الرأي

هل يحتاج “الخُضر” إلى رُقية؟!

حسين لقرع
  • 2777
  • 5

أخيرا تعرّض المنتخبُ الجزائري لكرة القدم لهزيمةٍ مُرّة بعد 35 مباراة كاملة بلا تعثّر، وهو أمرٌ كان منتظرا، لأنّ الأيام دولٌ بين الناس وليس هناك فريقٌ يحتكر الانتصارات والتتويجات إلى يوم يُبعثون.

في وضعياتٍ مثل هذه، ينبغي أن يُترَك المجالُ فقط للمحلّلين الرياضيين، من مدرِّبين ولاعبين قدامى وكلِّ من له علاقة بكُرة القدم، لتشريح أسباب هذا التراجع في النتائج، بعد ثلاث سنوات ونيّف من تحقيق الانتصارات وحتى التعادلات الإيجابية، هؤلاء فقط هم الذين يحقّ لهم الحديثُ عن أسباب هذه الإخفاقات المفاجئة، بحكم اختصاصهم، كما يخوض الأطباءُ وخبراء الصحة وعلماء الأوبئة في كورونا مثلا، ويتحدَّث الفلاحون عن شؤون الفلاحة، وهلمّ جرًّا…

من هذا الجانب، كان ينبغي أن لا يخوض في أسباب الإخفاق الرياضي لمنتخبنا سوى المحلّلين الرياضيين وحدهم، لكنّ الغريب في الأمر أنّ أحد الرقاة أقحم نفسه في ما لا يعنيه، وقدّم تفسيرا غريبا لهذا الإخفاق وزعم أنّ الأمر يتعلق بالسِّحر والعين، وعرض على السلطات مساعدته للسفر إلى الكاميرون ليرقي لاعبي المنتخب ويخلّصهم منهما، وتجاوب معه كثيرٌ من العامّة وطفقوا يتحدّثون عن السِّحر الإفريقي الذي منع منتخبَنا من التسجيل في مباراتين متتاليتين؟!

لو كان سحرُ الأفارقة يمنع تسجيل الأهداف ضدّ منتخباتهم، كما يعتقد بعض المستسلمين للوهم، لما تعرّضوا للهزائم قطّ عبر تاريخهم، ولكانوا قد فازوا بكأس العالم، بل لاحتكروها وتداولوها بينهم ولم يكن لغيرهم منها أيُّ نصيب، لكنّ الأفارقة لم يحصلوا عليها ولو مرة واحدة منذ 92 سنة كاملة، جرت خلالها 21 دورة، ولم تفُز بها سوى المنتخبات العملاقة المعروفة عالميا بقوّتها الكروية، وليس منتخبات البلدان التي يعشِّش فيها السِّحرُ والخرافات والجهل والتخلّف…

كرةُ القدم الآن تكاد تصبح علما، ودولُ العالم المتطوِّرة تدرِّسها، وتستثمر الملايير لبناء الملاعب والمنشآت ومراكز التكوين وجلب أحسن المدرِّبين في العالم وتجنيس أفضل اللاعبين، قصد حصد التتويجات والألقاب في آخر المطاف، ولم نسمع قطّ بلدا أوروبيا أو البرازيل والأرجنتين تنصّل من تحمُّل مسؤوليته عن أيِّ هزيمةٍ يُمنى بها منتخبُه وعلّقها على مشجب السِّحر، أو رمى بها مشعوذي البلدان الفائزة.

سمعنا الكثير عن تعرُّض منتخبنا لمؤامراتٍ عديدة تحيكها له اتحاداتُ دولٍ عربية وإفريقية، وعن أنه أضحى مستهدَفا بالتحكيم المتواطئ وغيرِه، والآن نسمع بأنّ سبب إخفاقيه أمام سيراليون وغينيا الاستوائية المتواضعين، يعود إلى السِّحر والعين ولا بدّ له من رقيةٍ في أدغال الكاميرون، بدل أن نتحدَّث فقط عن الأسباب الرِّياضية للإخفاقين. أإلى هذه الدرجة نحن مسكونون بنظرية المؤامرة؟!

هذا التفكيرُ السقيم يذكّرنا بما وقع عقب غزو العراق للكويت في أوت 1990؛ إذ كان الناسُ يردِّدون على نطاق واسع بأنّ صدام حسين –رحمه الله- سيدحر الجيوش الأمريكية في الخليج ويدخل الكعبة فاتحا ممتطيا حصانًا أبيض، والدليل هو وجود شعرةٍ في وسط سورة البقرة، وطفق الناس يقلّبون أوراق المصاحف بحثا عن الشَّعرة في وسط السورة المذكورة، في حين كانت الولاياتُ المتحدة تُنهي آخرَ تجاربها على طائرتها الجديدة “الشبح”، التي تعدُّ آخر ما توصّلت إليه تيكنولوجيتُها العسكرية آنذاك، قصد تدمير كتائب الجيش العراقي في الكويت، وتحقَّق لها ذلك في جانفي 1991.

مقالات ذات صلة