-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
شغف جزائري بتعلم مختلف اللغات وطلاق بالثلاث مع الفرنسية

إقبال كبير على تعلم اللغة التركية في الجامعة الإسلامية بقسنطينة

عبد العالي. ل
  • 718
  • 0
إقبال كبير على تعلم اللغة التركية في الجامعة الإسلامية بقسنطينة
أرشيف

مجرد التوقف أمام المدارس الخاصة، التي تعلّم مختلف اللغات الأجنبية، يعطي الخارطة اللغوية الجديدة في الجزائر، فبعد أن كانت الفرنسية وحيدة ضمن لغات العالم في الأقسام الابتدائية، وجدت رفيقة لها هي الإنجليزية، في درب تلاميذ الجزائر منذ الصغر، وهي اللغة التي يبدو أنها صارت الآن في المركز الأول ضمن اللغات الحية الأجنبية في الجزائر، بينما تفقد الفرنسية رويدا رويدا حتى مركزها الثاني ضمن اللغات الأجنبية، بدليل وجود لغات أخرى مطلوبة من الجزائريين وعلى رأسها الإيطالية والإسبانية والألمانية والصينية والتركية.

اللغة التركية مطلب طلبة الجامعة الإسلامية
شكّل تعلم اللغة التركية، موضوعا بالغ الأهمية لعدد واسع من شرائح المجتمع الجزائري، تداخلت فيه عديد العناصر المترابطة بين الاقتصاد والسياسة والتاريخ، مكّنته لأن يكون حلقة وصل في سلسلة الاهتمام المتبادل بين الدولتين الجزائر وتركيا، فبرغم من أن العلاقات الجزائرية التركية بعد الاستقلال لم تعرف توهجا كالذي تعيشه اليوم، رغم مضي أزيد من 16 سنة على إمضاء اتفاقية الصداقة الجزائرية – التركية عام 2006، وهي الاتفاقية التي جاءت بعد 20 سنة كاملة من الاعتذار الرسمي التركي للجزائر عن تصويته ضد استقلال الجزائر.
إن الاهتمام بتعلم أو تعليم اللغة التركية في الجزائر نابع أساسا من ذلك الانتعاش الذي يعرفه الجانب الاقتصادي في المقام الأول، بعدد الشركات التركية الناشطة في الجزائر التي قاربت أو تعدّت 1400 شركة، وشركات ثنائية موسعة في مجال الحديد والصلب بمصنع وهران، وفي مجال النسيج بمصنع سيدي خطاب بغليزان، وفي تركيا الشراكة بين مجمع “سوناطراك” والشركة التركية “رونيسونس” في انجاز مركب بتروكمياوي لإنتاج البروبيلان والبوليبروبيلان بمدينة جيهان، وفي المقام الثاني البحث العلمي، وبالخصوص ما تعلق منه بالتراث والأرشيف الوطني الجزائري الذي يعود جزء كبير منه للحقبة العثمانية.
ويعود تاريخ وضع اللغة التركية في مناهج التدريس في جامعات الجزائر للعام 2013، بعد اللقاء الذي جمع وزير التعليم العالي السابق رشيد حراوبية بالسفير التركي السابق عدنان كسيسي شهر أفريل من نفس السنة والذي تناول خلالها واقع العلاقات بين البلدين في مجال التعليم العالي، لينطلق تدريس اللغة التركية في الموسم الدراسي 2013-2014 عبر ثلاث جامعات، وهي جامعات الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية والجزائر 02 وجامعة تلمسان.

