الرأي

“يَنّاير”.. ضد العولمة!

محمد سليم قلالة
  • 1198
  • 18
أرشيف

كلما حلت مناسبة شعبية جزائرية، سواء أكانت محلية أم وطنية، إلا وأكّدت مرة أخرى أن للمجتمع الجزائري خصائص ومميزات تضرب بجذورها في عمق التاريخ هي التي تَصنع طابعه المُمَيز وتَمنع عنه الذوبان في شخصيات الآخرين، بل وتُشكّل ذلك المُكَوِّن الخفي لقوته وقدرته على الوجود والمقاومة والاستمرار، متميِّزا في عاداته وتقاليده في عالم أصبحت فيه القيم متضاربة إلى حد السعي لإفناء بعضها البعض.

لقد أرادت العولمة المتوحشة جعل كل البشرية تعيش نمطا واحدا في كل شيء، باسم الديمقراطية واللبرالية باعتبارهما نهاية للتاريخ. وتمادت في التأثير في كل مناحي حياتنا مهما صغُرت إلى درجة أن أصبحنا نعيش، ونحن المسلمون، في عالمهم المتميز بخصوصياته السلوكية والمجتمعية ولا نقوى على تشكيل عالمٍ مختلف ولو بتفاصيل عاداتنا وتقاليدنا!

 لذلك، فإن أيّ تمسك بخصوصياتنا في أدنى تفاصيلها المجتمعية والتراثية والتاريخية كما تبدو في مظاهر أفراحنا ومناسباتنا المختلفة، أصبح اليوم من أبجديات مقاومة التغريب والحفاظ على الذات الثقافية وعلى الهوية الوطنية. بل إن مثل هذا السلوك يُعَدُّ من المساهمات الضرورية لتعزيز قاعدة البناء الحضاري للأمَّة ومنع اعتمادها على تفاصيل الحضارة المادية المُهيمنة اليوم القاتلة لكل خصوصية ولكل ميزة مناهضة لها مهما كانت جزئية.

ومن هذا المنظور، يُصبح إحياء التراث الوطني، بمختلف تعبيراته، جزءاً من مقاومة التغريب بمختلف وسائله، بل ويُعَدُّ القاعدة الضرورية لتمكين أنفسنا من تعزيز إعادة بناء الإطار الحضاري الشامل القادر وحده على جعل الفرد المسلم لا ينتمي ـ بإسلامه ـ إلى المنظومة الحضارية الغربية.

لهذا، فإن كل محاولة تسعى للفصل بين إحياء التراث، وإعادة بناء الحضارة، تعدُّ من قَبيل مَنع المجتمعات المسلمة من إعادة بناء سورها الحضاري المتميز خارج نطاق السور الحضاري الغربي الذي ما فتئت تُقيمه العولمة المعاصرة. وضمن هذا الإطار ينبغي أن نُدرج كل تلك “الآراء” التي تُحاول باسم الدين محو التراث، باعتبارها محاولات غير واعية بحركة العولمة المحيطة بها من كل جانب أو هي تتحرك خارج نطاق الزمن.

إذا كان علينا أن نُساهم في إعادة بناء سورنا الحضاري، فليس أمامنا سوى التقاط كل عناصر مكوِّنات تراثنا التاريخية المادية وغير المادية بوعي تام، بأن الخوف ليس من كونها لن تتطابق مع قيمنا الحضارية بل من كون ذوبانها أو محوها لن يساهم إلا في تعبيد الطريق نحو هجمات العولمة الكاسحة التي لم تترك بيتا ولا فردا إلا وغزته بوسائلها المستحدَثة باستمرار. فكيف نعمل على مساعدتها بالقضاء على بعض ما بقي لنا من تراث حافظ عليه العمق الشعبي ولم يُطرح يوما أنه مناقض للدين؟ وهل كان “ينّاير” غير هذا؟

مقالات ذات صلة