لما تتسبب السلة في انتشار الفوضى
تحولت الجزائر من نظام عطلة نهاية الأسبوع إلى نظام آخر في منتصف الشهر الماضي. وبعد أن كانت عطلة نهاية الأسبوع تمتد من الخميس إلى الجمعة، أصبحت تشمل الجمعة والسبت. وأهم ما تميز به هذا التغيير لا يتعلق برفض تيارات سياسية أو دينية لهذا القرار، ولا بوجود أحزاب أو كتلة سياسية تعارضه، بل أهم ما أثار الجدل هو تصرف المسئولين الكبار في الدولة حول طريقة تطبيقه.
-
وكان الكثير يعتقد أن التيارات الدينية ستجعل من هذه القضية حجة لمحاربة السلطة. لكنه اتضح بسرعة أن الحجة الدينية ضعيفة لرفض القرار، كما أن الأحزاب التي من الممكن أن تعارض تغيير نهاية الأسبوع أصبحت تأكل في أيدي السلطة ولا تستطيع أن تحرك ساكنا. ولعل سكوت حماس أحسن دليل على ذلك، حيث أن السيد بوقرة سلطاني مثلا سكت سكوت السارق الذي يمر أمام المسجد.
-
أما طريقة تطبيق القرار فقد أدت إلى فوضى كبرى، وتحول نظام نهاية الأسبوع الذي قيل عنه إنه عالمي إلى نظام شبه قبلي أو شبه مهني، حيث أن كل فئة أو مهنة أو طائفة صنعت لنفسها عطلة حسب ما يرضيها.
-
وفي البريد مثلا، جاء القرار ليؤكد أن عطلة نهاية الأسبوع ستكون يوم الجمعة، بينما يعمل الجميع يوم السبت، وكأن القرار لا يؤثر على هذا القطاع. ولاحظنا أن عددا من المتاجر الكبرى مثل “الربيع ـ printemps” لا تشتغل الجمعة في حين تشتغل يوم السبت، واختارت نهاية الأسبوع التي تليق بها.
-
ولم تنج من هذه الظاهرة المؤسسات العمومية، وأبرزها المطابع. وقد بقيت هذه المؤسسات تعمل بطريقة غريبة، حيث أنها تشتغل يوم الجمعة بعد الظهر وتأخذ عطلة يوم الخميس، مما يفرض على الجرائد أن تصدر يوم السبت وتحتجب يوم الجمعة. وبطبيعة الحال فإن مثل هذا القرار يؤدي إلى سلسلة من النتائج منها أن شركات التوزيع والأكشاك التي تبيع الجرائد تجد نفسها مضطرة إلى العمل يوم السبت…
-
ولما اختلطت الأمور في بعض القطاعات، تدخل مسئولون في الدولة من أجل حل المشكل، فزادوا الوضع تعقيدا. ففي قطاع التعليم مثلا، قال مسئول كبير إن يوم الجمعة يبقى محرما، واقترحت الوزارة اللجوء إلى الدراسة يوم السبت صباحا، أو إلغاء راحة منتصف الأسبوع. ولا يليق مثل هذا الكلام بأناس في هذه المناصب، حيث لا يعقل أن العائلة تدخل عطلة نهاية الأسبوع الجمعة صباحا ثم تعود للنشاط السبت صباحا على أن يكون ظهر السبت مخصصا للراحة… ولا نعرف كيف ستتصرف إدارة قطاع التربية مع هذه القضية، لكن يبقى أسوأ حل محتمل… وأكد لنا عدد من عمال قطاع الصحة أنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لاتباع هذا النظام الغريب، حيث أنهم لا يعملون يوم الجمعة لكنهم يعودون للعمل يوم السبت صباحا ثم يغادرون العمل بعد ظهر السبت…
-
وتشير هذه “الخالوطة” إلى انهيار المؤسسات، وغياب الانضباط في مختلف الأجهزة. ومن المفروض أن قرارا من هذا النوع يفرض نفسه على الفئات والهيئات، وأن الحكومة تدرس بدقة نتائجه على كل القطاعات قبل صدوره، وتحدد بدقة طريقة تطبيقه، حتى يبقى القانون سيدا يفرض نفسه على كل الناس.
-
أما إذا كانت السلطة نفسها لا تحترم قوانينها، أو تشجع على عدم احترامها، أو تتغافل أمام الاعتداء على القانون من طرف بعض الجهات، فإنها تقضي على أحد أهم أسباب وجود الدولة. وكانت السلطة في الماضي تشجع بعض المؤسسات على تغيير عطلة نهاية الأسبوع تحضيرا للقرار الجديد، لكنها اليوم تجد نفسها أمام فوضى كانت السلطة قد تسببت فيها بنفسها، وأصبحت اليوم عاجزة عن مواجهتها. وبغض النظر عن موقف هذا الطرف أو ذاك من قرار تغيير عطلة نهاية الأسبوع، فإنه يبقى على الدولة أن تتخذ قرارات تستطيع أن تطبقها، وتفرض احترامها من طرف الجميع. وإن لم تحترم هذه القواعد البسيطة، فإن السلطة تصبح خطرا على البلاد، لأنها تتحول إلى عامل لانتشار الفوضى.