الرأي
طوائفُ مسلمةٌ تخوض حربا بالوكالة

الإسلام السياحي لمواجهة الإسلام السياسي والإسلام المدخلي لمواجهة الإسلام الجهادي!

سلطان بركاني
  • 3939
  • 23

في تقرير له نشر مؤخرا، أوصى مركز “هرتسليا” أحد أهم مراكز البحث في المناعة القومية لإسرائيل، أوصى الدول الغربية بتوفير المزيد من الدعم للإسلام السياحي في الدول العربية، لمواجهة الإسلام السياسي الذي تتنامى شعبيته، في ظل النقمة المتزايدة على الأنظمة العربية التي فشلت فشلا ذريعا في انتشال دولها من شرنقة التخلف والتبعية.

والإسلام السياحي مصطلح يطلق على توجه الطرق الصوفية إلى الاستثمار فيما يسمى “السياحة الدينية” التي تجعل من شد الرحال إلى الأضرحة والمزارات عبادة وسياحة تدر الأموال الطائلة على سدنة تلك القبور، وعلى الأنظمة التي تتولى بصفة مباشرة أو غير مباشرة مهمة الإشراف على تلك الأضرحة واستغلال سدنتها من المشايخ والمريدين والأتباع الذين يقدَمون على أنهم يمثلون الإسلام التقليدي الوراثي المعتدل، في مقابل الإسلام الحركي الدعوي الذي بدأ يزعج الأنظمة الحاكمة.

وليست هذه المرة الأولى التي تتبنى فيها إسرائيل الترويج للتصوف الطرقي وتوصي بدعمه، فقد سبق لأكاديمية القاسمي بالاشتراك مع الجامعة العبرية في القدس أنْ عقدت ملتقًى عُدَّ الأول من نوعه في إسرائيل، لبحث سبل دعم التصوف ونشره، بعنوان “التصوف في فلسطين: الماضي والحاضر” يومي 26 و27 أفريل 2006م. في قاعة “مئيرسدورف” بالجامعة العبرية.

مراكز البحث الغربية من جهتها، كانت قد تبنت الدعوة إلى دعم التصوف الطرقي للوقوف في وجه الحركات الدعوية والجهادية بعد أحداث الـ11 سبتمبر 2001م؛ ففي شهر مارس 2007م، أصدرت مؤسسة “راند” الأمريكية تقريرا استراتيجيا غاية في الأهمية يتألف من 217 صفحة، عنوانه: “بناء شبكات مسلمة معتدلة”، ينص صراحة على أن الذين يقومون بتقديس أئمتهم وشيوخهم ويصلون في القبور ويقدمون نذورهم، هم حلفاء طبيعيون للغرب.

وقبله كانت وحدة البحث في الأمن القومي التابعة لمركز “راند” بالولايات المتحدة الأمريكية أصدرت سنة 2004 بحثا بعنوان “الإسلام المدني الديمقراطي”، عُد بمثابة استراتيجية أمريكية للتعامل مع المسلمين الذين يقسمهم التقرير إلى 04 فئات؛ مسلمين أصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين.

و”المسلمون التقليديون” هو الوصف الذي أطلقه التقرير على أتباع الاتجاه الصوفي بمختلف طرقه، وأوصى بدعمهم لمواجهة “المسلمين الأصوليين” باعتماد أساليب محددة، هي ذاتها الأساليب التي يواجَه بها الإسلام السياسي الدعوي في وسائل الإعلام المختلفة.

وقبل هذا التقرير الذي صدر سنة 2004، كانت القوات الجوية الأمريكية بعد أحداث الـ11 سبتمبر مولت بحثا حول الإستراتيجية التي ينبغي للولايات المتحدة الأمريكية اعتمادها للتعامل مع الإسلام والمسلمين، وقد صدر البحث تحت عنوان “العالم الإسلامي بعد أحداث الـ11 سبتمبر”، نشر فيما بعد في كتاب مؤلف من 567 صفحة، وأكد بدوره على أن الصوفية هم حلفاء طبيعيون للغرب في حربه ضد الراديكالية.

