-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام في فرنسا وقضية فلسطين.. إطلالة تاريخية

بقلم: صادق سلام
  • 152
  • 0
الإسلام في فرنسا وقضية فلسطين.. إطلالة تاريخية

احتلت القضية الفلسطينية دائمًا مكانًا مركزيًا في اهتمامات مهاجري الشمال الإفريقي إلى فرنسا. ولا يعود تاريخ هذا الاهتمام إلى إنشاء دولة إسرائيل عام 1948؛ ففي فترة ما بين الحربين العالميتين، كان إعلان بلفور سنة 1917 – الذي وعد بإقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين-  يثير قلق كل أولئك الذين كانوا يخشون تطبيقه. وكان هذا الشعور هو سبب إنشاء اللجنة السورية الفلسطينية عام 1920 برئاسة شكيب أرسلان وإحسان الجابري خاصة، وانتقلت إلى جنيف للدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني أمام عصبة الأمم، موضحًة أن “البيت القومي اليهودي” لا يعني بالضرورة إنشاء دولة طائفية. وكان تجمع أممي واحد كافيا لتنفيذ وعد وزير بريطانيا للشؤون الخارجية الذي أعلنه عام 1917.

لقد نظمت في مسجد باريس سنة 1930، رابطة طلاب مسلمي شمال إفريقيا بفرنسا  AEMNAF) حفل استقبال على شرف الأمير شكيب أرسلان. وصادف ذلك الاستقبال إصداره لمجلة “الأمة العربية La Nation Arabe”، وهي ناطقة بالفرنسية وموجهة بشكل خاص إلى سكان شمال إفريقيا.

نقل يوجين يونغ (1873-1936)عمل اللجنة السورية الفلسطينية وشرح ثورة عام 1916 التي قام بها شريف مكة حسين. وبعد كتابه “الثورة العربية”، الذي أثار اهتمام وزارة الخارجية بشكل كبير، نشر يونغ “الإسلام تحت النير” (1926)، و”الإسلام في مواجهة الإمبريالية” (1927)، ثم “الإسلام والعرب في مواجهة الحروب الصليبية الجديدة”. و”فلسطين والصهيونية” (1931)، وكان شعاره هو “الإسلام صديقنا وحليفنا”. اتصل به صالح بن ساعي، الذي كان طالبا في الهندسة الزراعية، ومالك بن نبي، الذي كان رئيس جمعية طلبة شمال إفريقيا في فرنسا، فأعربا له عن امتنانهما، وأنشأ “نجيب صدقة” -الطالب الحقوقي- جمعية “أصدقاء فلسطين العربية” التي كانت إطارا قانونيا لشرح القضية الفلسطينية للرأي العام الفرنسيّ، وقد أثار هذه المسألة بالفعل في عشرينيات القرن العشرين في مؤتمرات (بنادي دو فوبورج، على وجه الخصوص) وهو فلسطيني نشأ في باريس، وكان يدعّمه يونغ.

وفي سنة  1935 انفصل مصالي الحاج بشكل نهائي عن الحزب الشيوعي الفرنسي عندما سافر إلى سويسرا للمشاركة في مؤتمر مسلمي أوروبا الذي نظمه الأمير شكيب أرسلان، وكانت القضية الفلسطينية في قلب مناقشات هذا الاجتماع، وفي سنة 1938، استدعى مفتش الأكاديمية مالك بن نبي وطلب منه إغلاق المركز الثقافي للمؤتمر الإسلامي الجزائري الذي كان يديره في مرسيليا، وبعد أن شكَّك ابن نبي في الذرائع التي راح يسوقها المفتش الشجاع، سأله: “أليس من الحماقة معرفة السبب الحقيقي، سيدي المفتش؟”. أجاب المسؤول الصادق: “يا إلهي، الأمر جاء من فوق… منذ الأحداث الأخيرة في فلسطين، أصبح السكان الأصليون خارج نطاق السيطرة”.

