-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الحلقة السابعة والأخيرة من مذكرات بن طوبال

أسرار آخر مجلس للثورة

زهية منصر
  • 6115
  • 0
أسرار آخر مجلس للثورة
أرشيف

يتحدث بن طوبال، في هذا الجزء، عن المساعي التي قادها هو شخصيا لإقناع رفيقه كريم بلقاسم للتنازل والانسحاب من مجلس الثورة، كما قال، حفاظا على الانسجام وتجنبا لانفجار الثورة، حيث أوضح بن طوبال أن كريم رفض التنازل قبل انعقاد اجتماع المجلس داخل الجزائر وهذا بعد الإقرار النهائي للاستقلال وتشكيل هياكل الدولة. لكن كريم ورغم تعنته انتهى به المطاف للقبول. وهذا بعد أن وجد نفسه وحيدا مع رفيقيه الاثنين بن طوبال وبوصوف، مع العلم أن هذا الأخير كان يميل إلى دعم بوضياف الذي لم تكن له القوة الكافية لفرض الفارق.

يتحدث بن طوبال عن الخلافات التي استفحلت بين رفقاء السلاح فيقول “انتهى هذا الموزايك من المسؤولين السياسيين إلى الخلافات وكان من الصعب إيجاد رابط بينهم، أشدت المعارضة على بن خدة والبعض كان ينادي بصوت مرتفع بضرورة رحيله حتى انتهي به الأمر إلى مغادرة طرابلس حتى قبل أن يبدأ مجلس الثورة بالتصويت على القرارات”.
يكشف بن طوبال أنه و”حتى تلك الفترة لم تكن التحالفات واضحة تماما، فبن بلة كانت له الأغلبية في مجلس الثورة صحيح لكن لم يحدث أن حصل على ثلثي الأصوات في أي من الانتخابات والتصويت التي عرفتها هذه الهيئة بشكل قانوني في إحدى جلساتها العامة”.
ويضيف صاحب الكتاب أنه وعقب رفع جلسة مجلس الثورة غادر بن خدة إلى تونس وسبقه بوضياف، وهكذا علّق مجلس الثورة أعماله ولم يتم استئنافها إلى اليوم.
وصف بن طوبال قرار بن خدة بالخطير وغير المسؤول واعتبره “نقصا في الوعي بمسؤولياته كرئيس حكومة كان يريد التعبير عن رفضه لقلة الاحترام التي كان موضوعا لها”، ورغم ما تعرض له بن خدة من ضغط ووابل الشتائم التي استقبلها من طرف بن بلة ورفاقه في اجتماع مجلس الثورة لكن بن طوبال اعتبر أن هذا ليس مبررا كافيا ليتخلى رئيس الحكومة المؤقتة عن واجبه التاريخي ويغادر، خاصة وأن تصرفه هذا منح الفرصة لجماعة قيادة الأركان وحلفاء بن بلة في استكمال خططهم في سياق السباق نحو السلطة.

رجال بومدين اتخذوا خطوات عملية في هذا الاتجاه من خلال مبادرة قادها مستشاروهم بومنجل وعباس وفرانس، حيث يصف بن طوبال عمل هذا الفريق بميراث أروقة الجمعية الفرنسية التي تعلم فيها هذا الفريق الممارسة السياسية عندما كانوا نوابا. برغم ذلك يؤكد بن طوبال أن تصرف بن خدة غير أخلاقي وغير مسؤول وغير سياسي وتسبّب في أزمة انتهت بحل وتشتت القيادة السياسية للبلاد.

بعد ما حدث في اجتماع طرابلس يكشف بن طوبال أن المجموعة حاولت في تونس “التقاط الأجزاء”، حيث حاولت التوصل إلى اتفاق لإحياء اجتماع طرابلس حول المكتب السياسي لكن مرة أخرى ظهرت أحداث غير متوقعة رهنت كل شيء، ففي الليلة ذاتها خرج خيذر أدلى بصريح أعلن فيه استقالته من الحكومة المؤقتة. يقول بن طوبال إنهم لم يسمعوا بخبر استقالة خيذر إلا من وسائل الإعلام صباح اليوم التالي عندما استيقظوا على الخبر الذي أخرج صراعات الثورة إلى العلن، حيث أخذت الأمور بعدا دوليا وتخطت حدود مجلس الثورة والحكومة المؤقتة ودفعت دولا مثل مصر وتونس إلى عرض الوساطة على الإخوة الفرقاء، حيث أوفد عبد الناصر علي صبري لبن بلة في محاولة للوساطة ولمّ الشمل باسم الثورة التي “كانوا مثالا لها” لكن المبادرات منيت جميعها بالفشل، حيث أخذ بن بلة الطائرة من دون سابق إنذار والتحق بطرابلس طالبا اللجوء في ليبيا بعد أن أبدى قلقه على حياته وكانت تلك الخطوة “إذانا بالتفكك التام للجهاز القيادي الثورة”، ومن جهتهم أخذ كل من كريم وبوضياف طائرة خاصة مستأجرة من الفرنسيين بطلب من السلطة التنفيذية المؤقتة. الطائرة حطت في بنزرت ومنها حملتهما إلى الجزائر حيث التحقا بمواقعهما في الولاية الثالثة.

