ويسألوني: متى غد الجزائر وبوتفليقة؟!
يسألوني عنك حبيبتي، وأنا متيم بك، ومن غيرك يحق لي أن أعشق في زمن التراجع العربي، والاضطراب الإيماني، وقد بلغت القلوب الحناجر.
-
يسألوني إن كنتِ شاردة في هذا العالم الرحب، تابعة، خانعة، مستكينة، تنتظرين دورك، أم أنك ثابته في موقعك بالرغم من عودة عدو الأمس واليوم والغد، أعلامه نراها اليوم مرفوعة في بنغازي، مدعوما بوجدان ونصرة كثير من المسلمين والعرب بل والجزئريين أيضا.
-
يسألوني، ياحبّي الأكبر، إن كنتُ ضد السلطة أو معها؟.. مع حركة التغيير أم على عكس تياره؟ أمناصر ومؤيد لفتن عمّت الدول العربية أم رافض لها؟.
-
يسألوني، كيف أحبك كل هذا الحب، ثم أختصركِ في الحديث عن لقيمات يحاربن الجوع، ويصلبن طول الجزائريين، أو ساعات نوم بأمان تحت أشجار “البويرة” أو “الأخضرية” قبل أن تشرق شمس يوم صيفي جديد على العاصمة، دون خوف من ظلم البشر؟.. أيعقل أن يختصر الوطن كله في الإطعام من الجوع والأمان من الخوف، كأننا قريش حين طلب منها عبادة ربها للنعمتين السابقتين.
-
يسألوني متى يأني غدكِ ليروك سائرة على درب شقيقاتك: تونس، مصر، اليمن، البحرين، ليبيا، سوريا، ومن ستأتي بعدهن قريبا؟
-
يسألوني، متى يرحل رئيسك، عبد العزيز بوتفليقة، وكأنهم لا يعرفون كيف جاء؟ وما مدى شعبيته؟، وكيف أصبح حالك بعد وصوله إلى السلطة؟
-
تلك الأسئلة تطاردني، أينما حللت، من إخواننا العرب، ومن أجناس أخرى كالهنود والإيرانيين والباكستانيين وغيرهم، بل أنها تطرح بشكل متواصل من الجزائريين في الداخل والخارج، وقد ارتأيت أن أطرحها اليوم من أعماق القلب، وليس من حالة التأمل العقلي أو التفكير الفلسفي، ذلك لأن الرهان على القلوب في هذه الفترة هو الأساس، ما دامت هي التي تمرض، وهي التي يقر فيها الإيمان وهي، أيضا، التي تحدد مصير صاحبها يوم الدين، لجهة سلامتها من عدمها.
-
لا أرى في المستقبل المنظور، ومهما تضاعفت المطالب الإجتماعية، خطرا من الجبهة الداخلية على الدولة الجزائرية، والتغيرات التي ستحصل، سواء أكانت إصلاحا جذريا أو جزئيا نتيجة الاحتجاجات والمظاهرات، ستكون ظاهرة صحية، لأنها ستؤدي في النهاية إلى محاربة الفساد، ذلك لأن المشكلة في الجزائر لا تتعلق بالحريات، لكن بتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية؟.
-
الحديث عن الفساد يقودنا إلى العقبات التي ستعطل من التغيير المنتظر في الجزائر، والتي من أهمها المشاركة الجماعية لكثير من المسؤولين والسياسيين والنخب الاجتماعية والثقافية في نهب ثروات البلاد، ما يعني وجود تأطير قانوني منظم للفساد، وتبعا لذلك فالمشكلة الجزائرية ليسة خاصة بمؤسسة الرئاسة، فرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وصل إلى الحكم للمرة الثالثة عبر انتخابات حرة ونزيهة باعتراف المجتمع الدولي، ولا أحد يمكن له المزايدة على شرعيته، وهذه الشرعية مدعمة من الأحزاب الفاعلة، ومن الجيش، ومن مجلسي الأمة والشعب، ومن المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة ورجال الإعلام، والسؤال هنا: كيف لتلك القوى أن تنهب البلاد وتساهم في الفساد ثم تدعو إلى التغيير؟
-
في اعتقادي أنها تحاول ركوب سفينة النجاة، خوفا من المحاسبة، لكن هي مسؤولة عن فعلتها البشعة بالاشتراك مع الرئيس بوتفليقة، لأنها زيّنت له سوء عمله الديمقراطي أثناء ترشحه لفترة رئاسية ثالثة، وكانت بطانة مضللة وباغية، أخرجت البلاد من تشكل وعي سياسي يمثل نوعا من الرشد بعد سنوات الإرهاب إلى حال من التيه، وقد صرحت وقتها بالقول: إن تغيير القانون من أجل ترشح بوتفليقة للمرة الثالثة أكبر خطر مرت به البلاد منذ دستور 1989 الذي أقر التعددية في الجزائر.
-
لا يجوز لها اليوم أن تدعي دعم مطالب الشعب، استجابة لأوامر تنظيمات خارجية، او بحجة التفاعل مع الأحداث الجارية في الوطن العربي، لأنها طرف مباشر في الأوضاع التي آلت إليها البلاد، ناهيك عن كونها تنكر دور الرئيس بوتفليقة في إخراج البلاد من الإرهاب، وجعلها في أمان ما كان معظم الشعب يعتقد بعودته ثانية، وها نحن اليوم نعمل على عودة فصول أخرى من قصة الدم في الجزائر.
