-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفتنة بين السنّة والشّيعة.. أم فتنة المسلمين بالشّيعة؟

سلطان بركاني
  • 3758
  • 0
الفتنة بين السنّة والشّيعة.. أم فتنة المسلمين بالشّيعة؟

يتناقل بعض المهتمّين بالاحتراب “الطائفي” الذي تعيشه الأمّة في هذا الزّمان، خبرا مفاده أنّ الكيان الصهيونيّ يجنّد عشرات أو مئات المختصّين في التعامل مع المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي، ممّن يجيدون اللغة العربية، لفتح حسابات بعناوين وأسماء عربية برّاقة، ينشرون من خلالها الفتنة بين السنّة والشيعة، ويصبّون الزّيت على النار في الخلاف القائم، ويحرّضون هؤلاء على أولئك، وأولئك على هؤلاء، لإلهاء الأمّة عن قضاياها المصيريّة، وعلى رأسها قضية فلسطين والقدس.

لا أحد في إمكانه أن ينفي وجود مثل هذا الجيش الصّهيونيّ الإلكترونيّ، ولا أحد في وسعه أن ينفي اهتمام الصهاينة بالفتنة بين المسلمين، لإشغال بعضهم ببعض عن الاهتمام بما يحيكه الكيان الغاصب ويحيكه المتآمرون على الأمّة من مؤامرات تستهدف عقيدة المسلمين ودينهم ووحدتهم؛ فاليهود منذ فجر الرسالة وهم يسعون في التحريض بين المسلمين، وإغراء الأمم الكافرة باستباحة بيضة الأمة المسلمة، وقد تطوّرت خططهم في العقود المتأخّرة وأصبح هدفهم تمكين العلمانيين من حكم دول المسلمين، لإشاعة الميوعة والانحلال وشغل الشعوب المسلمة بالمطاعم والأزياء والسفاسف والترهات… كل هذا وغيره يسعى فيه اليهود سعيا حثيثا، لكنْ هل يكفي أن نقف عند ظواهر الأمور ونظلّ نردّد أنّ اليهود والأعداء يسعون في الفتنة بين المسلمين، من دون أن نمحّص كيف يفتِن المتآمرون المسلمين؟

لو قلّبنا صفحات التّاريخ ونظرنا إلى الواقع برَوية بعيدا عن الشّعارات التي لا تغني من الحقائق شيئا، فإنّنا سندرك أنّ المتربّصين بالأمّة كانوا ولا يزالون يسعون بالفتنة بين المسلمين بتحريض الطوائف المنحرفة التي تروّج لنسخ محرّفة من الإسلام، ضدّ الأمّة المسلمة، ويغرونها بأنّها صاحبة الحقّ، وأنّ مشاريعها “الطائفية” أولى بالتّحقيق من مشروع الأمّة، ويؤزّونها إلى الطّعن في مصادر الدّين ورجاله وتشويه تاريخ الأمّة المسلمة وإرباك المسلمين في معاركهم التي يخوضونها على أكثر من صعيد.

لقد روّج الإعلام وبعض الكتّاب الذين يقرؤون الواقع وفق الشعارات التي لا تُمحَّص حقائقها أنّ الأمّة تعيش فتنة بين السنة والشيعة، تذكيها أطراف إقليمية ودولية، ويسعّرها متعصّبون من الطرفين، لإشغال الأمّة عن معركتها الحقيقية ضد المشروع الصهيو-صليبي، وهو كلام مدغدغ للعواطف خاصّة إذا دُعم بالإشارة إلى وقائع الاحتراب الذي تدفع الأمة فاتورتها الغالية في كلّ من سوريا والعراق واليمن، وإلى وقائع الحروب والمعارك التاريخية التي حصلت داخل الجسد الإسلاميّ خلال قرون خلت.. لكنّنا لو أمعنّا النّظر في هذه الفتنة التي عاشتها ولا تزال الأمّة تعيشها، فإنّنا نجد أنّها ليست فتنة بين طائفتين هما السنّة والشّيعة، إنّما هي فتنة أمّةٍ مسلمة بطائفة شيعيّة متوثّبة؛ فتنةٌلم تبدأ مع ثورات الربيع العربيّ، ولا مع سقوط العراق بيد المحتلّ الأمريكيّ ولا حتى مع الثورة الخمينية سنة 1979م، ولا بظهور آل سعود ومحمد بن عبد الوهاب، ولا قبل ذلك في زمن الدّولة الصفويّة، ولا حتى في زمن ابن تيمية وابن المطهّر الحليّ، وإنّما بدأت مع البذرة الأولى لهذا المذهب أواخر عهد الخليفة الرّاشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن يومها والأمّة تُبتلى وتمتحن بهذا المذهب الذي ينتحل اتّباع أهل البيت برّأهم الله، ويغري أتباعه بالتشكيك في مصادر الدين وفي رموزه، ويحرّضهم على الانتقام من أمّة يُتّهم جمهورها الأعظم –ظلما وزورا- بعداوة أهل البيت، رضي الله عنهم.

