الرأي

هل يملك الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي مشروع تغيير؟

محمد بوالروايح
  • 4637
  • 23
ح.م

ازداد وهج الحراك الشعبي في الجزائر وازدادت معه شهية بعض الحقوقيين والسياسيين والمفكرين للمساهمة في رسم معالم المرحلة القادمة وخاصة بعد أن تحرر هؤلاء وغيرهم من سياسة الأمر الواقع والحجر على الرأي، ورأينا في الساحة السياسية في ظل الحراك بروزا مفاجئا لأسماء ترافع عن الحراك وترفع راية التغيير السلمي من أجل تأسيس نظام ديمقراطي بديل للنظام الأوليغارشي الشمولي كما يتكرر توصيفه خاصة عند الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي.

لقد تحول الثلاثي: بوشاشي وطابو وجابي إلى رموز حراكية لافتة للنظر ومثيرة للجدل على الساحة السياسية والإعلامية، ومن حق كل متابع للأحداث أن يسأل: هل اجتماع هذا الثلاثي أملته الوطنية؟ أم صنعته العفوية أم هو نتاج تقارب الرؤية السياسية؟ وهل يملك هذا الثلاثي مشروعا للتغيير الديمقراطي الحقيقي؟ سؤال بريء يتبادر إلى ذهن كل متابع لتطورات الأحداث، ليس القصد منه الطعن في مسار أو خيار هذا الثلاثي وإنما القصد منه بيان مدى قدرة هذا الثلاثي على إحداث التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يتحدثون عنه بمناسبة ومن غير مناسبة أو بعبارة أخرى هل التغيير عند هذا الثلاثي وسيلة لضم جهودهم إلى جهود السياسيين وغيرهم المطالبين بالتغيير أم وسيلة للانتقام من نظام حال بينهم وبين تحقيق طموحاتهم السياسية؟

ما الذي جمع بوشاشي الحقوقي وطابو السياسي وجابي الاجتماعي؟ سؤال له جواب واحد لا ثاني له وهو أن هذا الثلاثي ينتمي أيديولوجيا إلى مدرسة أيديولوجية واحدة ترفض الحكم السياسي المتسلط كما ترفض أيضا الحكم الديني المتطرف، فلا تجد في مداخلات وتصريحات هذا الثلاثي ما يتقاطع مع العلمانية المتسلطة باسم الحكم ولا الثيولوجية المتسلطة باسم الدين، ويعد هذا التوجه الرافض لهذا الشكل أو ذاك من أشكال الحكم توجها إيجابيا يتقاطع مع توجهات الحراك الشعبي الرافضة لثقافة الأدلجة والداعية إلى تأسيس نظام سياسي يشجع على ثقافة التعايش بين التوجهات والمذاهب المختلفة.

 هل يملك الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي مشروع تغيير؟ إن الجواب البدهي الذي تسمعه من أغلب فواعل الحراك هو أن بوشاشي وطابو وجابي يمثلون نماذج قيادية رائعة قادرة على تجسيد الحلم الديمقراطي وتصفية النظام الشمولي الأوليغارشي والدليل على ذلك الالتفاف الخرافي حولهم وحول أفكارهم واقتراح بعضهم لقيادة ما يسمونه “المرحلة الانتقالية”، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز هذا الالتفاف الحراكي بشخصية بوشاشي وطابو وجابي لأن أولهم لم يشارك في الحكم البوتفليقي وفضل الانسحاب من البرلمان ولأن ثانيهم عوقب بسبب موقفه من النظام ومنع من الحصول على الموافقة على طلب اعتماد حزبه ولأن ثالثهم مفكر اجتماعي بارز فضل الاستقالة من الجامعة الجزائرية لأنها-كما قال- لم تعد حاضنة للعقل. إن الإعجاب بشخصية من الشخصيات لا يجب أن يقتصر على العاطفة التي قد تكون في كثير من الأحيان مضللة بل يجب أن تتعداها إلى الغوص في الجوانب المتميزة في رؤية فلان أو علان التي تمكنه من إحداث التغيير الذي يتحدث عنه لأنه وإن اجتاز الامتحان الشعبي فإنه لن يجتاز الامتحان الميداني.

