-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مبادرة الرئيس تبون الوحيدة بورقة طريق ومقترحات

أزمة النيجر.. لماذا يستقطب المسعى الجزائري الاهتمام المحلي والدولي؟

طاهر فطاني
  • 1289
  • 0
أزمة النيجر.. لماذا يستقطب المسعى الجزائري الاهتمام المحلي والدولي؟
أرشيف

أنهى وزير الشؤون الخارجية، أحمد عطاف، الجولة التي كلف بها من قبل الرئيس، عبد المجيد تبون، إلى ثلاث دول من غرب إفريقيا، حيث كانت له عدة لقاءات ومحادثات مطوّلة مع كبار المسؤولين في نيجريا والبنين وغانا كمحطة أخيرة.
من أبوجا إلى كوتونو وأكرا، شرح الوزير عطاف لنظرائه مبادرة الرئيس تبون الرامية إلى تكريس حل سلمي وسياسي لأزمة النيجر، وإبعاد شبح الحرب التي تهدّد المنطقة كلها بالفوضى وتتخطى عواقبها الوخيمة النيجر إلى كل دول الساحل.
مبادرة الجزائر لم تكن مجرد كلام أنشأه الرئيس وردّده المسؤولون وراءه، وإنما تجسّدت بفضل تحركاتها الكثيفة، لتكون بذلك الدولة الوحيدة التي اتخذت مبادرة وقدّمت اقتراحات ورسمت ورقة طريق عرضها الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، لوناس مقرمان، على السلطة القائمة وشخصيات وطنية في النيجر، بالتوازي مع المهمة التي أداها الوزير عطاف وشرح خلالها أبعاد المسعى الجزائري لكبار المسؤولين في دول “الإيكواس”، هذا المسعى القائم على قناعة أن اللجوء إلى استخدام القوة ما هو إلا عامل تعقيد للأزمات ولن يمكنه أن يكون حلا من الحلول.
وخلال تحركاتها، رافعت الدبلوماسية الجزائرية بقوة لصالح التصور الذي قدّمه الرئيس، عبدالمجيد تبون، المبني على احترام الإطار القانوني للاتحاد الإفريقي الذي يحظر ويرفض التغييرات غير الدستورية للحكومات، وضرورة العودة إلى النظام الدستوري من جهة، ومن جهة أخرى، تجنّب التدخل العسكري الأجنبي، وذلك بهدف الحفاظ على ما حققه النيجر خلال السنوات الفارطة في مجال الممارسة السياسية وبناء النظام الديمقراطي.
مبادرة الرئيس تبون وتصوره للخروج من الأزمة، لقيت ترحابا واسعا من قبل الدول المعنية بالموضوع، كما يعكسه التجاوب الإيجابي لرئيس جمهورية البنين باتريس تالون ونظيره الغاني نانا أكوفو أدو اللذان أكدا رغبتهما في زيارة الجزائر ولقاء الرئيس تبون بهدف تعزيز التشاور وتعميق النقاش، للوصول إلى تصور من شأنه أن يساهم في إيجاد حل سلمي للأزمة.
أما نيجيريا، وبصفتها الرئيسة الحالية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، فقد تم الإتفاق معها على مضاعفة التشاور والتنسيق من أجل تعزيز “الزخم الدولي والإقليمي، وتشجيع التفاف الجميع حول المسار السياسي والسلمي لحل الأزمة القائمة في النيجر”، وفق ما بادر به الرئيس، عبد المجيد تبون ونظيره النيجيري، بولا أحمد تينوبو.
موقف الجزائر من الأزمة في النيجر تتقاسمه مع عدة شركاء غربيين، حيث عبّرت إيطاليا على لسان وزير خارجيتها، عن تثمينها ودعمها الكلي لتصور الرئيس، عبد المجيد تبون، بضرورة اعتماد الحلول السياسية، السلمية كوسيلة وحيدة لإنهاء التجاذبات السياسية، وهي نفس الرؤية التي عبّرت عنها الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى أنه لا تزال هناك فرصة للعمل الدبلوماسي، حسب ما صرح به وزير الخارجية، أنتوني بليكن، حيث قال: “لا نزال نركّز بشدة على الدبلوماسية لتحقيق النتائج التي نريد، أي عودة النظام الدستوري، وأعتقد أنه لا تزال هناك مساحة للدبلوماسية لتحقيق هذه النتيجة”.
هذا القبول المبدئي والتوافق في الرؤى، يعكس استشعار هذه الدول لجدية المبادرة الجزائرية الرامية إلى تعزيز دور ومكانة الجهود السياسية والسلمية لحل الأزمات بدون حسابات ضيقة ولا أطماع لاستغلال ثروات البلد، حيث من المعلوم أن الجزائر باشرت مشاريع تنموية في دول الساحل، قناعة منها بأن التنمية، أولا، تعود بالفائدة على شعوب المنطقة ثم تؤسّس لاستقرار الأوضاع فيها سياسيا واجتماعيا. وفي هذا الإطار، أطلقت عدة مشاريع إستراتيجية ذات أهمية بالغة لدول المنطقة، على غرار الطريق العابر للصحراء، وأنبوب الغاز العابر للصحراء والذي تستفيد منه بطريقة مباشرة دولة النيجر، بالإضافة إلى مشروع إنجاز مشروع وصل الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء الجزائر – أبوجا إلى جانب التشاد وموريتانيا والنيجر ومالي، كما تم برمجة مشاريع إستراتيجية أخرى تعتزم الجزائر إطلاقها، على غرار مشروع السكة الحديدية التي تربط شمال الجزائر بالحدود مع النيجر و مع مالي.
تحرك الجزائر في النيجر مبني على معطيات ومراجعات معمّقة تاريخية وسياسية وأمنية، فالعلاقات الثنائية ترتكز على روابط تاريخية متينة بحكم الجوار والتنسيق الدائم والتوافق الكلي لمجابهة التحدّيات المشتركة.
وعلى الصعيد الأمني، فإن الجزائر، وانطلاقا من تجارب سابقة، لا تريد أن تبقى في موقف المتفرج، لكنها تسعى أن تكون اللاعب الأساسي لضمان أمن واستقرار المنطقة ككل، حيث تتقاسم نحو ألف كيلومتر مع النيجر وحوالي 1400 كلم مع مالي، علما أن هذا الشريط يعد من أخطر المناطق التي تنتشر فيه عصابات التهريب والجماعات المسلحة والجريمة المنظمة من السلاح إلى المخدرات بكل أنواعها، وهذا ما يشكّل تهديدا مباشرا للأمن القومي لهذه الدول وليس للجزائر فحسب، خاصة وأن تجربة ليبيا الشقيقة لا تزال تتمخض عن أزمات، بعضها أشد وأعقد من بعض، وكلها بسبب تدخل القوات الأجنبية وانعكاساتها الأمنية على دول المنطقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!