عندما نقول إنّ هناك فتنة بين السنّة والشّيعة فإنّنا لا نكتفي بجعل جمهور الأمّة الأعظم في كفّة مقابل الطائفة الشيعيّة، وإنّما –أيضا- نجعل “الاحتراب” الحاصل مسؤولية مشتركة، بين الشّيعة الذين يصرّون على تبني عقائد اللعن والطعن والتّكفير والدّعوة إلى الثارات من جهة، وبين الأمّة التي تقف موقف الدّفاع عن رموزها وساداتها وعن مصادر دينها، وتتلقّى الطّعنات المتوالية في خاصرتها، على يد ابن عاقّ شاقَّ الدّين وأهله.

لو ضربنا مثلا برجل له خمسة من الأبناء، أربعة منهم لزموا غرز أبيهم على تفاوت بينهم في البرّ به، وحصل بينهم خلاف في أحقيتهم بأبيهم، لكنّ الخلاف لم يصل إلى حدّ المفاصلة، بينما الابن الخامس عاقّ لأبيه، معادٍ لإخوته جميعا، يكذب على أبيه وإخوته ويبهتهم، ويسعى بينهم بالنّميمة، ويتحيّن الفرصة ليُجهز عليهم.. هل يكون من العدل والحكمة أن نصرّ على العموميات في حديثنا عن هذا الخلاف؟ هل يكون من المصلحة أن نسوّي بين المختلفين، ونجعل الأب وأبناءه والابن العاق سواءً، ونتوجّه بكلامنا إلى الجميع بأن يكفّوا عن العداوة والبغضاء، أم إنّ الحكمة تقتضي أن نركّز في نكيرنا على الابن العاقّ، وندعوه إلى التوبة من ظلمه وتربّصه بأبيه وإخوته، ونحذّره من أن يكون سببا لشماتة الأعداء والمتربّصين؟

هذا المثال قريب إلى حال الأمّة المسلمة مع الشّيعة الذين يمثّلون الابن العاقّ فيها، الذي ينبغي أن تتوجّه إليه الأمّة بالنّكير وتدعوه إلى أن يكفّ عن العداوة والتربّص بمصادر الدّين والطّعن في رموز الأمّة وتشويه تاريخها.. الأمّة المسلمة مجمعة على حفظ القرآن، بخلاف الشيعة الذين وإن كان أكثرهم لا يقولون بتحريفه إلا أنّهم يحرّفونه عن مواضعه ويؤوّلونه تأويلات باطنية منكرة لا يقرها السياق ولا يحتملها اللّسان العربيّ، هي في حقيقة أمرها أشنع من القول بتحريف القرآن.. الأمّة مجمعة على اعتبار الأحاديث الصحيحة المروية في الصحيحين والسنن والمسانيد، لكنّ الشّيعة يشذّون عن الأمّة برفض هذه السنن، والاعتماد في المقابل على روايات موضوعة على أهل البيت، يزعمون أنّها السنّة التي لا سنّة غيرها!!! الأمّة مجمعة -أيضا- على محبّة أهل البيت والصحابة محبة شرعية، لكنّ الشّيعة غلوا في أهل البيت الأطهار ورفعوهم فوق مراتب الأنبياء ونسبوا إليهم ما هو من خصائص الربوبية، وطعنوا -في مقابل ذلك- في الصّحابة الأبرار وقالوا بردتهم وكفرهم ومروقهم من الدين! الأمّة مجمعة –أيضا- على تحريم دعاء الأموات وطلب الحاجات منهم، والشّيعة يجعلون ذلك من القربات!!! الأمّة مجمعة على تحريم نكاح المتعة بينما الشّيعة مصرّون على أنّه قربة من القربات!!! 

أمّة الإسلام لم تعقّ مصادر دينها ولم تسئ إلى الصحابة ولا إلى أهل البيت، ولم تُناد بالثّأر من أحد، حتى تُتّهم بالسّعي في الفتنة والفرقة، ولكنّ الشّيعة هم من يجب أن يوجّه إليهم خطاب الاستنكار ويُدعوا إلى أن يفيئوا ويعودوا إلى رحاب الأمّة ويكفّوا عدوانهم وشططهم، حتى تجتمع الأمّة على كلمة سواء من كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى سلامة القلوب والألسن لأهل البيت الأطهار والصّحابة الأخيار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!