الرأي

يأسٌ في الصحة.. مَن يعالجه؟

محمد سليم قلالة
  • 398
  • 4

ضعفُ الاعتمادات المالية للمستشفيات مشكلة كبيرة تؤرق الأطباء وإدارات هذه المستشفيات، وتنعكس سلبا على المرضى في جميع التخصصات، أصبح من المألوف هذه الأيام أن لا يُقبَل مريضٌ داخل مستشفى للخضوع لجراحةٍ على المفاصل أو القلب والشرايين أو غيرها من الحالات الخطيرة بحجة غياب الوسائل اللازمة للقيام بمثل هذه العمليات، رؤساء مصالح في مستشفيات كبرى، وقفتُ على حقيقتها بنفسي، مازالوا ينتظرون لشهور توفير الوسائل اللازمة للقيام بعملهم دون جدوى، وطوابير المرضى تزداد كل يوم، مما تسبَّب في بروز حالات مأساوية لا يمكن أن تحدث سوى في بلد فقير متخلف من العالم الرابع، ولا حول ولا قوة له.
وأكثر ما يزيد الوضع مأساوية أن أغلب مسؤولي هذا البلد، وكلُّ مَن لديه علاقة سُلطَوية مُتميِّزة، جميعهم إنما يعالَجون في المستشفيات الأجنبية وأول وجهتهم بطبيعة الحال هي باريس ومستشفيات المدن الفرنسية الأخرى، يأتي بعدهم الأثرياء من غير المسؤولين الذين تصلهم الطائرات الخاصة، حيثما وُجدوا من التراب الوطني وفي ظرف قياسي لتنقلهم، حيث أرادوا العلاج (فرنسا، إسبانيا، إيطاليا…)، فقد أمَّنوا أنفسهم لمثل هذه الحالات ولديهم من الأموال ما يكفي لتغطية تكاليف العلاج، ثم يأتي في مرتبة ثالثة المواطنون الذين لديهم بعض الإمكانيات الخاصة، حيث يجمعون كل ما لديهم من أموال ويزيدون عليها ما استطاعوا اقتراضه، ليتوجهوا إلى تونس أو تركيا أو الأردن، حيث يجدون التكفل الأفضل والعلاج اللازم، وتبقى الأغلبية الساحقة من المواطنين ضحية غياب الاعتمادات المالية للمستشفيات وضعف الوسائل، رغم توفر الطواقم الطبية والكفاءات اللازمة التي تبقى مشلولة، غير قادرة على مواجهة متطلبات المرضى، ولا على إقناعهم بحقيقة الواقع الذي يعيشونه.
مثل هذه الوضعية لا يمكنها بأي حال أن تبثَّ الاطمئنان في النفوس وتزرع الأمل في القلوب، رغم كل المحاولات التي يقوم بها الكثير من الأطباء والمسؤولين المحليين منعا لمزيد من التدهور، وعلينا أن ندق ناقوس الخطر بشأن هذه الحال، وأن نتوقف عن إيهام أنفسنا بأن لدينا منظومة صحية مثل الدول التي هي في مستوانا أو أقل، ناهيك عن الدول المتقدمة، بل علينا أن نُعيد النظر في خيارنا الاستراتيجي بشأن الصحة العمومية، وأن نكف عن مخادعة أنفسنا بمجانية العلاج التي أُعطيت معان شعبوية لا علاقة لها بالمجانية الحقيقية ولا العادلة الاجتماعية.
إننا بحق في أوضاع صحية مأساوية، دون مبالغة ولا تهويل، وعلينا تدارك الأمر في القريب العاجل مهما كانت الظروف المالية صعبة، ذلك أن المرض هو النقيض للحياة، ولا يمكن لمريض أن يعمل أو يدرس أو يعيش حياة طبيعية مهما وفَّرنا له من إمكانات، وسيزداد مرضا على مرض عندما يعلم كل يوم أن طائرة حطت وأخرى أقلعت لتنقل مسؤولين أو محظوظين إلى حيث العناية والإمكانات والطبّ غير المجاني، وهو ينتظر في طابور طب غير موجود قيل له إنه مجاني، ونحن ننتظر منه عبثا أن لا يكون يائسا وأن تزداد لديه مساحة الأمل.

مقالات ذات صلة