-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أزمة الجمهورية الخامسة

عمار يزلي
  • 687
  • 1
أزمة الجمهورية الخامسة
ح.م

ما يحدث حاليا في فرنسا من تحول نحو اليمين، يعكس فعلا أزمة نظام بأكمله يستعد قبل 2030، أن يعرف تحولا جديدا إن لم يكن قيام جمهورية سادسة؛ فاستعداؤه لجزء كبير من شعبه وقيمه ودينه، يمثل شوكة في حلقة كل النظم السياسية حتى الديمقراطية منها في التحول السياسي.

التضييق على المسلمين وعلى التدين بما يخدم “الإسلام الفرنسي”، قد يكون وقود التحوُّل، كما كانت أزمة فشل “الإمبراطورية الثانية”، سنة 1848، وراء التغيير الجديد في إستراتيجية التعامل مع الجزائر المحتلة، عبر مشروع “المملكة العربية” الذي رسمه الإمبراطور المنتخب نابليون الثالث في إطار إستراتيجيته “دمج الأعراق”، التي وضع أطرها الماريشال “راندون”، والتي ستفشل هي الأخرى كما فشلت كل سابقاتها، بما فيها التمسيح والتفقير والتجهيل بالهوية وضرب الأمازيغي بالعربي.

الفكرة كانت مبنية على أساس أنه “وفقط، مشروعٌ لدمج الأعراق قد يكون كفيلا بإذابة الأحقاد والصراع بين شعبين كُتب عليهما العيشُ جنبا إلى جنب على أرض الجزائر”. هذا التوجه الجديد قد ترتَّب عنه الشروع في نسج عدة “مؤسسات” كفيلة بإدماج الأعراق و”تصالب” الديانات، مثلت بشكل خاص في مؤسسات الزواج المختلط: فرنسيون بجزائريات، وبواسطة حملة “اعتناق الإسلام”.

غير أن هذه المؤسسات الاندماجية، سرعان ما أوضحت مدى قِصر بُعد النظر لدى منظريها واتضح معه أن الإدماج العرقي – كما نظّر له – كان مخيبا للأمل ومستحيل التحقيق. لقد اتضح واقع الأمر بعد أن لوحظ بأن هؤلاء “المندمجين” سرعان ما لفظتهم المؤسسات العائلية والقبلية، كشكل من أشكال الرفض المطلق لهذه الصيغة التوليدية. هذه الأطروحة المستمدة من نظرية سان سيمون حول “اتحاد المشرق والمغرب”، سوف يعيد تلامذتها النظر فيها، ويستولي المعمرون على هذه المعادلة التوالدية لتحويلها إلى واقع أمرّ وفلسفة الاستعمار ذاتها المبنية أساسا على المقولة الفرنسية “لا يمكن قلي البيض بدون تكسير البيض”. ويخرج “كليمون ديفيرنوا” سنة 1860 من منطلق نظرية تصالب الأعراق: “كل الجهود يجب أن تبذل من أجل تعويض العربي بالأوروبي كلما توفرت المساومات بينهما، إضافة إلى تقريب العربي من الأوروبي ليكون هناك تواصلٌ بينهما حتى يأخذ الأول الدروس من الثاني”.

الماريشال راندون – الحاكم العامّ للجزائر – سوف يعترف فيما بعد في مذكراته، بعمق “المشكل الجزائري” وتهوُّر الحكم المدني وأنصاره في تحويل الجزائر إلى قطعة من فرنسا بعد ما يقول: “لقد تواجد وبشكل دائم عنصران حاضران دوما: الأهالي، الممتلئون بذكريات استقلالهم، وكلهم ثقة بعددهم ومقوِّماتهم الدينية التي تحوِّل إلى عدوٍّ كلَّ من لم يقاسمهم إيمانهم، ويطردون بقوة خارقة المسيحي الباحث عن الاستيلاء على الأراضي التي كانت، ومند قرون بين أيديهم. ثم المعمِّرون المحتلون المستعدون للاعتقاد بأن الاحتلال قد منحهم كل الحقوق، وما بين هذين العنصرين المتصارعين، يلعب الجيش دور الوسيط وإليه يعود دور احتواء “التذمُّر المتوحش” للبعض، والمطامح غير المحدودة والخطيرة للبعض الآخر”.

هذا الواقع، يبدو أنه يتشكل داخل فرنسا المتروبول اليوم مع تنامي الأجيال الجزائرية المهاجرة والتي لم تعد ترى نفسها سوى جزء من فرنسا بدينها ومرجعياتها وهويتها وذكرياتها التي لا تريد أن تتخلى عنها.. في حين يعمل اليمين على محاولة الدمج بالقوة والتفكيك والتخريب الثقافي بذريعة الاندماج في المجتمع الفرنسي وعلمانيته، بدكّ عنق العلمانية نفسها.. وهذا ما يمثل دقا لمسامير نعش الحريات المجتمعية في فرنسا اليوم ونعيا لما سيلحق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزائري .dz

    فرنسا تعيش أزمة الجمهورية الخامسة ... ونحن نعيش أزمة تكوين الجمهورية التي لم تولد بعد .