-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

موجة بيضاء بعد الموجة الخضراء

عابد شارف
  • 3183
  • 0
موجة بيضاء بعد الموجة الخضراء

اجتاحت موجة البرد منطقة المغرب العربي كلها، ولم تصمد أمامها الحدود ولا مراكز المراقبة التي أقامتها قوات الأمن والدرك وحرس الحدود. ولم تطلب موجة البرد إذنا من الحكومات القائمة ولا من مصالح الجمارك، فجاءت بثلوجها وبردها وأمطارها الغزيرة، التي لم تخضع لأية مراقبة قانونية أو جمركية.

لكن هذه الموجة لم تكن الأولى، بل سبقتها موجة أخرى اجتاحت المنطقة من قبل، موجة خضراء، وكأن السياسة والطبيعة أرادتا أن تتحدا، لتذكرنا أن منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا بصفة عامة تشكل وحدة متكاملة متضامنة، تعيش نفس التجارب وتواجه نفس التحديات، وأن مصيرها يفرض عليها أن تواجه العالم بصفة متضامنة ومنسجمة، وهي التي دخلت الإسلام وواجهت الاستعمار وعادت إلى الحرية في نفس الوقت تقريبا.

غير أن حكام اليوم يتصرفون وكأنهم نسوا تجارب الماضي، حيث أن الأنظمة القائمة قي المنطقة ما زالت تتحدى التاريخ والجغرافيا، كما تتحدى الطبيعة والميول الطبيعة لمجتمعات المغرب العربي، وتذهب إلى أبعد من ذلك حيث ترفض التكتل رغم أن هذه الصيغة مكنت شعوبا كثيرة من التقدم. ورغم خطابها السياسي الذي يمجد التضامن والتعاون والوحدة، فإن الأنظمة القائمة ما زالت تراوغ، وتتماطل، وتشيد الجدران التي تمنع التقارب، وتقيم الفوارق. وما زالت تعيش بالأحقاد وتسهر على بقائها، وتعمل لسيطرة العداوة، واختفاء عوامل الأخوة. واستطاعت هذه الأنظمة أن تجعل من الحدود حاجزا لا سبيل للتفاوض حوله، في حين نرى أن العالم كله استطاع أن يحول الحدود إلى جسور للتعاون.

وكانت منطقة المغرب العربي تعيش نقطة أساسية للتوتر على الحدود بين الجزائر والمغرب، فظهرت في الأشهر القليلة الماضية نقاط أخرى للتوتر والعداوة، على الحدود بين ليبيا وتونس مثلا، وعلى الحدود بين ليبيا والجزائر. ورغم أن الرئيس التونسي الجديد أبدى إرادة قوية من أجل التقدم في تحقيق فكرة المغرب العربي، فإن ليبيا ابتعدت عن الفكرة، بينما ما زالت مصر تنظر نحو المشرق في حين أن المغرب قال رسميا إنه ينوي الانضمام لمنظمة بلدان الخليج بعد أن رفضته أوروبا

وأدى هذا الوضع إلى مواجهة بين تيارين، أحدهما يدفع إلى التقارب والتضامن، والثاني يكرس العزلة والأنانية. وكان أفضل حل أن تتجه الأنظمة القائمة تدريجيا إلى التفتح ووضع الأسس الضرورية لإقامة فضاء يجمع كل هذه الشعوب، ويحدد الملامح التي ستستطيع المنطقة أن تواجه بها العالم بعد عشرين أو خمسين سنة، وتضمن مكانا مرموقا لسكانها الذين سيتجاوزن 200 مليون نسمة. ومن الواضح أن هذا الأمر مستحيل اليوم.

ولما اتضح أن ذلك غير وارد، بدأت القوى الكبرى التي تتعامل مع المغرب العربي تعبر عن قلقها. وقد تم تنظيم سلسلة من اللقاءات والندوات حول المغرب العربي في مختلف العواصم الأوربية، بينما نظمت دول أخرى مشاورات حول الطرق التي من الممكن أن تفتح بابا لتغيير الوضع. وبصفة عامة، يمكن القول أن أوربا وأمريكا تريد أن تتعامل مع منطقة منسجمة يمكن أن تتحاور معها حول المواضيع الكبرى التي تهم الغرب مثل الطاقة والأورانيوم ومكافحة الإرهاب. وبالنسبة للدول الغربية، فإن الحل الأمثل يمكن أن يشبه بلدان الخليج التي تتكلم بطريقة منسجمة، وتمشي عموما في نفس الخط.

ولما اجتاحت الموجة الخضراء منطقة المغرب العربي، وجدت الدول الغربية ولأول مرة منذ نصف قرن إمكانية للتعامل مع بلدان شمال إفريقيا بطريقة منسجمة. ويشكل فوز الأحزاب الإسلامية في الانتخابات فرصة سانحة للتحاور مع كل الناس بنفس الكلام، مما دفع البلدان الغربية إلى الترحيب بوصول الإسلاميين إلى الحكم في عدد من البلدان.

لكن ذلك لا يعني أن الإسلاميين ضمنوا إقامة المغرب العربي، حيث يبقى المشروع أمام عقبتين كبيرتين، أولاهما أن انتصار الإسلاميين في الانتخابات لا يعني وصولهم إلى السلطة، لأن تركيبة السلطة شيء معقد يشمل الجيش والأمن والمخابرات والبيروقراطية وما يسمى “المخزن” في المغرب والقبائل في ليبيا وغيرها من المكونات التي يجب التعامل معها.

وتتمثل العقبة الثانية في وضعية الجزائر التي لم تدخل بعد عهد حكم الإسلاميين، مع الإشارة إلى أن انتصار الإسلاميين في الانتخابات المقبلة يبقى مستبعدا، لا بسبب إمكانية التزوير فقط، بل لأن الوعد بالجنة الذي يقدمه الإسلاميون بدأ يتراجع في الجزائر بينما ما زالت الفكرة قوية في البلدان الأخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!