-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ارحلوا واتركوا لنا بلدكم!

حسين لقرع
  • 591
  • 0
ارحلوا واتركوا لنا بلدكم!

منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، كان واضحا تماما من خلال القصف الصهيوني الممنهج للأحياء السكنية وتسويتها بالأرض، وتدمير البنية التحتية من مستشفيات ومدارس وشبكات مياهٍ وصرف وشبكات كهرباء ومساجد ومصانع وأسواق ومخابز ومحال تجارية وغيرها… أنّ الاحتلال كان يريد تحويل غزة إلى منطقةٍ غير صالحة للحياة، ومن ثمّ، إجبار 2.3 مليون فلسطيني من سكانها على تركها والرحيل إلى مصر، لكنّ خطته الجهنَّمية فشلت وفضّل مئاتُ الآلاف من الفلسطينيين الاكتفاء بالنزوح داخل غزة، كما وقفت مصر بحزم في وجه هذا المخطط وعدّته خطًّا أحمر، ورفضت الإغراءاتِ الأمريكية والأوروبية بمسح ديونها الخارجية البالغة 170 مليار دولار، ومنحِها مساعداتٍ إضافية لإنعاش اقتصادها مقابل استقبال سكان غزة وتوطينهم في سيناء، وهو موقف تاريخي يحسب لمصر.

اليوم يعود هذا المخططُ الجهنمي إلى الواجهة وينتقل من السّر إلى العلن، من خلال مطالبة وزير المالية الصهيوني المتطرف، بتسلئيل سموترتيتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مليوني فلسطيني بالرحيل من غزة، لإفساح المجال للمستوطنين الصهاينة للعودة إليها، أي أنهما يريدان أن يقولا للفلسطينيين: “ارحلوا من بلدكم واتركوه لنا!”، وفي الوقت ذاته، كشفت القناة 12 العبرية النقاب عن استعانة القادة الصهاينة برئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ليرأس طاقما يعمل على إقناع دول أوروبية وغربية وحتى عربية “معتدلة” باستقبال اللاجئين من غزة. وبلير هذا، لمن لا يعرفه، هو أحدُ أكبر مجرمي الحرب في العالم، وقد رافق المجرمَ الآخر جورج بوش الابن في حربه العدوانية على العراق سنة 2003، والتي أسقطت حكم صدام حسين، رحمه الله، وفجّرت حربا طائفية مدمِّرة بالبلد، وعمّقت انقساماته المذهبية والعرقية، وحوّلته إلى دولة فاشلة غارقة في التخلف والفساد إلى حدّ الساعة.

المخطّطُ قائمٌ إذن ويجري عبر مواصلة التدمير الممنهج لباقي أحياء غزة وبنيتها التحتية بالجنوب، بعد تحويل الشمال إلى أنقاض، وإحكام الحصار على السكان، والاستمرار في ارتكاب المجازر وأعمال الإبادة بحقّهم، ونشر المجاعة بينهم من خلال عدم السماح سوى بإدخال نزر يسير من الغذاء إليهم يوميا، وإجبارهم على أكل الحشائش وربما القطط والكلاب لاحقا، بهدف دفعهم إلى اختراق الجدار الحدودي والرحيل إلى مصر.. ومع ذلك، ما زال سكان القطاع يبدون صمودا كبيرا على أرضهم إلى حدّ الساعة، ويرفضون قطعا الخروج من بلدهم لأنهم يعلمون أنّ ذلك يعدّ البداية الحقيقية لتصفية القضية الفلسطينية وضياع تضحياتهم سدى وحسم الصراع لصالح الاحتلال نهائيا، لذلك، صمد الجميع برغم أهوال الحرب ومخاطرها وقسوةِ الظروف وقلّة المساعدات العربية والدولية، ولم نرَ فلسطينيا واحدا يترك غزة للمحتلّين الصهاينة ويهرب باتجاه مصر، باستثناء مئات الجرحى الذين خرجوا للعلاج في مستشفيات عربية عديدة وسيعودون بعد شفائهم.

وبالموازاة مع هذا التشبّث البطولي لسكان القطاع بأرض أجدادهم، تُبدي المقاومة بدورها صمودا أسطوريا في ساحة المعركة، وتشتبك يوميا بالعدوّ وتدمِّر دباباته وآلياته، وتوقع العشرات من جنوده بين قتيل وجريح في كمائن محكمة، ما دفع بالاحتلال إلى سحب فرقة من لواء “غولاني” الشهير، بعد تفاقم خسائره، ثم سحب 5 ألوية كاملة بذريعة “الاستراحة وتنظيم الصفوف من جديد”، ما يمهّد لانسحابٍ كامل لاحقًا تجنّبا لهزيمةٍ أكبر مما تعرّض له إلى حدّ الساعة.

بعد مرور ثلاثة أشهر من الحرب، يمكن القول إنّ العدوّ الصهيوني قد فشل في تحقيق أهدافه كلّها، وفي مقدّمتها القضاء على المقاومة، وقتل كبار قادتها، وتحرير أسراه بالقوة، وتهجير سكان غزة، وإعادة احتلالها وإغراقها بالمستوطنات على غرار الضفة الغربية، وهذا الفشل الذريع عائد إلى صمود الفلسطينيين على أرضهم، وثبات المقاومة في الميدان وتحقيقها انتصارات يومية واضحة على جيش الاحتلال. وبعد أن يدحر العدوّ وتتوقف الحرب نهائيّا، لن يقبل عشرات الآلاف من سكان مستوطنات غلاف غزة بالعودة إليها بعد أن تكون ثقتهم بجيشهم قد انهارت، وأكثر من ذلك، ستنشط الهجرة العكسية إلى دول أوروبا والغرب طلبا للأمان والاستقرار، وسيشرع شذّاذُ الآفاق في العودة تدريجيًّا من حيث جاء أجدادهم، ولن يكون بمقدور سموتريتش وبن غفير إيقاف أحد منهم، و”ما يبقى في الواد غير حجارو” كما يقول المثل الجزائري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!