جميل وأشرف عبد الشافعي وغيرهم. مؤكدا أن هؤلاء الذين كتبوا في كرة القدم نصوصا خاصة، أو وردت في كتاباتهم بشكل عرضي. أما عن “أدب كرة القدم” في الجزائر، فيقول الأستاذ علاوة كوسة أنه “قد أسست له الصحافة الرياضية، بل وأخلص له الإعلاميون الرياضيون في محاولتهم “أدبنة” كرة القدم، ومنهم: عزالدين ميهوبي (جابولاني، ومع ذلك فإنها تدور) وحفيظ دراجي (لا ملاك ولا شيطان)، ونجم الدين سيدي عثمان، والذي أعدّه رائد الأدب الرياضي في الجزائر، من خلال مجموعته القصصية var)) التي اتخذت من كرة القدم موضوعا خاصا وخالصا لها”، كما يرى محدثنا بأن الكاتب المصري محمد جميل يعد رائد الرواية الرياضية في العالم العربي من خلال روايته (الماجيكو)، أما الكاتبة القطرية منيرة آل ثاني فيصنفها رائدة الكتابة النسوية الرياضية من خلال كتابها (كارت وردي)، وهكذا سيظل حسب الدكتور علاوة كوسة تداخل الأدبي بالكروي مدهشا بموضوعه مثيرا للجدل بمدى استغلال أحدها لشعبية الآخر للتوسع والانتشار، مثلما استغلت السينما العربية (كرة القدم) موضوعا جماهيريا لتؤسس لأفلام رياضية على شاكلة فيلم (الدرجة الثالثة).

الأدب بين الحرية والارتباط بلعبة كرة القدم

من جانب آخر، يطرح الأستاذ الإعلامي عبد الناصر بن عيسى إشكالية مهمة حول مدى إمكانية ارتباط الأدب بلعبة كرة القدم، حيث قال في هذا الجانب للشروق “الأدب هو حرية، فما بالك أن يرتبط بلعبة كرة القدم، لكن المشكلة في الجزائر، هي التعصب الذي يُفقد الأديب ومعه الكاتب الرياضي حريته، لأجل ذلك يبدو أديب كرة القدم أعرجا ولا يبدع بالشكل المطلوب، بدليل افتقاد رفوف المكتبات للمؤلفات الرياضية، وهي على قلتها لا تجد الرواج”، وما زاد في تدهور الوضع حسب رأيه هو تحكم السمعي البصري في المشهد الإعلامي، مضيفا أن الصحافيين في مختلف تلفزيونات العالم العربي يتعاملون مع مشاهدين من كل الأقطار، فحدث اندثار اللغة العربية وسط اللقطات المثيرة والصياح واستعراض حبال الصوت، وحسب قوله “لا تكاد تستمع لجملة مفيدة يمكن إدراجها ضمن الكتابات الأدبية، وانتقلت الظاهرة إلى كتابات غالبية الصحافيين الرياضيين إلا من رحم ربك”. وقال الأستاذ ناصر بن عيسى في سياق حديثه: “وإذا كنا إلى وقت قريب نحلم بمجلة رياضية راقية بلغتها، كما هو الحال مع مجلة فرانس فوتبول التي حافظت على رقيّها في التحرير، فإن أملنا قد تبخر في الفترة الأخيرة مع انهيار المقروئية ومطالب رواد التواصل الاجتماعي الذين يصرّون على ابتلاع ما خفّت قراءته وسهُل استيعابه وأحيانا يطالبون بلغة دارجة مزيج بلغة الشارع المفرنسة”، فظهرت حسب محدثنا كلمات شائعة لا علاقة لها باللغة العربية الأصيلة، أما عن التعصب والخوف من قول الحقيقة أمام المتعصبين، فإنه حسب ناصر بن عيسى قد زاد من أزمة أدب كرة القدم، مؤكدا أن القارئ يبارك كتاباتك فقط إذا سايرت مشاعره، “وينتقدك وقد يخوّنك إذا لم تقدم له أدبا كرويا يتفق مع آرائه”.

