أشك أن المخرج الأجنبي سيخدم التاريخ والذاكرة الجزائرية

ولد أحمد راشدي ليجد نفسه مباشرة في أحضان “حركة التحرير الوطني”، ولأن التاريخ يسري في الدماء، كان الوفاء، وجاءت أعماله لصيقة بالثورة الجزائرية العظيمة. ولأن للمخرج رؤيته السينمائية قد يتفق معه البعض وقد يختلف معه آخرون، ولكن لا أحد يختلف في القيمة المضافة التي تحققها مثل هذه الأعمال للأرشيف الوطني وللذاكرة والتاريخ الجزائري. استقطعنا من وقته المزدحم دقائق معدودات بورشة التحضير لفيلمه الجديد فكان التاريخ: الماضي والحاضر والمستقبل محور حديثنا في هذا الوثائقي المكتوب لمجلة الشروق العربي .

“منذ خمسين سنة لم نستطع صناعة عشرة أفلام للثورة الجزائرية”

*دافع صاحب “الأفيون والعصا” المخرج الجزائري “أحمد راشدي” ونحن في ورشة التحضير لفيلمه الجديد بالعاصمة عن ما يقدمه من أعمال سينمائية، هو تأريخ للثورة الجزائرية بقوله: المؤرخ يكتب ماذا حدث في التاريخ، والصحفي بكتب ما يحدث في الواقع، ونحن نربط بين هذا وذاك، لأن السينما تجسد الوقائع وتعطيها الوجود والحضور الإنساني رغم أن السينما مدتها قصيرة، لكنها تعطي فكرة شاملة عن الشخصية من حيث عيشه للأحداث، وكيف تعامل معها. السينما أيضا تلجأ إلى الخيال وإلى مما كتب عليه، استنادا إلى الرفاق الذين مازالوا على قيد الحياة. السينما في حد ذاتها كتابة أخرى. أكثر من 12 ألف من أمهات الأدب العالمي ُحوّلت إلى أفلام. في الأدب مثلا تعطي أوصافا كثيرة، لكن السينما صورة واحدة تعطي الفكرة للفرد. رغم أن الكثير من أفلامي تاريخية، ولكني لست متخصصا في الأفلام التاريخية، أنا أريد التوثيق للثورة الجزائرية، لأننا منذ خمسين سنة لم نستطع صناعة عشر ةأفلام للثورة الجزائرية العظيمة، وهذا عيب علينا. كلنا مشاركون في هذا التقصير، والعديد من المخرجين يبتعدون عن هذا النوع من الأفلام ويخشون الإخفاق والعبء التاريخي لأن فيها مسؤولية.

“فيلم كريم بلقاسم بأدراج وزارة المجاهدين”

* عاد مخرج “مسيرة شعب” لفيلمه الأخير “كريم بلقاسم” ودافع عن هذه الشخصية المحورية، كما أكد على أهمية الفيلم بقوله: “كريم بلقاسم” شخص مهم، لأنه عاش كل مراحل الثورة، وحتى قبلها، وكان محكوما عليه بالإعدام مرتين، ناهيك أنه كان من الذين حضّروا لثورة أول نوفمبر رفقة العديد من المجاهدين، على غرار بوضياف، ديدوش، بن بوالعيد، بيطاط، ومن قرّروا اندلاع الثورة التحريرية في كل التراب الجزائري، لذا لم يعرف المستعمر الفرنسي من أين كان اتجاه هذه الثورة، ومن أي تيار سياسي، وهذا لشموليتها، خاصة بعد أحداث الثامن من ماي 1945، أي بعد تأكد الشعب الجزائري أنه لم يبق أي حوار سياسي مع فرنسا، لذا يجب الاتجاه إلى أسلوب آخر وهو العمل المسلح. الفيلم موجود على مستوى وزارة المجاهين -الجهة المسؤولة عن الإنتاج- وهي من ستقرر متى يتم عرضه.

“العقيد شخصية مميزة رغم قصر مشواره”

