في مصر: الإخوان والنظام هل من مصالحة؟
بعد أكثر من عام شهد صدامات ومشاحنات وضحايا كثر في مصر، أصبح من الضروري الاقتراب لفهم حقيقة مآلات الوضع في مصر، في ظل اشتباك أمني عنيف في سيناء وانسداد أفق العمل السياسي في البلد وشدة وطأة الأحداث الداخلية وتجلياتها في الغلاء وارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن بعض المؤن ورفع أسعار المحروقات..
والدولة المصرية كما يقول المسؤولون المصريون تواجه تحديات حقيقية، ويشير المراقبون والخبراء أن مرحلة صعبة ستمر بها مصر قبل أن تستطيع الخروج من المأزق، وفي الوقت نفسه يمرّ الإخوان المسلمون بتحد خطير، بل لعله الأخطر في عمرهم الطويل، فبعد أن وصلوا إلى سدة الحكم وفشلوا في الحافظ عليه ولم يستطيعوا إقناع خصومهم بجدارتهم في جمع الشمل المصري وكان أن انتفضت ضدهم الدولة المصرية وقطاعات من الشعب المصري.. وبعد أن اختاروا طريق رفض كل المعطيات بعد 30 يونيو، الأمر الذي جعلهم في حال اشتباك سلمي مع السلطات دفعت بالآلاف منهم إلى السجون والمطاردات.
إن تشخيص الواقع ضروري، فليس من المنطقي أو المقبول القول إن أحد الطرفين في بحبوحة من أمره وليس منطقيا كذلك القول إن الإخوان المسلمين سيتبخرون من مصر حتى لو أعدم آلاف منهم، لأن الأفكار لا تموت بالقتل، كما أنه ليس منطقيا القول إن الدولة ستسلم لهم الأمر الآن بعد أن انقلبت عليهم واعتقلت الآلاف منهم..
لا يهم كثيرا الاختلاف في تسمية الأشياء، فكما قال السابقون لا مشاحة في المصطلح، المهم هنا القول إن لا أحد في راحة من أمره وإن الصدام الداخلي حتى لو كان سلميا ولهذه المدة الطويلة ورث أحقادا وضغائن ومشاعرا سلبية على طرفي المواجهات وسمح لكثير من القوى الخارجية بالدخول إلى المشهد المصري.
في هذه الأيام يتكاثر الحديث عن مصالحة بين النظام وحركة الإخوان المسلمين.. وتعددت الأطراف التي أبدت بعض المبادرات التي لم يسمح المناخ بخروجها إلى حيز الحياة.. وهنا لا بد من ملاحظة أن القوى السياسية المصرية اصطفت اصطفافات تحدث الانشقاق الهرمي الراسي وغاب عن المشهد وجود قوى وسطية على المستوى السياسي تقوم بأدوار يحتاجها المجتمع والدولة في هذه المرحلة الحرجة من عمر مصر.. كما أنه لا بد من تسجيل غياب الموقف العربي عن القيام بدور وساطة وتقريب وجهات النظر فيما بين الفرقاء في مصر.
لقد تركت مصر وحدها تعاني الانشقاق والتصادم والارتباك والجراح، والجميع يدرك أن هذه الحالة لا تفيد أحدا إلا إسرائيل والغرب الذي لا يريد لمصر إلا التشتت والضياع على اعتبار أنها أكبر بلاد العرب وفيها رموز حضارتهم وتقع في القلب منهم وتحد فلسطين حيث الصراع التاريخي مع العدو الصهيوني.
عجزت الأطراف العربية الرسمية والشعبية أو تخلّت عن القيام بدور تقريب وجهات النظر بين الإخوان والنظام في مصر إنقاذا لمصر والأمن القومي العربي الذي أصبح مكشوفا..
من الواضح الآن بكل يقين أن الإخوان سيظلوا بحضور قد ينقص أو يزيد لكنه لن يرحل في مصر وإن النظام لن ينهار بفعل مظاهرات هنا أو هناك أو تصريح هنا أو هناك.. وهنا نكون التقطنا القاعدة الأساسية لأي مبادرة بين الطرفين.. ومن هنا لا بد من التأكيد على الحرص على مصر وأمنها القومي والانسحاب من باب المناكفات والعداوة العمياء.. ليتنازل الإخوان عن أشياء ويتنازل النظام عن أشياء ويصل الطرفان في الوقت نفسه إلى نقطة لقاء في نصف الطريق.
لعل الطرفين الآن أصبحا أكثر يقينا بأنه لا بد من المصالحة ونظل في انتظار تقدم مبادرة تفصيلية، لأن لا منتصر ولا مهزوم في أي تنازع داخلي .. ويبدو أن الأمور منذ فترة تسير في اتجاه البحث عن مناخ يوفر شروط نجاح مبادرة مصالحة.. إنها المصالحة الضرورية لمصر وللعرب وللأمة جمعاء.. تولانا الله برحمته.