-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

والي “رئيس حكومة”.. هل يكون  في مستوى الثقة والصلاحيات؟

بشير فريك
  • 1277
  • 1
والي “رئيس حكومة”.. هل يكون  في مستوى الثقة والصلاحيات؟

قضيت ما يقارب عشر  سنوات في سلك الولاة، عايشت خلالها  خمس رؤساء  بما في ذلك فترة المجلس الأعلى للدولة، كان الولاة  في حالة تيهان  وضياع البوصلة من خلال انعدام  الرؤية جراء  ضبابية الأوضاع السياسة  وانعكاساتها الأمنية الخطيرة  وتبعاتها  الاقتصادية والاجتماعية  المتردية.

لم يحظ الولاة  خلال عشرية  كاملة إلا بلقاءين  في مستوى أعلى، الأول في رئاسة الجمهورية مع المرحوم محمد بوضياف رئيس  المجلس الأعلى للدولة في 1992 والثاني بالمدرسة الوطنية للإدارة مع اليامين زروال  في عام  1994 وكلا  اللقاءين كانا  عبارة عن  شكليات  بروتوكولية   سياسية.

وبصرف النظر عن عقدَيْ  حكم المرحوم بوتفليقة  وما تلاه، فإن  ولاة الجمهورية  في عهد  الرئيس عبد المجيد  تبون أصبحوا  محور الاهتمام  وحجر الزاوية في الحياة العمومية  الوطنية  والمحلية، إذ أصبحت اللقاءات  والاجتماعات  دورية  بين الرئيس بحكومته  من جهة والولاة من جهة ثانية  في عملية متواصلة ودؤوبة لخلق الانسجام والتكامل والتواصل بين المسؤولين المركزيين والمحليين من أجل تجسيد السياسات الحكومية ميدانيا وتقييم  الأداء.

الوالي كان ومازال في منظور المخيال الجمعي المحلي هو المجسِّد لمفهوم  الدولة في بُعده السامي، فهو المحرك والمنظم  للحياة العمومية المحلية تنمويا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فكل الأنظار متجهة صوبه، مما يفرض عليه أن يكون نشطا حاضرا ديناميكيا مرافِقا مراقِبا لأداء  مختلف الإدارات المحلية، محرِّكا  للدواليب المعطَّلة، متصديا للمظاهر  السلبية أو التجاوزات القانونية واللا مبالاة  أو الاتكالية، مفكِّكا لحبال الأخطبوط البيروقراطي الذي ظل هاجس الجميع من الرئيس إلى المرؤوس.

لقد  أعطى الرئيس تبون صلاحيات غير مسبوقة للولاة وهو الآتي من هذا السلك، ليس من أجل  الهيمنة  والانفراد  بالسلطة محليا، ولكن من أجل  ضبط الأمور بدقة وتحمل المسؤولية بعيدا عن التهرب أو التردد  والميوعة  في اتخاذ القرارات في شتى المجالات. وجعل عملية المتابعة والتقييم الدوري سنة حميدة ليكون الوالي في أقصى ما يكون من اليقظة والديناميكية وحسن الأداء وفق البرامج الحكومية ومخططاتها وعلى ضوء التوجيهات والتعليمات الرئاسية من أجل خدمة العملية التنموية  الاقتصادية والاجتماعية وإزالة العراقيل البيروقراطية القاتلة في وجه المواطن والاستثمار وانجاز مختلف المشاريع التي تستهدف النهضة الجزائرية  بشموليتها.

لقد أضحى الوالي بمثابة رئيس الحكومة في ولايته حسب التعبير  والتصريح الصريح للرئيس؛ فهو المسؤول الأول والوحيد التنفيذي على مستوى الولاية عندما جعل كل المديرين المحليين تحت مسؤوليته تعيينا ومراقبة وعزلا، حسبما يرى بأنه على صواب وحسب سلطته التقديرية  المطلقة .

إننا لا نناقش قرارات السيد الرئيس لأن غايته القصوى هي إيجاد الإطار الأنسب  والأنجع لأداء الجماعات المحلية التي تعد الأداة المحورية في النهضة الوطنية الشاملة .

بيد أنّ  علينا  أن نتساءل: هل سنكون أمام ولاة في مستوى هذه الثقة  والصلاحيات الواسعة من حيث الأداء وفق معايير  المسؤولية  التي رفعها المرحوم هواري بومدين وهي: الكفاءة، والنزاهة، والالتزام؟

إن الأمر في غاية الأهمية والدقة، فإذا نجحنا في حسن اختيار الرجال في مواقع المسؤولية بحجم الوالي ومساعديه انطلاقا من معايير دقيقة علمية  وعملية بعيدا عن  الولاء والصحبة والمحسوبية أو بناء على استقصاء الملفات والمسارات المهنية اعتمادا على الأقدمية الإدارية دون سواها، فليس كل ذي أقدمية إدارية يصلح لأن يقود الولاية بإطاراتها وفعالياتها  وطموحاتها وتحدياتها.