*ونحن في ورشة الخياطة الخاصة بملابس الفيلم الجديد للمخرج “أحمد راشدي” لمحنا بعض الصور التي يعتمد فيها على الخياطة مثلا صورة لـ”العقيد لطفي” مأخوذة في سنة    1930 بمقر جمعية العلماء المسلمين. وواصل المخرج التعريف بهذه الشخصية والتحدث عن العمل، العقيد لطفي انسان مثقف، عاش في تلمسان والتحق بالثورة سنة 1955. وفي سنة 1959. أصبح كولونيل الثورة قائد الناحية الخامسة التي كان قائدها “بن مهيدي”، ثم “بوصوف”… استشهد في سن 26 برتبة كولونيل، كان يفكر في الجزائر المستقلة، وكتب كتابا وهو في الجبل يحكي فيه عن جزائر الغد المستقلة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية. السيناريو كتب نصه “الصادق بخوش” وسيتم تصويره ببشار وتلمسان، من إنتاج وزارة المجاهدين، سيستغرق إخراج الفيلم حوالي 22 أسبوعا بما في ذلك التصوير والتركيب ومرحلة ما بعد الإنتاج. وقد وقع اختيار المخرج للدور الرئيسي، أي العقيد لطفي على الممثل الشاب “يوسف سحايري”. ويتناول سيناريو الفيلم مسيرة الشهيد كمناضل في صفوف جيش التحرير الوطني وكمثقف متبصر وكمستشار لفرحات عباس، وهو ما جعل “العقيد لطفي” شخصية مميزة بالرغم من مسيرته القصيرة خلال الثورة التحريرية.

“أشك في أن الأجنبي سيقدم الأمير الجزائري”

*صبّ صاحب “طاحونة السيد فابر” جم غضبه على من فكر في جلب مخرج أجنبي لأجل عمل وطني بحجم “الأمير عبد القادر”. إذا كان هذه هو الحل فلا ادري إن كان هذا يخدم التاريخ والذاكرة الجزائرية. هل من سيأتي من الخارج يعمل بنفس التقنيات التي أعمل بها مثلا أنا أم لا؟ هل يمكن أن تستورد أمريكا مخرجا جزائريا ليقدم فيلما عن ليكولن أو جورج واشنطن؟ ممكن تكون لديه تقنيات أحسن، لكن لا يمكن أن تكون لديه نظرة من الداخل إلى تاريخ الجزائر بالتفكير الجزائر. ولكن أكيد أنك لا تستطيع أن تعطيه 50 بالمائة فيعطيك 100 بالمائة، مستحيل. اعتذرت على إنتاح فيلم الأمير عبد القادر، لأنه لا يوجد سيناريو. حاولنا مند الاستقلال، وكلما جاء رئيس إلا وقدم مشروع الأمير عبد القادر. أسئلة كثيرة تطرح رغم أني لست ضد أي كان، من أي زاوية سنتناول شخصيته، لأنه متعدد الشخصيات، المكافح، الشاعر، الكاتب. ما يهمنا الآن كيف ستكون رؤية  المخرج الأجنبي إلى هذا العمل؟ ومن كتب السيناريو الذي يعتبر 50 بالمئة من الفيلم؟ لمن تكون البطولة، وكيف سيكون الترويج لهذه الشخصية؟

“هناك شباب عمره 25 سنة لم يذهب يوما للسينما!”

*قلبنا مع المخرج “أحمد راشدي” مشاكل السينما الجزائرية التي يذهب البعض لنفي وجودها أصلا: لا توجد هناك قاعات سينما، زمان كانت لدينا 500 قاعة حولت الى أعمال أخرى، وكان من المفروض أن يكون هناك قانون يحمي هذا ويمنع تحويلها. مع الإشارة أن هناك مشروعا من وزارة الثقافة لاسترجاعها وترميمها، وحتى لو تعود قاعات السينما إلى الوجود، السؤال يبقى كيف يرجع الجمهور إليها، لأن في الجزائر يوجد شباب عمره تجاوز 25 سنة، لكنه لم يذهب إلى السينما يوما، وهذه إشكالية كبيرة. زمان كنا نستورد قرابة 400 فيلم من العالم ونقوم بعرضها وكان الجمهور يهتم ويحضر. أنا عندي فيلم “كانت الحرب” لم يعرض أصلا في الجزائر!!

“لن أعمل تحت الطلب”

* حافظ مخرج “بن بولعيد” على موقفه في أنه لن يعمل تحت الطلب، خاصة وأن الكثير من المشاريع تحج إلى عاصمة الشرق قسنطينة بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية لسنة 2015: ليس لدي أي مشروع، ولا أعمل تحت الطلب، وإن لم أكن مقتنعا بأي عمل، لا أقوم به. أنا بصدد التحضير لفيلم “أسوار القلعة”، هو مقتبس عن كتاب لـ”محمد معارفية”، قصة عن الثورة الجزائرية ولكنها غير مقترنة بشخصية معينة، في قرية صغيرة بالشرق الجزائري أعتبرها أحسن ما ُكتب في الرواية على الثورة الجزائرية. أخدنا الموافقة من وزارة الثقافة وسنبدأ قريبا في التصوير الذي من المقرر أن يكون في “سدراتة” بولاية سوق أهراس.