إن التغيير ليس فكرة نظرية مجردة بل هو مشروع متكامل من شأنه أن يزيل الآثار السيئة التي خلفها النظام السابق ويحدد في الوقت نفسه خارطة الطريق لإعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي على أسس ديمقراطية. فهل يملك الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي هذه الصفات أم إن دعوتهم إلى التغيير نسخة مكررة لتجارب سابقة تتم إعادة صياغتها وتأهيلها وتجديدها؟ إن ثقافة التغيير- مهما كانت طبيعة ومجال هذا التغيير- تحتاج إلى شخصية سياسية كارزماتية استوعبت تجارب الآخرين في هذا الجانب وتمتلك- علاوة عن ذاك- إضافة ولها لمسة ذاتية ولا تتعارض فكرتها في التغيير مع توجهات المجتمع، وتملك تأييدا شعبيا وحشدا نخبويا.

ليس من الموضوعية بل ليس من الأخلاق أن نبخس الناس أشياءهم، قال الله تعالى: “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”. أقول من هذا المنطلق إن الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي يمتلك كل منهم تجربة سياسية قلت أم عظمت وإن هذه التجربة قد وجدت في الحراك الشعبي أرضية لائقة وسائغة وليس هؤلاء في هذا المجال بدعا من دعاة التغيير في التاريخ الإنساني الذين وجد بعضهم في الحراك الاجتماعي متنفسا لأفكارهم المغمورة والمقهورة فرموا بثقلهم في هذا الحراك وتحولوا إلى نجوم لامعين وقادة ملهمين. لا شك في أن بوشاشي وطابو وجابي يمتلكون رصيدا من الفكر التغييري ولكن التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي العميق يحتاج إلى توفر عناصر أخرى ضرورية وفي مقدمتها أن تكون خطوات الراغبين في التغيير مدروسة ومنسجمة مع توجهات المجتمع وأن يتم التغيير بمنطق المواطنة لا بمنطق المغالبة، وأن يطغى موقف الحفاظ على الوطن على موقف الحفاظ على الديمقراطية وأن تطغى الوطنية على الذاتية.. هذا ما آمل تحققه عند الثلاثي بوشاشي وطابو وجابي، وآمل تحققه عند كل جزائري غيور على وطنه، فالتغيير ينبغي أن يحافظ على مقومات الدولة ومكونات الأمة.

يملك بوشاشي تجربة قانونية محترمة ولكنه مطالب بتكييفها مع الواقع السياسي والاجتماعي، فالمرافعة في قاعات المحاكم لا تختلف عن المرافعة في الساحات، فالمرافعة في قاعات المحاكم تتم بوجود هيئة ادعاء وقضاة ومستشارين ومدعين ومدعى عليهم وكذلك الأمر بالنسبة للمرافعة في الساحات فهناك هيئة ادعاء اعتبارية وهي المؤسسات الدستورية وهناك قضاة اعتباريون وهو الدستور وعقلاء الأمة وهناك مدعون وهم عموم الشعب وهناك مدعى عليه وهو النظام المتهم بالفساد المراد تغييره، لكن يجب أن يتم كل هذا وفقا لمعايير النزاهة الشخصية وعدم المزايدة على الآخرين في المواطنة وهذه المعايير ملزمة للكل إذ تتحدد وطنيتنا وصدقنا ومصداقيتنا بقدر التزامنا بهذه المعايير.

لكريم طابو كذلك تجربة سياسية ولكنه في نظري لا يملك مشروعا تغييريا بالمقاييس السياسية المطلوبة لأن الاندفاعية السياسية التي يتميز بها تسهم بقدر كبير في عزلته السياسية، فالسياسة كما عرفها المختصون هي فن الممكن وهي القدرة على إدارة الحوار السياسي ومداراة الخصم وهي شروط ضرورية أتمنى أن يرتقي إليها الخطاب السياسي عند طابو لا أن يتحول هذا الأخير إلى خصم سياسي احترافي للآخرين تتعذر معه أو تقل فرص التقارب السياسي.

أما ناصر جابي، فقد عرفته عن قرب لما كنت أستاذا لحوار الأديان وإدارة الأديان والسياسة الخارجية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بابن عكنون، فهو المفكر الاجتماعي الذي يملك رصيدا معرفيا كبيرا وهو صاحب المؤلفات القيمة في مجال علم الاجتماع السياسي، وهو من هذه الناحية لا يشق له غبار، ولكن تجربته السياسية الناشئة تحتاج إلى دربة أكثر وتمرس أعظم، فناصر جابي يمتلك على المستوى النظري والتنظيري مشروعا تغييريا وهو أدرى من غيره بنظريات التغيير الاجتماعي ولكنه ملزم بإنزال هذا المشروع إلى الواقع الذي يجب أن نتعامل معه باحترافية وواقعية وليس بأكاديمية كما نفعل في حياتنا العلمية.

مقالات ذات صلة