837 حاصل على ليسانس اللغة التركية
التقت “الشروق” بالبروفيسور السعيد دراجي، مدير جامعة “الأمير عبد القادر” للعلوم الإسلامية بقسنطينة، والذي أكد اعتماد تخصص اللغة التركية بقسم اللغات والترجمة بكلية الآداب والحضارة الإسلامية في السنة الجامعية 2013/2014، أين انطلق التكوين البيداغوجي في هذا التخصص منذ تلك السنة في مرحلة الليسانس إلى غاية السنة الجامعية الحالية، فيما فتح مسار الماستر في تخصص اللغة التركية في السنة الجامعية 2016/2017.
وأبرز البروفيسور دراجي أن التكوين البيداغوجي أسفر منذ عام 2013 وإلى غاية عام 2022 على تكوين عدد مهم من الطلبة بلغ في مرحلة الليسانس 837 طالب، وفي مرحلة الماستر منذ عام 2016 بلغ 242 طالب.
وعن التأطير البيداغوجي والعلمي، تحدث مدير جامعة “الأمير عبد القادر” للعلوم الإسلامية عن نقص في التأطير البيداغوجي في تغطية مقاييس تخصص اللغة التركية، بما ألزم الجامعة الاستعانة بمجموعة من الأساتذة الأتراك المتخصصين في اللغة التركية، وفقا لاتفاقيات التعاون التي عقدتها جامعة الأمير عبد القادر مع بعض المؤسسات العلمية التركية من جهة، والاستعانة بأساتذة أتراك استقدمتهم جامعة الجزائر 02 في إطار اتفاقياتها مع معهد “يونس إمره” التركي من جهة أخرى.
أما عن الاتفاقيات المبرمة في إطار التعاون بين جامعة “الأمير عبد القادر” والجامعات التركية في مجال التأطير البيداغوجي، أفاد البروفيسور السعيد دراجي، بأن جامعته تحصي ثلاث اتفاقيات تعاون، اتفاقية مع جامعة مرمرة بتركيا والموقعة العام 2014 وتم تجديدها ديسمبر 2022، واتفاقية تعاون مع معهد “يونس إمره” بتركيا التي وقّعت في سبتمبر 2016 وهي سارية المفعول، واتفاقية مع جامعة “السلطان محمد الفاتح” بتركيا وقعت ماي 2016.
مبرزا أن هذه الاتفاقيات أثمرت على التعاقد في التعامل مع عدد من الأساتذة الأتراك، في إطار الإعارة أو التعاقد السنوي، مفصلا في ذلك أنه في إطار الإعارة تم الاستعانة بأستاذين معارين من جامعة مرمرة، بغرض تدريس اللغة التركية، أما في ما يخص التعاقد السنوي، فتمت الاستعانة بعدد من الأساتذة انطلق في الموسم الجامعي 2013/2014 بأستاذين، ليتوسع في الموسم الجامعي 2014/2015 بخمسة أساتذة، والموسم الجامعي 2015/2016 بأستاذين، والموسم الجامعي 2016/2017 بأربعة أساتذة، والموسم الجامعي 2017/2018 بثلاثة أساتذة، والموسم الجامعي 2018/2019 بأربع أساتذة، والموسم الجامعي 2019/2020 بأستاذين، والموسم الجامعي 2020/2021 بأستاذ واحد، وعام 2021/2022 بأستاذ واحد.

