الرأي

هل تعود كوابيس أم درمان؟

ماذا لو جمعت قرعة تصفيات كأس العالم، مرة أخرى، منتخبي الكرة الجزائري والمصري، في مواجهة بأبعادها الاجتماعية والسياسية؟

هل سيعيد التاريخ “الأسود” نفسه؟ أم أن دروس الماضي حُفظت، ولن تُكرّر الأخطاء الجسيمة، التي جعلت العالم بأسره، بما في ذلك الدولة العبرية، تقترح الوساطة لتفكيك الكُرة الملغّمة التي كادت أن تنفجر، إن لم تكن قد انفجرت فعلا؟

ومجرد أن يقول بعض الجزائريين والمصريين، من لاعبين وجمهور، إنهم لا يريدون الالتقاء، هو في حد ذاته فشل، في تسيير أزمة سابقة عاشوها، وخوف من مواجهة أزمة لاحقة محتمل وقوعها، لأن البلدين اللذين يتمنيان تفادي الالتقاء ليس لأسباب كروية أو رياضية، لا يخشيان ملاقاة فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. وعندما يخاف بلدان يجمعهما الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا من أن يلتقيا في لعب الكرة، فإنهما بالتأكيد لن يلتقيا في الأمور الجادة من اقتصاد وتكنولوجيا وثقافة، ولن نتحدث عن قضية الأمة الأولى، فلسطين.

في أواخر جوان من عام 1969 عندما كان الجنود الجزائريون يقبعون في سيناء رفقة إخوانهم المصريين في حرب الاستنزاف، بعد نكبة حرب الستة أيام، كان أبناء أمريكا الوسطى يتقاتلون للظفر ببطاقة للعب كأس العالم بالبرازيل عام 1970، ففازت السلفادور على الهندوراس في لقاء فاصل، تحوّل في اليوم الموالي إلى حرب بين البلدين، قصفت فيها الهندوراس العاصمة سان سلفادور بالمدفعية، وتوغلت الجيوش السلفادورية أربعين كيلومترا في عمق الهندوراس، وتجاوز مدى الحرب أسبوعين، وبلغت فاتورتها ألفي قتيل، إضافة إلى خسائر بالملايير، مع دمار شامل، طال العديد من المدن. والآن، ومنذ مباراة الموت كما صارت تسمى، التقى المنتخبان الهوندوراسي والسالفادوري في أكثر من خمسين مواجهة رسمية، مرّت جميعها بسلام، بل إن الكثير من المباريات بين المنتخبين صارت تجري في غياب رجال الشرطة، ويفضل أهل السلفادور والهوندوراس، وكلاهما بلدان متخلفان اقتصاديا، أن يُطلقا على المباراة التي تجمع بينهما بـ”عيد الكرة”.

ولمن لا يعلم، فإن سكان هوندرواس والسالفادور، الذين يتشعّبون بين أعراق “الميستيزو” والهنود الحمر والسود والبيض، يدينون بالكثير من الديانات بين كاثوليك وبروتيستانت وديانات بدائية ومنهم من يعبد البهائم، ومع ذلك اجتمعوا، منذ أن فرقتهم الكرة في رحلة كأس العالم بالبرازيل، ويتمنيان أن يلتقيا دائما، ليحتفلا دائما، بينما يضع غالبية المصريين والجزائريين أيديهم على قلوبهم خوفا من “قدر”، قد يختار التقاءهما، لأجل أن يلعبا في رحلة كأس العالم بالبرازيل أيضا.

 

اللعب هو ممارسة طفولية، تبدأ بالبهجة والضحك وقد تنتهي بالبكاء، ولكن بالحنين لمعاودة اللهو، واللعب في أم درمان جرّنا إلى شهور من الفتنة، وتحوّل الإعلام المصري، عن قضايا أمته التي هي على مرمى حجر من أعدائها، نحو جرّ الفنانين والعلماء ورجال الدين لأجل أن يشتموا الشهداء، ويشككوا في عروبة وإسلام غيرهم، وإذا كان الأطفال يلعبون ويبكون ثم يلعبون، فإن كبارنا الآن، يخشون اللعب، والذي يخاف اللعب، لا تنتظر منه الجدّ… أبدا.

مقالات ذات صلة