ثم إن على السيد الرئيس أن يلتفت إلى المسار المهني لهذا السلك ويعجّل  باستصدار القانون الأساسي لسلك الولاة، فليس منطقيا أن نحمِّل الوالي هذه الأعباء من دون أن نضمن له حدا مقبولا من الضمانات من خلال قانون أساسي يحتكم إليه ومرتّب محترم يجعله  في منأى عن الحاجة المادية على غرار الإطارات العليا للدولة .

بقي أن أضيف في هذا المقام  انه على الساهرين على إعداد مشروعي قانون البلدية والولاية إعطاء اللامركزية مفهومها العملي الميداني حتى نجعل المنتخبَ المحلي في البلدية  والولاية طرفا محوريا فاعلا  في الحياة العمومية المحلية وليس طرفا  خاضعا مصفّقا للسلطات الإدارية.

إن الوالي كان ومازال في منظور المخيال الجمعي المحلي هو المجسِّد لمفهوم  الدولة في بُعده السامي، فهو المحرك والمنظم  للحياة العمومية المحلية تنمويا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فكل الأنظار متجهة صوبه، مما يفرض عليه أن يكون نشطا حاضرا ديناميكيا مرافِقا مراقِبا لأداء  مختلف الإدارات المحلية، محرِّكا  للدواليب المعطَّلة، متصديا للمظاهر  السلبية أو التجاوزات القانونية واللا مبالاة  أو الاتكالية، مفكِّكا لحبال الأخطبوط البيروقراطي الذي ظل هاجس الجميع من الرئيس إلى المرؤوس، محافظا على النظام العامّ والسكينة العامة والاستقرار  السياسي والاجتماعي من خلال التواجد الدائم إلى جانب المواطنين، مصغيا إلى انشغالاتهم  وتظلّماتهم، فردية كانت أو جماعية، مستجيبا  لما أمكن منها، معتمِدا لأسلوب الحجة والإقناع وبيداغوجية الخطاب والحوار والمرونة  أو الصرامة عندما تفرض نفسها حسب الحالات وحسب الأوضاع.

–  إن حسن التعامل مع فعاليات المجتمع المحلي من جمعيات ومنظمات مهنية أو نقابية وهيآت رسمية أو مدنية والالتقاء الدوري معها ستمكّنه من الاطلاع أكثر على واقع الولاية من الزاوية الأخرى للمجتمع ويكون على بيّنة بصورة جلية على أكثر القضايا التي تسترعي اهتمام  المجتمع المحلي بفئاته وفعالياته. وينخرط في معالجتها محليا أو تبليغ الجهات المركزية  المعنية بها.

– على الوالي أن يكون حذرا إلى أقصى درجات الحذر واليقظة  في التعامل مع ذوي الشبهة والسمعة محل الشك والريبة سواء كانوا أفرادا أو جمعيات ممن  يمتهنون الاحتكاك  بالمسؤولين مبتزّين الناس بقربهم من هذا المسؤول أو ذاك فما بالك إذا تمكّنوا من ثقة الوالي وأصبحوا  ملازمين له .

– ومن هنا على الوالي أن يعرف كيف يتعامل مع المصالح الأمنية بذكاء وصدق ليجعلها المصدر الرسمي للمعلومة الصادقة في القضايا المحلية  سواء تعلق الأمر بسير مختلف الإدارات وإطاراتها وموظفيها والمجالس المحلية أو الجمعيات والشخصيات. وفي كل الحالات عليه أن يدقق  ويتحقق ويتأكد من المعلومة مهما كان مصدرها حتى لا يقع ضحية معطيات مغلوطة بشكل أو بآخر.

– إن سلطات الوالي ومهابته لا يستمدها من العجرفة والتكبّر والتجبر  وإهانة الناس قولا أو عملا، بل يستمدُّها من جدية إعطاء المثل في حسن  العمل ودماثة الأخلاق وخطاب الناس بالتي هي أحسن بالحجة والقانون .

-على الوالي ألّا يتسرع وينفعل عند اتخاذ القرارات، وإذا لزم الأمر   يطلب الاستشارة  من أي جهة قد تفيده محليا أو مركزيا، ولكن عندما يتخذ القرار  يجب ألّا يتراجع عنه إلا في حالات استثنائية جدا تفاديا لفقدانه  المصداقية لدى مرؤوسيه والمجتمع المحلي وحتى السلطات العمومية المركزية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    مقال في الصميم،يشرّح الواقع.