المتمكنون من التركية مطلوبون في عالم الترجمة
وفي إجابة عن سؤالنا المتعلق بكيفية تغطية النقص في التأطير البيداغوجي في هذا التخصص، وبالخصوص في الموسمين السابقين، أوضح مدير جامعة الأمير عبد القادر أن الجامعة لجأت إلى الاستعانة ببعض الكفاءات من طلبتها المتفوقين المتخرجين من هذا التخصص، والذين أثبتوا تمكنهم من ذلك، فمنهم من استمر في التدريس ومنهم من غادر بسبب الطلب المتزايد عليهم في جانب الترجمة لدى الشركات والمتعاملين الاقتصاديين بالخصوص.
وتزامن لقاءنا بالبروفيسور السعيد دراجي وزيارة لوفد من معهد يونس إمره التركي، أين حضرت “الشروق” جانبا مهما من المناقشات بين مدير الجامعة ومنسقة المعهد التركي بالجزائر خديجة أوتلوالكايا، والذي شمل في مجرياته برنامج التعاون المستقبلي بين المعهد وجامعة الأمير عبد القادر في إطار بروتوكول التعاون الموقع بين المعهد والجامعة.
أكد مدير جامعة الأمير عبد القادر خلال تلك المناقشات على الحاجة السريعة لجامعته في الإمداد بأساتذة في تخصص اللغة التركية، أين أكدت منسقة المعهد بالجزائر أنه حاليا يوجد أستاذ جاهز لإرساله لجامعة الأمير عبد القادر، ولا يتعدى الأمر في إتمامالإجراءات اللازمة لاستقدامه مع وزارة الخارجية الجزائرية.
كما أبرز البروفيسور دراجي لمنسقة المعهد التركي الحاجة للكتب والمراجع المساعدة للطلبة في تعلم اللغة التركية، وهو ما كان سابقا موضوع طلب مباشر للسفيرة السابقة للجمهورية التركية والوزيرة الحالية بحكومة أوردوغان الخامسة ماهينو أوزديمير غوكتاسو، التي عبرت حينها عن دعمها المطلق لكل ما من شأنه أن يخدم تعليم اللغة التركية في الجامعة الجزائرية.
“الشروق”، اتصلت بطالبة الدكتوراه بجامعة البحر الأبيض المتوسط بمدينة انطاليا التركية، أسماء مسكين، تخصص لغة تركية، والتي أنهت مسار الليسانس والماستر بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة ضمن نفس التخصص، مفيدة بأنها استفادت من منحة كاملة لمدة خمس سنوات على عاتق الدولة التركية، موضحة بأن بدايتها كانت بالتسجيل عبر الموقع الخاص بمنح الدراسة في تركيا توركيش بورصلي، لتجري مقابلة أولى بالسفارة التركية لتحديد المستوى، ومقابلة ثانية تصفوية بخصوص موضوع أطروحة الدكتوراه، المقدم من طرفها للدراسة في تركيا، والذي كان بعنوان تحليل الشخصيات في عشرة كتب للكاتب التركي ناظم حكمت، توّج بقبول ملفها، وهي حاليا بالجامعة التركية رفقة ثلاثة طلاب مستوى دكتوراه وثلاث آخرين مستوى ليسانس وماستر بمجموع سبعة كلهم من طلبة جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، مبرزة أن عدد الطلاب المستفيدين من المنحة الكاملة بتركيا خلال هذا العام بلغ حوالي 200 طالب من تخصصات مختلفة.