في سنة 1948، وهي سنة إنشاء دولة إسرائيل، أعاد توفيق الشاوي وهو مصري كان يدرس القانون، كما كان مكلفا بتقديم المشورة لناشطي الشمال الإفريقي في باريس، إطلاق الجمعية التي أنشأها نجيب صدقة. وكان يقوم بتنظيم اجتماعات، في قاعة “واغرام” خاصة دفاعا عن حقوق الفلسطينيين،

وبعد تعرضه للتهديد بالهجوم، صار رفيقا لمجموعة من العمال الجزائريين الذين ربطوا صلته بـ”إبراهيم معيزة” أحد أقارب مصالي الحاج. وعندما أصدرت فرنسا مرسوما بحظر تصدير الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط، تمّ تجميد طلبية لبنانية قديمة في ميناء مرسيليا، وبفضل عمّال الرصيف الجزائريين الذين قدّمهم عبد الله الفيلالي العضو السابق في نجم شمال إفريقيا الذي ترأس فيدرالية حزب الشعب بفرنسا، تمكَّن الشاوي من تحميل هذه الشحنة، على الرغم من معارضة نقابة العمال العامة.

ولقد نجم عن تصويت الأمم المتحدة عام 1947 تقسيم فلسطين فنتج عنه صراع خطير داخل نقابة CGT ، وطالب كثيرٌ من النقابيين الجزائريين بتوضيحات حول السُّرعة التي تم بها اعتراف الاتحاد السوفييتي بالدولة اليهودية، خاصة وأن الجميع يعلم بأن نقابة CGT والحزب الشيوعي الفرنسي كانا يسيران على خطى الاتحاد السوفياتي، فما كان من القادة النقابيين الجزائريين –ومن ضمنهم صافي بوديسة نفسه- إلا مغادرة المركزية الشيوعية. وفي مصانع بيجو بمدينة سوشو الفرنسية، أعقب هذه الانسحابات إضرابٌ طويل الأمد لم يتوقف إلا بعد أن قبلت الإدارة افتتاح غرفة للصلاة داخل المصنع مساحتها 1600 متر مربّع.

وبحسب ملف الاستعلامات الخارجية والاستعلامات المضادة المتعلقة بالموضوع، فقد كان “صافي بوديسة” أحد المتطوّعين العديدين الذين غادروا فرنسا إلى مصر دعما للفلسطينيين.

ولقد أقنع “ليون بلوم” في اليوم السابق لمغادرته إلى نيويورك لحضور جلسة الأمم المتحدة عام 1947 -جورج بيدو- وزير الخارجية في حكومة الحزب الشيوعي الثوري “الديمقراطي المسيحي” في حكومة راماديي، بالتصويت لصالح تقسيم فلسطين، بينما نصحه كثير من الشخصيات بالامتناع عن التصويت، وكان من بين مؤيدي الامتناع عن التصويت، “لوي ماسينيون” الذي ذكّر بالرقم: 35 ألف جزائري الذين يعيشون في فلسطين وأصبحوا مواطنين فرنسيين منذ اعتماد النظام الأساسي في سبتمبر 1947؛ فبالنسبة للمستشرق الكبير، فقد كانت فرنسا القوة الغربية المعنيّة أكثر وبشكل مباشر بالمشكلة الفلسطينية، ومقالاته القوية المنشورة في “الشهادة المسيحية”Témoignage Chrétien  تسببت للأب شـِــيِّي -مقاتل المقاومة السابق الذي كان يدير الصحيفة- في تهديد بالمقاطعة على يد وكالة إعلانات، فكان على ماسينيون أن يجد مجلات صغيرة لمواصلة دفاعه عن موقف أكثر عدالة لفرنسا في الشرق الأوسط.