-
كيف لها أن تنسى دورها في تراجع الممارسة الديمقراطية، بما لا يسمح لها اليوم بالحديث عن المستقبل اليساسي للجزائر في ظل وجود رئيس منتخب؟، وإذا كانت هي قد نسيت أيام الفزع الجزائري العام فنحن لن ننساها، وكيف لنا أن لا نستفيد من تجارب التاريخ؟.. ثم هل نسينا بسرعة مشاهد جثث القتلى، المجهولة الهوية، بالنهار والليل في قرى الجزائر ومدنها؟. وهل مُحي من ذاكرتنا الجماعية قيام مناطق محررة تسيطر عليها الجماعات الإرهابية لإقامة دولتها المزعومة؟!
-
ليس هذا فقط هو ما يحول دون حدوث تغيير في الجزائر، على غرار ما نراه في عدد من الدول العربية، بل هناك عوامل أخرى، من أهمها:
-
ـ أن الشعب الجزائري كان سباقا للتغيير مقارنة بالشعوب العربية الأخرى، فقد اعتمد العنف منهجا للتغيير منذ أحداث أكتوبر 1988 و إلى غاية 2000، أي مدة 13 سنة تقريبا، وتكبّد خسائر فادحة على مستوى الأرواح، فاقت 200 ألف قتيل، كما تشير إلى ذلك بعض الإحصائيات، في حين تجاوزت تكاليف الحرب اليومية وتدمير البنية التحتية وحرق وتخريب المؤسسات الصناعية، مليارات الدولارات.
-
ـ أن الدولة الجزائرية سمحت بقيام أحزاب إسلامية في الوقت الذي كانت فيه كل القيادات العربية ترفض ذلك، وكانت النتيجة ما عشناه، لعل الدول العربية الأخرى التي تسير على طريق الجزائر تستفيد من تجربتنا، وتكون نموذجا عصريا مصغرا للخلافة الراشدة.
-
ـ أن الجيش الجزائري حمى الديمقراطية في البداية، بالرغم من قيام الجماعات الإسلامية بمحاولة إجهاضها بعد فوز جبهة الإنقاذ في الانتخابات البلدية -الاعتداء على ثكنة ڤمار مثالا- ثم حمى الدولة من الفراغ الدستوري بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، كما حماها من صراع السياسيين باجتهاد عملي، رآه البعض جريمة لكونه تسبب في سنوات من الدم، وبعدها حافظ على التعددية السياسية من خلال جولات الحوار بين وزير الدفاع اليمين زرول والأحزاب، بما فيها من ممثلين عن جبهة الانقاذ.
-
ـ أن التجربة الديمقراطية في الجزائر ذهبت بعيدا، محققة في سبع سنوات ما عجزت عن تحقيقه الدول الغربية في تجربتها الديمقراطية خلال عقود، وذلك عبر الفعل السياسي المميز للرئيس السابق اليمين زرول، فقد حدد قانونا يرشح للرئاسة بفترتين فقط، ووجوب الإعلان عن ممتلكات الرئيس بمجرد وصوله إلى الحكم، مبتدئا بتطبيق ذلك على نفسه، والأكثر من هذا كله استقال من منصب الرئيس قبل انتهاء فترته، في أول تجربة لرئيس عربي منتخب، لم يصل إلى السلطة عبر الانقلاب كما هو الأمر بالنسبة لسوار الذهب في السودان.
-
هذه التجربة الثرية تم إفراغها من محتواها خلال السنوات العشر الماضية، وانتهت الجزائر لما هي عليه الآن، ونحن لا نريدها اليوم تفض خصومات أو تنهي منازعات بين السياسيين من أجل تعميم الفوضى بحجة الإصلاحات والتغيير، وهذا وحده كاف بتقديم إجابة عن مستقبل الجزائر ومستقبل رئيسها.. إنها متجهة إلى نوع من التصعيد على مستوى المطالب الاجتماعية التي لن تهز أمنها واستقرارها، وإلى تصعيد سياسي من الأحزاب والشخصيات القيادية التي لن تسقط شرعية الرئيس بوتفليقة، لكنها لن تسمح بترشحه لفترة أخرى.
-
هنا التصور مشروط بمواصلة الشخصية الجزائرية رفضها الدائم لأي تدخل خارجي في شؤونها، أما في حال ردة سياسيين قدامى عن قناعتهم الوطنية، أو ظهور جيل جديد من السياسيين يرى في الدعم الخارجي هو الحل، فإن الجزائر مهدّدة بأكثر ما حصل وسيحصل في دول الجوار، وقد يبدو الأمر مثيرا للاستغراب إذا قلت: مصير الجزائر مرتبط -لكنه ليس مرهونا- بما ستسفر عنه الحرب في لبييا.. هناك تدور حرب المصالح، المعادية للجزائر، وفي بلادنا على أعين السياسيين والمثقفين غشاوة، وفي قلوب البعض مرض، وآخرون -وكثير ما هُم- لا يملكون آذانا واعية.