يتحدث بن طوبال عن برنامج ووثيقة طرابلس فيقول إنه كان من دون فعالية فقد كان “مثل منشفة ورقية بين الرجال الذين كانوا يفاوض بعضهم بعضا”. وحسب بن طوبال فإن “برنامج طرابلس لم يوضع حيز التطبيق خاصة في مسألة نقل السلطة، فالرجال الذين كان يفترض أن يسهروا على تطبيقه تفرّقوا والهياكل التي كان يفترض أن تشرف على تنظيم المؤتمر الوطني لم تتحقق أصلا، فوثيقة طرابلس لم تكن غير ورقة دون أهمية” وهذا بعد أن أخذ المجموعة ترف المزايدة على بعضهم البعض.

ويؤكد بن طوبال أن “كل ما كان يهم الجماعة التي اجتمعت في طرابلس هو تقسيم السلطة والتموقع فيما لم يحظ الجانب العقائدي للثورة بأي أهمية”.

فقد “كان ما يربو عن 10 أو 20 في المائة فقط من عناصر مجلس الثورة وافقوا على المحتوى العقائدي الإديولوجي للوثيقة ويمكن عدّ تلك الأسماء التي وافقت وصادقت على محتوى اشتراكية واجتماعية وسائل الإنتاج ونظام حكم شعبهم”.

وبحسب بن طوبال، لم تكن النية الحقيقية للأعضاء هي إقامة نظام اقتصادي واجتماعي يجب أن يحدّد من الناحية النظرية طبيعة نظام الغد، لأنهم في الأصل كانوا منشغلين بالتحالفات لما بعد الاستقلال، حيث يعطي مثالا برئيس الحكومة المؤقتة بن خدة الذي كان في الحركة الوطنية محسوبا على الاتجاه اليميني اللبيرالي ومجيئه للاشتراكية “لم يكن عن قناعة لكن عن ديماغوجية قصد محاربة خصومه”.

يذهب بن طوبال بعيدا في تشريح وتحليل الصراعات التي نشبت بين القيادات الثورية غداة الاستقلال، حيث يتهم فرنسا مباشرة كونها لا تريد تكوين جيش التحرير من وحدات الداخل ولا من المؤسسات، فالجيش حسب بن طوبال لم يكن يضم في صفوفه إلا 20 في المائة من جنود وضباط جيش التحرير، فقد غزت جماعة 19 مارس مختلف أجهزة ووحدات الجيش وساد الصراع والخوف وصارت بذلة الجيش التي كانت رمزا للنصر إلى طريق للصراع والاستيلاء على السلطة.
فقد تم اختراق الجيش لخلق آلة سياسية للحكم حيث يصف بن طوبال الآلة الجديدة للحكم والتي بدأت في الظهور كونها غير متجانسة ومن دون مبادئ، كان جيش نظامي مكوّن من وحدات الحدود. وبحسب بن طوبال، لم يكن ممكن “كتابة السياسة بصوت السلاح” لكن هذا الذي حدث.
يقرّ بن طوبال بأن المسائل المتعلقة بالعقيدة السياسية كانت ثانوية، كان السباق نحو السلطة فقط، السلطة وحدها كانت الأولوية. ويضيف صاحب المذكرات أنه “لم تكن ثمة معارضة لوثيقة طرابلس من الناحية العقائدية والإديولوجية، وحتى في عز الأزمة لم تلق هذه الوثيقة أي معارضة” بقدر الخلافات التي نشبت حول توزيع المواقع والمناصب.

