-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رأي

أغلقوا أفواهكم أيها المرضى

نذير مصمودي
  • 4505
  • 3
أغلقوا أفواهكم أيها المرضى

هل يستطيع أحدكم أن يتصور بأنه سوف يكون محتاجا في يوم من الأيام إلى جواز سفر وفيزا، للدخول إلى مدينة تيزي وزو، أو يتخيّل أنه سوف يعامل كأجنبي عندما يزور هذه المنطقة؟ لا أعتقد أن جزائريا يمكن أن يمر بخاطره مثل هذا الخيال المزعج، أو يتصور أن علاقة الجزائريين فيما بينهم، سوف تنتهي إلى مثل هذا الواقع الكريه.

فلمن إذن، يغني فرحات مهني، أغنية الانفصال، ويعلن قيام ما أسماه الحكومة المؤقتة لمنطقة القبائل؟

 

السابقة الخطيرة

منذ بروز المسألة البربرية في الأربعينيات من القرن الماضي، بعد الصراع الذي نشب سنة 1949 بين أعضاء من القبائل في حزب الشعب الجزائري وزعيمه مصالي الحاج، مرورا بالثورة التحريرية التي خففت من تلك الاختلافات، وانتهاء بعد الاستقلال بأحداث 1980 ثم 1985 وما بعدها. لم يجرؤ أحد على المطالبة صراحة بالانفصال رغم بعض الدعوات الشاذة إلى ذلك، أو الميولات الانفصالية القليلة التي تعاملت مع المسألة البربرية من منطلق عرقي أو حتى عنصري لا يعبّر في الواقع عن الأكثرية القبائلية التي تعاملت مع المسألة من منظور علمي كتراث ولغة وثقافة.

ومع أن إعلان فرحات مهني، لم يلقَ الترحيب القبائلي الذي كان ينتظره، أو الذي كانت تتوقعه الجهات التي تقف وراءه وتدعّمه، إلا أن هذا الإعلان ودوافعه وتوقيته، يمكن بالفعل أن يعيد تبرير الخوف الشعبي والرسمي من الميولات الانفصالية الجديدة.

1 ـ كونه خطابا تقسيميا واضحا، يمكن أن يصبح على الأمد البعيد مدخلا لحديث طائفي عرقي بغيض، يروج لأفكار تقيم البلاد على أساس الهوية، ويهدد بالتالي وحدة الشعب وانسجامه الثقافي، أو يعرضه لحرب أهلية مثلما حدث في بعض البلدان.

2 ـ كونه، يتضمن مواقف جاهزة، ذات علاقة، بجهات أجنبية معروفة بعدائها الطبيعي للجزائر وشعبها، ولعل جزءاً منها أعد بإتقان في مخابر المؤتمر العالمي الأمازيغي الذي أنشئ سنة 1995 في جنوب فرنسا، وعقد مؤتمره الأول سنة 1996 في مدينة لاس بالماس الإسبانية.

 

المسألة اللغوية

حسب علمنا، فإنه لا يوجد جزائري واحد، اعترض على وجود اتجاه أكاديمي يهتم بالبحث في التراث واللغة والثقافة والتاريخ الأمازيغي، ولم يعترض أحد على ترسيم اللغة الأمازيغية ودسترتها كلغة وطنية، بل كأحد مقومات الهوية الوطنية كما جاء في الديباجة الدستورية، بل إن أحدا لم يشك في أن هذا التعدد اللغوي، يمكن أن يشكل إقصاء للغة العربية (مع أن دعاة ترسيم اللغة الأمازيغية لغة وطنية في نفس مقام اللغة العربية، لا يشكلون الأغلبية في أوساط الشعب الجزائري) بل إن الرئيس بوتفليقة كان أمازيغيا أكثر من الأمازيغ عندما قال: “إننا عندما نتحدث عن الأمازيغية فإننا نعني هوية الشعب الجزائري قاطبة، والطابع الوطني لمقومات هذه الأمازيغية، لا يمكن أن يكون محل أخذ ورد، سواء تعلق الأمر بالأمازيغية لغة، أم بالأمازيغية ثقافة”.

 

نظرة إسلامية

أما فيما يخص التعدد اللغوي والثقافي، فإن موقف الإسلام واضح ودقيق، فهو ليس ديناً يسعى إلى محو خصوصيات الشعوب وإبادة ثقافاتها، بل العكس، فهو يحترمها في إطار الاعتراف بوجود الاختلافات بين الناس على أساس اللغة واللون كما قال القرآن الكريم: “واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات لقوم يشكرون”. وقوله: “يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”.

إذن، لاداعي للتحفّظ على أيّ إحياء لغوي أو تاريخي يقوم على هذا الأساس، لكن ما نستنكره ونندد به، هو استغلال عدم التعارض بين الإسلام والتعدد اللغوي، للهجوم على اللغة العربية، ومن خلالها على الدين باعتبارها لغة القرآن الكريم، مثلما يفعل البعض في التيار اللائكي الفرنكوفوني في الحركة الأمازيغوفونية، لأن الكفر باللغة العربية كلغة القرآن الكريم، هو كفر بالله تعالى الذي اصطفى هذه اللغة واختارها لفهم كلامه المقدس.

أما فيما يتعلق بالدعوة إلى انفصال منطقة القبائل عن نسيجها الطبيعي في إطار الوحدة الوطنية، فهي دعوة جاهلية بالمنظور الإسلامي، لأنها دعوة إلى تفرقة الأمة وتمزيقها. وهو ما يسمى في منطق الفقهاء بـ”الفتنة” والفتنة بالنص القرآني “أشد من القتل”.

ومن هنا، كان لابد من استدعاء المنطق الفقهي القائل بقاعدة سد الذرائع، أي إذا كانت تلك الدعوة مؤدية إلى مفسدة (وأيّ مفسدة أكبر من تمزيق الأمة) تصبح الحيلولة دونها، واجباً لا محيص عنه، ويصبح بالتالي ضرب دعاة الفتنة وصانعيها من أوكد الواجبات.

 

أغلقوا أفواهكم

كنت أتمنّى لو أن فرحات مهني، جاء إلى الجزائر وأعلن قيام حكومته، ليغلق أبناء القبائل الأحرار، فمه بالحجارة والتراب.

نقول هذا، ونحن نفرّق جيدا، بين التيارات الثقافية في الحركة الأمازيغية، التي تريد الإحياء الثقافي والتاريخي وإعادة الاعتبار للغة الأمازيغية، وبين التجار السياسيين الذين يريدون إنجاز ما عجز الاستعمار القديم عن إنجازه.

إن على هؤلاء، التخلص من عتادهم الأيديولوجي (القديم الجديد)، واختيار الجزائر وطنا نهائيا، والدولة إطارا سياديا، وسقفا للجميع، وإلا فليغلقوا أفواههم قبل أن تُغلق بالطوب والحجارة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • bigali

    wech houwa lmouchkil ta3ek ya oustad rani mafhemt walou??????????????

  • *mouna*

    صح لسانك وسلمت يداك
    والجزائر ليست كعكة نتقاسمها ...
    هي البلد الارض

  • بدون اسم

    رايع يا سي الكاتب