الرأي

أسباب تراجع التيار الإسلامي في الجزائر

عابد شارف
  • 8021
  • 45

أكدت انتخابات 29 نوفمبر تراجعا واضحا للتيار الإسلامي في الانتخابات، عكس ما يحدث في البلدان الأخرى التي يتواصل فيها زحف الإسلاميين إلى السلطة.

يشكل تراجع الأحزاب الإسلامية أهم ما ميز الانتخابات المحلية التي جرت في 29 نوفمبر في الجزائر. وتشير هذه النتيجة إلى أن الجزائر مازالت تسبح ضد التيار، حيث أن الحركية السياسية فيها تسير باتجاه معاكس لما يحدث في البلدان العربية والإسلامية منذ بداية “الربيع العربي”. وفي حين تعيش البلدان العربية مودة تدفع الكثير منها إلى تسليم السلطة للإسلاميين، سواء عن طريق الشارع أو عن طريق الانتخابات، فإن الجزائر تنظم انتخابات تبدو حرة، لتؤكد مرة أخرى أن تراجع التيار الإسلامي يتواصل منذ أكثر من عشرية.

وبلغ تراجع التيار الإسلامي نقطة تكاد تجعل منه ظاهرة هامشية، وإذا قيست نتائجه في آخر انتخابات، يتضح أنه يكتفي بأقل من خمسة بالمائة من المسجلين في قوائم الاقتراع. ويتواصل هذا التراجع من اقتراع إلى آخر، حيث أن نتائج الانتخابات المحلية جاءت لتؤكد الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 ماي الماضي.

ويمكن القول إن تراجع الإسلاميين في الجزائر يعود إلى خمسة أسباب أساسية:

1- السبب الأول يتعلق بفشل الإسلاميين في التسيير، خاصة منهم قادة حركة مجتمع السلم. وقد دخل الحكومة عدد من قادة هذا الحزب، منهم أبو جرة سلطاني الذي كان وزيرا لأكثر من 15 سنة. ولا يمكن لأحد أن يذكر مبادرة كبرى أو قرارا حاسما ميز وجود السيد سلطاني في الحكومة. واتضح أن وزراء “حمس” يدخلون الساحة للوصول إلى الكرسي ثم يتصرفون على طريقة الأرندي أو جبهة التحرير، ولا يوجد أي فرق بين هذا وذاك.

وأكدت قضية الطريق السيار شرق غرب أن وزراء “حمس” لا يختلفون عن غيرهم، وأن الملفات التي يتكفلون بها تحمل نفس الشكوك المتعلقة بالرشوة، كما تشير القضايا التي يروج لها الإعلام عن عائلة أبو جرة سلطاني أن “البزنس” وقضايا الفساد ترتبط بمناصب السلطة في الأحزاب الإسلامية كغيرها من الأحزاب وبنفس الطريقة وبنفس السهولة، خاصة إذا كانت المعاملات الاقتصادية غير شفافة.

2- إن قرار السيد عمار غول مغادرة “حمس” كان له أثر واضح على تراجع نتائج الإسلاميين في الانتخابات المحلية. فمن جهة، أكد هذا القرار أن أي مسؤول في حماس مستعد لمغادرة حزبه إذا كان له الخيار بين البقاء في الحزب وبين البقاء في الحكومة. ونذكر أن “حمس” قرر عدم المشاركة في الحكومة، فقرر السيد عمر غول مغادرة الحزب ليبقى في الحكومة.

إن الإسلام السياسي لا ينجح إلا في المعارضة، حيث يستعمل خطابا راديكاليا، يعطي به وعودا بإقامة عدل عمر بن الخطاب وثروة معاوية وأمجاد الدولة العباسية

ومن جهة أخرى، فإنه سبق للسيد عمر غول أن قاد قائمة “التحالف الأخضر” الذي يجمع ثلاثة أحزاب إسلامية في انتخابات ماي الماضي في العاصمة، واستطاع أن يحقق نتيجة جيدة حيث احتلت قائمته المنصب الأول أمام قوائم جبهة التحرير. لكن السيد عمر غول اختار تكوين حزب جديد عشية الانتخابات المحلية، ورافقه عدد من نواب الحزب وإطاراته، وقرر ألا يشارك في الانتخابات، فضاع جزء من أصوات الإسلاميين.

3- هذا التناقض الصارخ بين نتائج الإسلاميين اليوم، ونتائجهم لما كانوا في المعارضة، يؤكد أن الإسلام السياسي لا ينجح إلا في المعارضة، حيث يستعمل خطابا راديكاليا، يعطي به وعودا بإقامة عدل عمر بن الخطاب وثروة معاوية وأمجاد الدولة العباسية، لكن لما تأتي الفرصة لممارسة السلطة، يتصرف الإسلاميون إما على طريقة أمراء دويلات الأندلس، أو على طريقة الحجاج بن يوسف. وحتى السيد محمد مرسي الذي درس وتكون في أمريكا ووصل إلى الحكم بمباركة أمريكية، فإنه أراد أن ينفرد بالسلطة لما أتيحت له الفرصة.

4- كما ساهم في تراجع النتائج الانتخابية للإسلاميين غياب التيار الذي ينتمي إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبقاؤه خارج الحلبة السياسية. وقد نص قانون الوئام الذي صودق عليه باستفتاء شعبي على منع القادة السابقين وأعضاء المجموعات المسلحة من العودة إلى الحياة السياسية، ورغم بعض التصريحات التي تصدر هنا وهناك، فإن هذا البند مازال قائما، ولا يشكل هذا التيار اليوم قوة سياسية مثلما كان الحال بداية التسعينات، لكن بقاءه على هامش الحياة السياسية يعطي صورة خاطئة للخريطة السياسية الحقيقية، ويمنع البلاد من التقدم في البناء الديمقراطي مادام شبح الفيس لم يجد حلا نهائيا.

5- وأخيرا، يؤكد تراجع الإسلاميين في الانتخابات أن الجزائر قد تجاوزت مرحلة زحف هذا التيار، لتدخل المرحلة التي تأتي بعده، مثلما مرت البلدان العربية بمرحلة الناصرية والعروبة وغيرها قبل أن تجد نفسها في مأزق لتدخل مرحلة الحل الإسلامي. والجزائر ليست مهددة اليوم بالربيع العربي وبوصول الإسلاميين إلى السلطة، إنما هي مهددة بسبب عجزها على تقديم بديل مقبول للنظام القائم. ومن الواضح أن البقاء على نظام تعسفي سيطرح عاجلا أم آجلا البحث عن بديل آخر، ومن هذا المنطلق، فإن ذلك سيشكل فرصة لإعادة الاعتبار للمشروع الإسلامي.

مقالات ذات صلة