من جانب آخر وعلى صعيد سعي الغرب لاستغلال بعض طوائف المسلمين في حربه على توجهات لا تروق له، أوصت بعض مراكز صنع القرار الغربي بدعم التيار السلفي المدخلي الذي يعد الداعية المثير للجدل ربيع المدخلي منظره الأول، لحرب التوجهات السلفية الأخرى التي تأتي في مقدمتها السلفية الجهادية التي تستأثر بالنصيب الأوفر من الحرب التي يعلنها التيار المدخلي على مختلف الطوائف التي لا تتبنى خياراته، وفي هذا الصدد، نشر مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية في “ويست بوينت” بأمريكا شهرَ فيفري 2006 تقريرا يوصي بدعم هذا التيار الإرجائي لمواجهة التيار الجهادي، حيث يقول صراحة “تأتي الصعوبة في تحديد الزعيم أو المجموعة المناسبة التي يمكن دعمها، فالولايات المتحدة يمكن أن تدعم بتعقل اتجاهات سلفية سائدة، مثل مجموعة المدخلي التي تؤثر في رفع الدعم عن الجهاديين، ولا تدعو إلى العنف، وذلك من خلال دعم المؤلفات والمحاضرات والدروس الجديدة، وهذا سيكون له تأثير على المدى القصير، وسيساهم في تجريد السلفية من الإيحاء الذي تهدي به الحركة الجهادية كثيرا…”.

وهكذا يمعن الغرب في استغلال بعض طوائف المسلمين لحرب طوائف أخرى يرى أنها يمكن أن تقف في وجه مخططاته، مستغلا غفلة بعض تلك الطوائف عما يحيكه المتربصون بهذا الدين للحيلولة دون وحدة المسلمين وعودتهم إلى مكامن عزهم، وقد صدق الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ حينما قال: “ليس من الضروري أن تكون عميلاً لكي تخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبياً”.

ويبقى الإسلام المحمدي بشموله هو الضحية في ظل هذا الصراع الذي تتبنى فيه كل طائفة جزءًا أصيلا من الإسلام تغلو فيه وتجفو عن الأجزاء الأخرى وتحارب من يعمل عليها ويرابط على ثغورها؛ وقد آن الأوان أن يصحح هذا الوضع الذي جعلنا لقمة سائغة لمخططات أعدائنا، ويتذكر العاملون لهذا الدين أنه لن تقوم قائمة للإسلام إلا بالجهاد الصحيح الذي توجه فيه الحراب إلى صدور الكفار المحاربين، والغزاة المحتلين، والعتاة الذين يمنعون نشر دين الله في أصقاع الأرض، لا إلى صدور عباد الله المسلمين مهما بلغت أخطاؤهم، وأنه لا غنى للأمة عن التصوف الصحيح الذي يعني الزهد في الملهيات والسفاسف التي لا تُصلح دينا ولا تقيم دنيا، بعيدا عن التصوف الطرقي الذي يريد أن يزهد الأمة في مقارعة الظلم ويرغبها عما هو نافع من شؤون الحياة، ويدعوها إلى التمسك بالخرافات والتعلق بالأموات ولزوم الأضرحة والمزارات، كما أنه لا غنى للأمة عن السلفية الناصحة التي تدعو إلى لزوم ما كان عليه سلف الأمة في العقائد والعبادات والأخلاق واجتناب المحدثات التي تشوه نضارة هذا الدين وتذهب رونقه، من غير تصنيف ولا تجريح للمسلمين، ولا خوض في مسائل العقيدة التي لا ينبني عليها العمل، ولا غنى للأمة أيضا عن إخوانيةٍ تسعى إلى استعادة الحياة الإسلامية من دون الحاجة إلى التنازل عن ثوابت الدين وقبول المساومات حول مقومات الأمة.

مقالات ذات صلة