أدب الكرة بين الشفوية وعدم إعطاء الأولوية للمعيش اليومي

أما الكاتب عبد الرزاق بوكبة الذي يعد من مؤسسي “أدب البيت” في الجزائر، فله رأي فيما يصطلح عليه بـ”أدب كرة القدم”، حيث يقول في هذا الجانب: “في المجتمعات المنخورة بالثقافة الشفوية، نستطيع أن نجد تأخرا في مجالات متصلة بالحياة، لكنها غير متصلة بالكتابة بصفتها أثرا.” مضيفا أن الشارع الجزائري، مثلا، ثري بكل أنواع الجريمة، بل إن هناك أنماطا مبتكرة منها، لكننا نعرف ندرة في الأدب البوليسي. والحديث قياس على كرة القدم، فقد تأسست لدينا فرق كروية منذ عشرينات القرن العشرين، في العاصمة وفي مدن كثيرة، ثم أسسنا فريق جبهة التحرير الوطني عام 1958، وقد لعب حوالي 80 مباراة قبل الاستقلال، وعشنا تجربة تألق فريقنا في الألعاب المتوسطية في الجزائر منتصف السبعينات، ثم في مونديال إسبانيا عام 1982، إلى آخر الفتوحات الكروية، منها إنجازات جمال بلماضي. مع مراعاة كوننا زودنا أرقى الفرق العالمية بكثير من الأقدام الذهبية لعبا وتدريبا. هذا كله بالموازاة مع شغف شعبي بالكرة المستديرة، فنحن حسب عبد الرزاق بوكبة “من الشعوب التي تزدهر فيها ظاهرة المناصرين المتطرفين في الوفاء لفرقهم، حتى أننا بتنا نتحدث عن العنف في الملاعب؛ مع ذلك لم تثمر المدونة الأدبية لدينا أدبا خاصا بكرة القدم، ما عدا محاولات محتشمة، على مستوى الكتابة الأدبية وعلى مستوى الكلمات الموجهة للأغنية الرياضية، لم ترقَ إلى تشكيل ملامح أدب رياضي”. مؤكدا إن لذلك عواملَ موضوعيةً كثيرة، بالإضافة إلى النزعة الشفوية التي تهيمن على مخيالنا العام، منها سيطرة النزعة التأريخية على مشهدنا الأدبي والفني، فنحن في نظر عبد الرزاق بوكبة غارقون في التاريخ، وما تزال علاقتنا بالمعيش هشة، بسبب التوجه السياسي الحاكم المستند على الشرعية الثورية. ليلخص في الأخير إلى القول بأن الأدب الرياضي لا ينتعش إلا في المجتمعات التي تعطي الأولوية للمعيش اليومي، بحيث تنبري الفنون عفويا للتعبير عنه وتجعل من ذلك دليلا على روح المواكبة لديها.

انصراف الأدباء عن الكرة ظاهرة جزائرية.. لكن الاستثناء موجود

ويرى الأستاذ الدكتور وليد بوعديلة من جامعة سكيكدة بأن الكتابة الأدبية عندنا مازالت بعيدة نوعا ما عن الأجواء الرياضية وعوالمها الجميلة، وبعيدة عن يوميات الملاعب وصراعات كرة القدم، وحسب قوله لم نقرأ إلا القليل مثلا عن تاريخ الكرة وممارسيها، ضمن ما يمكن تسميته أدب مذكرات الكرة، كما هو الأمر مع كتاب يزيد وهيب “أحسن لالماس الأسطورة” وغيره من الكتب التوثيقية والسير ذاتية. وحسب الدكتور وليد بوعديلة فإننا نسجل هنا تجربة عربية أردنية مميزة، حيث كتبت الروائية دينا أبوعديلة رواية عن حارس المنتخب الأردني لكرة القدم في الثمانينيات والتسعينيات، محمد أبو داود، عنوانها “الباشا والخشاب”، أما جزائريا فلم نجد هذا، وحسب قوله “نتمنى أن نقرأ مثلا روايات عن الحارسين سرباح أو دريد، وعن المهاجم بلومي أو ماجر وغيرهم من اللاعبين.. أو عن لاعبي جبهة التحرير ومسارهم ونضالهم، حيث تقدم الرواية الكثير من التفاصيل الحقيقية في إطار التخييل والفن”. وحسب محدثنا “لا أظن أنه يمكن إلغاء مشاهد وأخبار وأحداث الكرة في ثنايا بعض الروايات، وهذا يحتاج لمتابعة تاريخية وموضوعاتية”. لكن حسب رأيه فإن فن المقال هو أكبر فن أدبي حاور الجلد المنفوخ وتعامل معه، واقترب من أسراره وكواليسه، مثل كتابات عزالدين ميهوبي (ومع ذلك فإنها تدور، جابولاتي، ميسي والآخرون)، أو مساهمات حفيظ دراجي ونجم الدين سيدي عثمان. وسجل الدكتور وليد بوعديلة مسألة وصفها بالهامة، وهي عدم إغفال الكتابات الفيسبوكية الرياضية، لأن بعض الأدباء والمثقفين لجؤا إليها لكتابة ملاحظاتهم وإبداعاتهم وتحاليلهم، بالمزج بين المعلومة الكروية واللغة الأدبية، أو بين الجد والسخرية، مثل تجربة “تماس” للكاتب الأستاذ عزالدين ميهوبي مع مونديال قطر، وتجربة الأستاذ عبد العزيز بوحبيلة في صفحته الفايسبوكية، في سلسلة بعنوان “من وحي مونديال العرب 2022”. كما يتطرق وليد بوعديلة إلى الكاتب خليفة بن قارة الذي كان قد خصص فصلا من كتابه “الجزائر التي بإمكانها أن تقلع”، للحديث عن أزمة مقابلة كرة القدم بين الجزائر ومصر، للتأهل للمونديال 2010. فقال في مقال عنوانه “مصر.. السياسة تطيح بالرياضة”: “من المحزن حقا أن ينجح السفهاء في تحويل مقابلة رياضية عادية بين الجزائر ومصر، من كونها لقاء كرويا مجردا بين شباب البلدين، لاختيار الأحسن منهما كي يمثل الأمة كلها في كأس العالم، إلى جعلها مسألة وطنية كبرى، شحذت همم الطامعين في الانتخابات المصرية القادمة، كما لم تشحذ تلك الهمم في كل معارك الحرب المفتوحة مع العدو الصهيوني.”

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!