جزائريون يتعلمون الإسبانية والصينية والألمانية
بعيدا عن اللغة التركية وخاصة الإنجليزية، التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للمدارس الخاصة، فإن ما يشد الانتباه هو أن لغات كثيرة بدأت تنافس الفرنسية حتى في مركزها الثاني المتراجع.
تقول السيدة نور، وهي مديرة مدرسة مختصة في تعليم اللغات، بأن الناس ماعادوا يطلبون تعلّم الفرنسية، خاصة لأبنائهم الصغار، فلأول مرة صارت المدرسة تستقبل أطفالا دون العاشرة من العمر، لتعلم اللغة الإنجليزية، وقالت بأنها أجبرت على إلغاء قسم اللغة الفرنسية للمبتدئين، بسبب فتور واضح في الإقبال على تعلم هذه اللغة، التي تفوقت في زمن ما، حتى على اللغة الأم، فالأولياء كما تقول السيدة نور وهي مدرّسة فرنسية في الإكمالي في وقت سابق، مقتنعون بأن دعم أبنائهم في لغة شكسبير هو الأجدى، أما اللغة الفرنسية فتبدو في زوال تدريجي مازال الآن بطيئا، ولكن سرعته قد تزيد مع مرور السنوات.
وتؤكد السيدة نور أنها أدخلت لغات أخرى غير الفرنسية في مدرستها تحت طلب الناس ومنها الإسبانية والألمانية: “في الموسم الماضي استعنت بأستاذ ألمانية لتعليم عشرة طلاب، لكن مع ارتفاع الطلب على تعلم هذه اللغة، استعنت بأستاذين، وهناك من طلب مني أيضا إدراج اللغة الصينية ضمن اللغات التي تقدمها مدرستنا وأعرب عدد من الكهول وهم في الغالب تجار ومستوردين، اهتمامهم بتعلم لغة المليار نسمة.
يذكر أن هناك ثلاث جامعات جزائرية تدرّس اللغة الألمانية وتمنح شهادات لطلابها وهي جامعة وهران 2 وجامعة سيدي بلعباس وجامعة الجزائر 2، وتوجد طلبات من شرق البلاد لإدخال هذه اللغة إحدى الجامعات بشرق البلاد، وقد تكون في الموسم القادم في جامعة عنابة التي تدرّس اللغة الإيطالية.
وتفتقر أيضا جامعات شرق البلاد للغة الإسبانية، التي تدرّس في عدد كبير من جامعات الغرب الجزائري، مثل أبو بكر بلقايد بتلمسان وجامعة بن باديس بمستغانم وجامعة وهران 2 وجامعة الجزائر2.
كما وجدت اللغة الصينية مكانا لها في عدد من الجامعات الجزائرية وعلى رأسها جامعة منتوري بقسنطينة وجامعة السانية بوهران وجامعتي 1 و2 بالجزائر العاصمة.
وتعتبر جامعة الجزائر 2 في العاصمة هي الجامعة المختصة في العديد من اللغات في المركز الأول وطنيا في تعليم اللغات الأجنبية.

الطلبة متعطشون إلى كل لغات العالم
سألنا عددا من طلبة الجامعات بالخصوص، عن مكانة كل لغة وعن الخارطة الجديدة في وجدان كل طالب أو طالبة.
تقول لمياء، وهي طالبة في الشريعة، بأنها تفضل الإنجليزية وتكتفي بها كلغة أجنبية وحيدة، وتعترف بأنها لا تتقنها بالشكل المطلوب، ولكنها تراهن على تعلمها قريبا سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أم بالانتماء إلى أقسام تعلمها بالمراحل أو على السريع، وتدعمها زميلة لها في نفس الشعبة وهي تقول: “كل العالم عرف الآن القوى اللغوية، وصراحة الفرنسية يمكن نزع عنها صفة الحياة، فلم تبقى لغة حية، فحتى في الدول التي استعمرتها فرنسا لم تعد سيدة كما كانت في السابق، وسقوطها الحر مع تدهور فرنسا نفسها في قطاعات كثيرة صار واضحا للعيان.
أما رشيد، وهو طالب صيدلة، فيختلف عن الجميع بالقول بأنه صار مقتنعا بأن العالم الغربي ستأفل شمسه قريبا وستكون الغلبة للصين وروسيا، وحتى الإنجليزية ستتراجع بحسبه: “أنا شخصيا أريد تعلم اللغة الروسية وللأسف فتعليمها مقتصر على جامعتين في وهران والعاصمة، وحتى المدارس الخاصة مازالت بعيدة عن اللغة الروسية”، رشيد يقول بأن عالم الصيدلة متطور في روسيا، وهو يحلم بالتنقل إلى موسكو للدخول في عالم تصنيع الدواء، وليس له من حل سوى تعلم اللغة الروسية.
وسائل التواصل الاجتماعي وسفر الجزائريين إلى الخارج والانفتاح الاقتصادي كان طعنة للغة الفرنسية، فقد اكتشف الجزائريون شعوبا أخرى بثقافات أخرى واقتصادات متطورة، واللغة تختصر مساحة التعارف والوصول إلى الهدف الاجتماعي او التجاري، فالإنجليزية ضرورية حتى في بعض البلدان الخليجية، وفي المقام الثاني لغات أخرى غير الفرنسية تجمع شعوبها بالجزائر علاقات قوية من تركيا إلى الصين وروسيا مرورا بإيطاليا وألمانيا وإسبانيا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!