-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أبناء الظلام

حنين عمر
  • 698
  • 1
أبناء الظلام
ح.م

بهدوء، وبخط ثابت، كانت الممرضة تؤشّر على خانة اسم الأب في الملف الطبيّ بحرف X، هل هم كثيرون؟ نعم… كانوا كثيرين جدا حينما كنت أعمل طبيبة تحت التدريب في مصلحة الولادة، وكانوا يأتون بشكل يومي إلى هذا العالم ليواجهوا قساوته في نظرة شفقة أو ازدراء من قابلة أو ممرضة أو حتى طبيب… عند أول شهقة نفس يأخذونها من هواء قاعة الولادة.
وفي حين كانت أمهات أخريات يحتفين بأطفالهن، كانت أغلب أمهات هؤلاء الصغار – مجهولي النّسب – يتهيأن للتخلص منهم ببرودة، بلا علامات فرح، بلا علامات حزن، هكذا ببساطة… كان يلقى بهم إلى المجهول المطلق.
هؤلاء الأطفال لا يغادرون ذاكرتي! كثيرا ما كنت أصادفهم وهم يُنقلون مثل البضائع عند الباب الجانبي للمستشفى نحو سيارة دار اليتامى، كنت أتأمل الوجوه الصغيرة القادمة للتو بكامل طهارتها إلى عالم قذر، وأشعر بغصة عميقة جدا وأنا أسمع بكاءهم أو أشاهد لامبالاة من يحملهم وكأنه ينقل قطعة حجر أو كيس مشتريات، لذا كنت أتطوع لحمل بعضهم حينما أشعر بقسوة الموظفين، كمحاولة مني لتخفيف وطأة المعاملة السيئة، وحتى أحضنهم قليلا برفق وحنان ولو للحظات معدودات، ولا يمكن أن أنسى أبدا تلك الأم – إن صحّ تسميتها أمّا – التي فقدت أعصابي أمامها وأخرجني زملائي من غرفتها عنوة، لأنها رفضت أن ترضع الصغير الذي كان يبكي من الجوع، وقالت أنها لا تريد حتى أن تراه، وأنها قررت التخلي عنه ولا يعنيها. أمثالها كثيرات، لكني في إحدى المرات… استطعت بمعجزة أن أقنع إحداهن – بعد أن بدا لي أنها تملك بعض الانسانية – بأن تأخذ الطفل أو الطفلة لا أذكر تماما، وألا تتخلى عنه، خاصة أنها حسب ما سمعته منها كانت تريد عملا شريفا، وقد أخذته في النهاية وقررت أن تعمل وتربيه وأن تواجه المجتمع به.
مواجهة المجتمع بطفل مجهول النّسب ليس أمرا هينّا بالتأكيد، لكن ترك الطفل يواجهه وحده ويواجه مصيرا معتما جريمة إنسانية حقيرة، طفل كل ذنبه أنه ولد من نزوة عابرة بين شخصين خاطئين قررا أن يجنيا عليه إلى الأبد، طفل سيكون غدا عرضة لكل أنواع الانتهاكات في عالم يهرب فيه الجاني ويعيش مرفوع الرأس في المجتمع بوصفه من نسب معروف، وغالبا مرّت فعلته بسلام وسريّة وذهبت مع رياح النسيان… في حين سيبقى الابن أو البنت في نظر نفس هذا المجتمع “مجهول النسب” أو أبشع من ذلك… “لقيط” أو “ابن حرام” ومشتقاتها!
ولا بأس أن أسجل انزعاجي العميق في النهاية من كل استخدامٍ لهذه الألفاظ كنوع من الشَّتم والإهانة للآخر، فليس ذنب الإنسان إن كان ابن حرام أو لقيطا – لحكمة قدّرها الله عليه – ولكنّ العيب كل العيب أن نجرّم إنسانا ونهينه بذنب ارتكبه غيره، وأن نحمّله وزر أبيه وأمّه، متناسين قوله تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، وأن نتعامل مع حالته وكأنها عار أبديٌّ عليه وأن نحكم على مكانته الاجتماعية من هذا المنطلق، متجاهلين أنه الضحية الوحيدة التي تعاقب بلا ذنب، ولو فكّر هؤلاء سواء كانوا من الذين يستخدمون اللفظ للشتم أو ممن يحملون نظرة احتقار للأطفال الذين ولدوا بلا آباء… لو فكروا للحظة – بعدل وإنسانية – لعرفوا أنه ليس كل الأطفال “مجهولي النسب” أشخاصا بلا أخلاق أو كرامة وإن كانوا أبناء الظلام ـ فبعضهم مليء بالنّور- … وليس كل “معلومي النّسب” منزهين من الرذيلة والفجور، فغالبا … ما يسميهم المجتمع بأبناء “الحرام”، هم نتيجة حتمية لأخطاء أشخاص غالبا ما يعتبرهم نفس المجتمع من “أبناء الحلال”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الوطني

    هؤلاء ابناء الارسيدي والعلمانيين ورافضي الاسلام وتعاليم الدين السمح هؤلاء ضحايا القوانين الوضعية التي لا علاقة لنا بها هؤلاء ابناء الدمار والفساد والانقلاب والانقلابيين هؤلاء ابناء المدرسة انتاع العلمانيين والواي واي .. لم يكن يحدث هذا لا في السبعينيات ولا الثمانينيات ولا التسعينيات اين كان المسجد والمدرسة الفعلية تلعب الدور اما اليوم هذا وغيره من المظاهر التي تزداد كل دول مدرسي غبريطي وزاغي من الواي واي الى الرقص الى التدخين الى الكوكايين واليوم بنات المدارس يلدن غير شرعيا في ظل نظام غير شرعي يشجع على هذا ويرى في الحاج الذي كان يمنع هذا انه الارهاب ... هؤلاء الفعلة هم الارهابيين ومن يشجعهم.