فوضى !!
في الأفق فوضى خلاقة أو خانقة، مخيفة أم غير مطمئنة؟ من حولنا فوضى !! وفينا فوضى !! العالم على كف عفريت والعفريت الأكبر اليوم هي السلطة والمال وما بينهما وحولهما من حروب مستيقظة أو نائمة تنتظر من يوقظها !!
- مع بداية القرن الجديد والألفية الجديدة، القيم جميعها تغيرت، ماتت قيم وظهرت أخرى وعادت بعض من كانت في عداد الموتى.
- العملات القديمة انتهت، الحدود الجغرافية انتهت، اللغات بدأت تتفكك وتتفتت أمام جبروت لغة واحدة، لغة الكبير صاحب اليد الطولى على البنوك ومخازن الاسلحة. عادت الحروب الدينية بين طوائف الدين الواحد وفيما بين الديانات، تعاظمت شجرة الكراهيات.
- تبدلت الأخلاق وغربت قيم واستوت على العرش قيم أخرى، والناس في هول من أمر ساعتها، تدري ولا تدري !! التكنولوجيا تكاد تنقلب على الإنسان وقد بدأت تفلت من سيطرته، الأمراض الجديدة تستوطن الإنسان والحيوان والأرض من جنون البقر إلى حمى الخنازير ومعها الطب الرقمي والافتراضي يتعاظم، والجوع يعم فيكثر الفقراء ويتقلص عدد الأغنياء ليتمركز المال بين أسر وأفراد ولصوص جدد.
- في بلاد الغرب تتكتل البلدان في تجمعات اقتصادية وسياسية وفي الوقت نفسه نلاحظ ولادة عنيفة لبعض الوطنيات والقوميات القديمة التي ظلت مغيبة ومهمشة ومحارَبة طوال القرن العشرين. تعارض وتنافر، عنصرية ضد العرب وترحيل للغجر وإسلاموفوبيا وترسيم زواج المثليين ومنع البرقع وموت الفرنسية ومثلها البرتغالية والإسبانية الأوروبيتين لولا حمايتهما من قبل البرازيل وبلدان أمريكا اللاتينية. واشتراكيون يصعدون سدة الحكم ثم يمارسون سياسة اليمين ويمين يطيح باليسار ليمارس سياسة هذا الأخير، أحزاب ما عاد لها لون سوى لون الكذب وتبادل المصالح وتفقير الغالبية واغتيال الكرة الأرضية من كثرة نهب خيراتها وقطع أنفاسها وتذويب جليدها وقتل غاباتها.
- كتب كثيرة وأفلام ومسرح ومعارض للفن التشكيلي وأسواق لكل هذه الفنون تُنافِس أو تتفوق على أسواق الذهب الأسود والأصفر، من هذا الانتاج هناك الجيد وفيه الكثير من الرديء والناس متلهفة كأنما هي في يوم الحشر كما وصفه شيخ المعرة أبو العلاء المعري في كتابه التاريخي “رسالة الغفران”. كل شيء تسلَّع وتنمط، المدن والناس والحيوانات والفن وغيم السماء.
- أما في بلاد العرب أو ما تبقى منهم، عرب تركوا ما تبقى من نوقهم التي ورثوها عن أجداد ضاعوا ما بين الفرس والترك وحب نساء الغرب، عرب غادروا نوقهم وجِمالهم، أو ما تبقى منها من رؤوس قليلة في قطعان بائدة لم يقدموها للسياح الشقر للركوب أو طعاما شهيا على موائد السهرات، وركبوا الطائرات والسيارات الرباعية الدفع وفتحوا حنفيات النفط ورشاشات الدين.
- عرب كانوا قبل ربع قرن في خليجهم وفي جزيرتهم كانوا، موزعين ما بين طبقتين، عبيد وملوك لهؤلاء العبيد يحملون سياطا من جهة وما ملكت أيمانهم من جهة أخرى، سبحان الله كل شيء تبدل فها هم ملوك عرب البارحة قد أصبحوا ملوك الثورة والديمقراطية بعد أن كانوا ملوك الثروة والاستعباد.
- ملوك ملكوا الشاشات واللغة والكراسي وأصبحوا أكثر ثورية وديمقراطية من كل ما عرفه تاريخ البشرية من زعماء في الفكر أو في النضال السياسي من ماركس ولنين وماوتسي تونغ ومانديللا وغيفارا وسبحان مبدل الأحوال.
- هي الفوضى الخلاقة أم الساعة المخيفة اقتربت؟ أم هو اختلاط الحابل بالنابل؟
- رؤساء قمم “الصمود والتصدي” و”عدم الانحياز” و”الاشتراكيات” أصبحوا كاللصوص أو الخارجين عن القانون يطاردون من شعوبهم ويلاحقون من المحاكم الدولية، وملوك كانوا رمز القهر والظلم وتكميم الأفواه وفقه السجون أصبحوا ماركات مسجلة في مصانع الديمقراطية ووضعت صورهم على قمصان الشباب المتظاهرين الحالمين بالتغيير ويكبر بهم تكبيرا. ما هذا الذي يجري أفي حلم نحن أم في كابوس؟؟
- حين كان المد الثوري في المغرب العربي وشمال إفريقيا كبيرا مستمدا قوته من الثورة الجزائرية العظيمة كان خطاب الرؤساء الذين صنعوا من عجين الثورة في الأرياف الفقيرة يهز عروش الملوك في الشرق وفي الغرب. الآن وأمام ما يحدث أتساءل: هل منا من لا يزال يتذكر رجلا كان اسمه هواري بومدين وهل منا من يتذكر رجلا كان فيما يبدو يسمى جمال عبد الناصر أو رجلا آخر كان يسمى عبد الفتاح إسماعيل؟
- aminzaoui@yahoo.fr