-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جينُ الجزائر المقاوِم

عمار يزلي
  • 3213
  • 0
جينُ الجزائر المقاوِم

الجزائر اليوم وهي تخرج من تحت رماد الأمس، بعود أكثر صلابة وإرادة أكثر قوة وإدارة أكثر التزاما، فإنما هي تسير على هدى الأسلاف الذين أسسوا للتاريخ منذ القدم، بقوة العمل والصبر والحكمة والتحكم والحاكمية للضمير الأخلاقي والديني.

هكذا تاريخيا كانت دوما بلد المقاومات حفاظا على السيادة والسؤدد والرغبة في الانعتاق حتى في حالة النكوص والسقوط، لتخرج كالعنقاء من تحت الرماد أكثر قوة وأكثر ثباتا.

اليوم، ونحن نعمل ونتعرَّض لكل أشكال التهديدات والاستفزاز من طرف الجيران الأقربين والأبعدين، لا يزيدنا هذا إلا صلابة والتزاما ورغبة في تحدي الصعاب وربح الرهانات.. كلها.

هكذا كانت مقاومة “الجين” الجزائري ضد الامتداد والتوسُّع الروماني-البيزنطي الصانع لمعادلات التحالف التكتيكي والاستقلالية الذاتية والوطنيات الموسعة وردود الأفعال المختلفة والمتميزة أمام الفتح الإسلامي بين القوى المتحالفة مع القوة البيزنطية والقوى المعارضة لها. وهكذا كان التعارض والتنافر والتجاذب لهذه القوى تحت سلطة المسلمين الفاتحين، ثم تحت حكم الأمويين وولاتهم على شمال إفريقيا الذين كانوا، على مستوى الممارسات السياسية، لا على المستوى الإيديولوجي، سببا في ظهور طائفة الخوارج وسقوط سلطة بني أمِّية. ثم هكذا، ولهذا السبب ولهذا المنطق نفسه، أي المنطق السياسي لا الإيديولوجي، ورغم بروز النماذج ذات بُعد أيديولوجي تتمثل في برغواتة بالمغرب الأقصى وزعيمهم صالح بن طريف، كان سقوط الإمارتين الصفريتين والدولة الرستمية وغلبة الفاطمية الجعفرية تتويجا لخلاف سياسي تاريخي. وبنفس المنطق التاريخي والسوسيولوجي، كان قيام دولة المرابطين والموحدين والأدارسة في المغرب، ثم سقوط الأندلس وحملة التعقب الصليبية المسيحية ممثلة في “الروكنكيستا” الإسبانية البرتغالية على شواطئ الشمال الإفريقي، وبنفس القانون الذي يرتكز عليه الفقه الاجتماعي الخلدوني، كان بروز الدويلات الثلاث المتصارعة. وبنفس الدواعي السياسية، كانت التحالفات مع اسبانيا المسيحية ضد الأتراك “الحماة” مع الحفصيين وآخر ملوك بني زيان وصراع العائلات الشريفة العلوية والسعديين والزوايا الإدريسية ضد البرتغال. وبنفس الدواعي أيضا كان الخلاف حول طبيعة قبول “الحماية التركية” والتحالفات الظرفية والإستراتيجية مع الإمبراطورية العثمانية أمام الإمبراطورية الصليبية. ولنفس الظروف، وبنفس القوانين، كان التحالف والصراع في نفس الوقت مع السلطة الاستعمارية الفرنسية بعد سقوط دولة الحماية.

أما على المستوى السيكولوجي، فإن نزعة الجزائري التحررية، فكانت تفرض عليه نمطين سلوكيين: “التعامل مع” أو “التعامل ضد”، وبين النمطين، حالة سيكولوجية ثالثة ممثلة في الموقف “اللافعل” والمنعوت سياسيا بموقف “انتظر وراقب” وهذا في كل الأحوال. وعليه، سوف نجد عنصر المقاومة حاضرا في كل أشكال المواقف، في كل أنماط التموقع، غير أن هذه المقاومة تختلف شكلا كما تختلف مضموما حسب طبيعة ونمطية معتنقها ومتغيرات الموقف والموقع. وهذا ما ميز المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي منذ 1830 إلى اليوم. المقاومة صامدة ومستمرة ولو كانت تبدو صامتة.

وعليه، فالجزائري، وبقدر ما كان، حسب مالك بن نبي، مثل غيره من الشعوب الإسلامية بعد العصر الموحّدي، يبدو “قابلا للاستعمار”، فإنه كان بالمقابل متحيِّنا للفرص، رابضا لكل متحرِّك، مترصِّدا ومقتنصا للّحظة الزمنية التي ينقضُّ فيها على الخصم ولو كلفه ذلك غاليا، وهذا السر في المقاومة الجزائرية ضد الآخر وضد المحتلّ أينما كان، لا يزال المصل والدم الذي يسري في أوصال كل الجزائريين، ومنها نخوة نجدة المظلوم والوقوف مع المستضعفين أينما كانوا وأينما وجِدوا من فلسطين إلى قلب إفريقيا إلى شرق آسيا إلى الفلبين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!