-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس سلام الكواكبي لـ"الشروق":

إقامة الدولة الإسرائيلية على حساب حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين هي جزء من مشروع استعماري غربي

إقامة الدولة الإسرائيلية على حساب حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين هي جزء من مشروع استعماري غربي
أرشيف
مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس سلام الكواكبي

يؤكد مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس سلام الكواكبي، أن إقامة الدولة الإسرائيلية على حساب حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين هي جزء من مشروع استعماري غربي خرج من الباب ليعود بأشكال مختلفة من النافذة.

ويقدم حفيد المفكر الكبير عبد الرحمان الكواكبي، في هذا الحوار مع “الشروق”، قراءة موسعة للموقف الذي أبانه الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون من حرب الإبادة في قطاع غزة، بعد ما دعا لتأسيس تحالف دولي لمحاربة حركة حماس.

كيف يمكن فهم الوجه البشع الذي أظهره الغرب إزاء ما يحدث في غزة، ونتحدث تحديدا عن الإدارة الأمريكية؟
إقامة الدولة الإسرائيلية على حساب حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين هي جزء من مشروع استعماري غربي خرج من الباب ليعود بأشكال مختلفة من النافذة. فشل الاستعمار التقليدي في الهيمنة المباشرة على بعض المناطق الجغرافية خارج “العالم المتحضّر”، دفع القوى الغربية إلى دعم أنظمة مطاوعة لسياساتها وإنشاء دولة أساسية في تنفيذ هذه السياسات. بالمقابل، تمرّدت هذه الدولة على صانعيها وصارت تقود سياساتهم وليس العكس. والصانع راضٍ، لأنه لم يتخل عن النظرة الاستعمارية وطوّر أدواتها.

من الأصوات التي ظهرت أكثر تطرفا، إيمانويل ماكرون، هو الوحيد الذي دعا إلى تأسيس ما سمّاه تحالفا دوليا لمحاربة حماس التي شبّهها بداعش، لماذا هذا الدعم غير المسبوق من فرنسا لدولة الاحتلال؟
سياسة ايمانويل ماكرون غير الناجحة على مختلف الأصعدة الداخلية، تتوّج بسياسة خارجية تتخبّط إفريقيًا وآسيويًا. ما زلنا نذكر رهانه الساذج على تليين موقف بوتين فيما يخص حربه على أوكرانيا. كما أنه هنا بموقفه المؤيد في المطلق للسياسات الإسرائيلية، يُطلق رصاصة الرحمة على سياسة خارجية فرنسية تقليدية منذ زمن شارل ديغول، تميّزت من خلالها الدبلوماسية الفرنسية بالسعي إلى توازنٍ نسبي في علاقاتها مع دول المنطقة.
إن الدعوة التي أطلقها لتشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس ترجمت جهلا بنيويًا بتعقيدات الملف وتطوُّراته، وهي بعيدة كل البعد عن العقلانية المدّعاة في خط السياسة الخارجية. حتى هوبير فيدرين، صاحب نظرية الريال بوليتيك والابتعاد عن العواطف في إدارة السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط، أسقط في يده، إذ عبّر عن استغرابه من الرهان الأعمى على سياسة عنصرية يقودها يمينٌ متطرفٌ إسرائيلي. وللدلالة على تخبّط ماكرون، فقد تراجع عن الدعوة لهذا التحالف ليستبدله بتحالف إنساني.

فرنسا كانت لها مواقف متوازنة من بعض الأحداث في الشرق الأوسط، شيراك عارض الاحتلال الأمريكي للعراق، ودومنيك دوفلبان الذي كان يقول “الفلسطينيون يعيشون في أكبر سجن جراء الحصار الإسرائيلي الممتد لسنوات والمخالف للقوانين الدولية”، لِمَ هذا التحول لدى فرنسا في فترة حكم ماكرون؟
منعُ التظاهر تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وهيمنة خطاب من لون واحد في الإعلام، وتهميش الدعوات إلى وقف إطلاق النار والميل لاعتبار كل أشكال التضامن وكأنها تعبير عن “معاداة السامية”، هذا كله وسواه، يُترجم تحوّلا في الموقف الخارجي الفرنسي، لا يمكن حصر أسبابه فقط في العبء التاريخي الذي تتحمله النخبة السياسية بخصوص التعاون الشنيع للدولة الفرنسية مع النازيين وترحيل آلاف اليهود إلى معسكرات الموت في أربعينيات القرن الماضي.
إنه في الواقع يترجم أكثر صعودًا منتظمًا للعنصرية المقيتة، ليس لدى اليمين المتطرف فحسب، بل وأيضا لدى السياسيين التقليديين. يُضاف إلى هذا تطرُّفٌ ديني لا يقول اسمه وهو مصاب بالرهاب من الإسلام ومعتمد على كتبة من أصول مسلمة كارهين للذات وباحثين يستنسخون استشراقًا في أكثر صوره السلبية. اجتماع هذه العوامل، والتي يمكن أن يُضاف إليها بعدٌ اقتصادي عولمي، وبوجود دول عربية تحكمها أنظمة استبدادية تطبّع مع إسرائيل مجانًا من جهة، وتدّعي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لتقمع شعبها من جهة أخرى، فالمشهد مفتوح لكي يستمر التلاعب بمصائر شعوب ودول أمام أصحاب القوة والجبروت.

ما قدرة مواطني الدول الغربية على إحداث تغيير في سياسات تلك الدول؟
من محاسن الديمقراطيات الغربية وجود إمكانية لمواطنيها في التأثير في السياسات العامة وكذا السياسات الخارجية، وذلك عبر الضغط على ممثليهم المنتخبين ودور المجتمع المدني على أشكاله في رسم سياسات الدولة. بالمقابل، وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، يتضاءل الاهتمام بالسياسات الخارجية. يُضاف إلى ذلك، تأثير الإعلام التقليدي ووسائل التواصل، والتي يُهيمن عليها خطابٌ متطرف في عنصريته وفي انحيازه، في تكوين الرأي العام. وأخيرًا، وعلى الرغم من الوجود البشري الكبير لمن أصولهم من المنطقة العربية، إلا أن تأثيرهم ضعيف للغاية بسبب الانقسامات والتحزبات وطغيان خطاب ديني يُقابل تطرف الآخر بتطرف مماثل، مما يُفقد القضية الثقل الإنساني الذي يجب أن يرتبط أساسًا بمشروع وطني جامع.

هل الدفاع الغربي الكبير عن دولة الاحتلال وخاصة من واشنطن هو دفاع عما يسمى “الشرق الأوسط الكبير”؟
أكاد أجزم بأن هذا المشروع قد فقد كل بريقه لدى أصحابه الأصليين. إن ما يحصل اليوم في المنطقة العربية ما هو إلا تشابك بين مشاريع استبدادية محلية تعتمد على الفساد والقمع من جهة، مع مصالح خارجية تستفيد من مستبدّ عربي يسعى لإرضاء الخارج لكي يُبقيه في السلطة، إضافة إلى انهماك الأقطاب القوية عالميًا، إما بملفات بعيدة جغرافيا عن منطقتنا كأمريكا المتجهة نحو شرق آسيا، أو بغزوات توسّع من نطاق هيمنتها المباشرة كروسيا وحربها العبثية في أوكرانيا. في حين يتخبط الأوروبيون بتبعية غامضة لسياسات أمريكية غير واضحة تمليها مصالح آنية على حساب الشعوب غربًا وشرقًا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!