وفي وصفه للأجواء التي سادت النقاش السياسي بين قادة الثورة عشية الاستقلال وتنفيذه بالصعب، حيث كانت الجزائر على فوهة بركان هدّدت بإمكانية اندلاع حرب أهلية، فمن جهة كانت هناك جرائم المنظمة الخاصة والاغتيالات التي كانت تنفذها بغرض تسميم أجواء الاستقلال والدفع في اتجاه اندلاع حرب جديدة ومن جهة أخرى خلافات الثورة وترتيبات المرحلة الانتقالية بثقلها الاجتماعي والاقتصادي الذي بدأت الحرب تكشف عن أثاره، كل هذه العوامل -يقول بن طوبال- ألقت بضلالها وكادت أن تعيد الجزائر المستقلة إلى المربع الأول.

ولتجنّب الوصول إلى هذا الوضع يقول بن طوبال إنه تم تكليف مندوبين من جيش التحرير وجبهة التحرير لتسيير الأمور وضبطها خاصة في ولايات الداخل، حيث انتدب لهذه المهمة كل من سعد دحلب ومحمدي السعيد، فمجموعة الداخل لم تكن تثق في جماعة “الصخرة السوداء” ولم تكن تثق في عبد الرحمان فارس تحديدا، فقد كانت تعتبره حتى تلك الفترة مجرد موظف فرنسي خاصة وأن هذا الأخير سبق ووقّع عقودا مع الفرنسيين منها عقد منح للفرنسيين حقّ تسيير وامتلاك مقر “فيلا دي زوليفي”، حيث صار الفرنسيون بموجب هذا الاتفاق لهم الحق في امتلاك مقر مهم واستراتيجي داخل العاصمة، كما سبق لعبد الرحمان فارس حسب بن طوبال منح الفرنسيين امتياز شراء الأرض التي تضم اليوم مقر السفارة الفرنسية بالجزائر.

مرحلة انتقالية صعبة ولعبة التحالفات

لتسيير المرحلة الانتقالية وتجاوز أزمة الثقة بين ولايات الداخل وهيئة عبد الرحمان فارس، يقول بن طوبال إنهم قاموا بتعيين مندوبين للأفلان وجيش التحرير في اللجنة المختلطة وهم سعد دحلب ومحمدي السعيد في محاولة لتقريب وجهات النظر، كما سعى بن طوبال حسب شهادته لدى مجموعة بن بلة لإقناعم بصواب الخيارات التي تم اتخاذها.
بعد فشل اجتماع طرابلس وقبل اندلاع الأزمة في وضح النهار على إثر استقالة خيذر وهروب بن خدة، كان كريم وبوضياف قد قرّرا العودة إلى الداخل حيث تحالف الاثنان في قيادة الولاية الثالثة معا، بوضياف كزعيم سياسي اختار عقد حلف مع الولاية الثالثة وجزء من الولاية الأولى في محاولة لتقوية موقعه، في هذا الوقت اختارت قيادة الأركان إرسال القوات إلى الداخل حيث بعثت بقوافل من السلاح إلى الولاية الثالثة التي اعترضت طريق هذه القوافل وتم اعتقال قايد أحمد بعد أن عبر الحدود لأول مرة بقوافل وشاحنات أسلحة يقول بن طوبال إنها “طالما لم تكن موجهة لعناصر جيش التحرير فهي حتما موجهة للأطراف المتصارعة لتغذية الخلافات والدفع باتجاه الانفجار”.
حدوث هذا قبل مؤتمر طرابلس يدفع للقول إن أرضية طرابلس لم تكن سوى احتيال فما حدث في مؤتمر طرابلس لم يكن في النهاية حسب بن طوبال إلا حصيلة أزمة اندلعت في وقت سابق.
في ختام مذكراته، يقف لخضر بن طوبال على استنتاج يقر أن ما حدث خلال مؤتمر طرابلس والأحداث التي تلته في الداخل أعادت الجزائر والثورة للمربع الأول، فالقوى التي كانت في السابق ضد الثورة التفت حولها للحد من بلوغ أهدافها، فالتحالفات التي عقدت غداة الاستقلال كانت غير متجانسة بمصالح متعارضة اجتمعت فيها الجماعة حول هدف واحد هو عرقلة الثورة. وحسب بن طوبال فكل من عارض اندلاع الثورة انضم إليها لاحقا من أجل تحقيق أهدافهم، ويقر بن طوبال أن النتيجة التي خرج بها لم تكن تحليلا سياسيا بقدر ما كانت استنتاجا خلفته آخر دورة لمجلس الثورة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!