كان الاتصال يتم بانتظام بالأستاذ محمد حميد الله للمضيِّ في مشروع إنشاء جمعية للحوار الإسلامي اليهودي المسيحي، وكان “أندري شوراقي” هو الأحرص على مشاركة حميد الله؛ فقد حاول إقناعه بوساطة “لويس ماسينيون”، واشترط حميد الله مقابل عُضويته إدراج مادة في النظام الأساسي تلزم الجمعية بإدانة أي انتهاك لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فرفض الشوراقي الاقتراح، موضحًا أن هذا الأمر سيتطلب منه التنديد المستمر بانتهاكات الجيش الإسرائيلي، وأدّى المشروع في نهاية المطاف إلى إنشاء “الأخوّة الإبراهيمية”  بعد حرب 5 جوان 1967. وكان في الجمعية عضو مسلم أقل عنادا من حميد الله، هو عميد مسجد باريس، إنه حمزة بوبكر.

وتصدَّر الصفحة الأولى من عدد مجلة  France-soir” ” الصادرة بتاريخ 6 جوان 1967 عنوان: “إسرائيل يهاجمها جيرانُها العرب”! أما الجنرال ديغول فأدان في مؤتمره الصحفي يوم  27 سبتمبر 1967، ما يحدث مبرزا أنه لا وجود لاحتلال، بغير قمع ونفي، رافضا عدم التمييز بين المقاومة والإرهاب. بعد هذا التصريح الهام، تمّ استقبال وفد برئاسة الحاخام الأكبر “كابلان” في الإليزي، حيث أوضح الجنرال ديغول أن “فرنسا عليها أيضًا واجبات الحماية تُجاه المسلمين”. ولم يجرؤ الأب ريكي، وهو عضو في جماعة “إخوان إبراهيم” وفي الوقت نفسه عنصر من الوفد، كما كان ينشر بانتظام في صحيفة “لوفيغارو”، على الإدلاء بهذا البيان كتابيا، واكتفى بقوله لي ذات يوم: «أذنت لك أن تكتبه وتقتبس منه».

كان جورج مونتارون في 1970 مدير “الشهادة المسيحية” بمساعدة الأب جواشيم مبارك وهو كاهن ماروني وأمين قديم لماسينيون، ينظم في بيروت ندوة المسيحيين حول فلسطين، كان ذلك بداية تغيّر تدريجي في الآراء تجاه فلسطين في دول أوروبية كثيرة. ونقل جورج مونتارون عن طالب فلسطيني في بروكسل قوله وهو في حالة اندهاش: «إن أيّ يهودي يأتي من أي بلد في العالم يمكنه أن يصبح مواطناً إسرائيلياً؛ وعائلتي كانت تعيش في القدس منذ قرون، لكن ليس لديّ الحق في العيش هناك…”.

تم يوم 6 أكتوبر 1973، وفي وقت قياسي تفكيك خط بارليف، المشهور عنه آنذاك بأنه غير قابل للاختراق، فوضع هذا حداً لأسطورة “إسرائيل التي لا تقهر”، وأجرى مجموعة من الحَرْكَى اتصالات مع ودادية الجزائريين في أوروبا وأعربوا عن رغبتهم في التطوع للقتال جنبا إلى جنب مع المصريين، بعد أن أعلنوا بطلب من الرئيس بومبيدو أن “المصريين يحاربون داخل مصر، والسوريين يحاربون داخل سوريا”، فاتُّهِم “جوبير” بـ”معاداة السامية” وكان عليه أن يوضّح قصده أمام نواب البرلمان في جلسة ساخنة داخل المجلس الوطني: “فرنسا لا تهدد إسرائيل بإبادتها”، قال ذلك موضحا في خضم جو مضطرب تسبَّب في خلقه النواب الذين اتهموه بترديد مقولة “المشرق معقد وعرضي من اللازم أن يكون عاما، لكن بالنسبة لمعظمكم سيكون هكذا أكثر من كاف…. وهكذا نال جوبير تعاطف الطلاب العرب والعمال المسيّسين، الذين انخرط كثير منهم في «حركة العمال العرب» التي قُدِّر عددها بأربعة آلاف منخرط.

وكان احتلال بيروت في جوان  1982 ومجازر صبرا وشاتيلا في سبتمبر قد أدانهما المسلمون الفرنسيون “المدمجون”.

وأدى نشر جريدة “لوموند” إدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان في 1982، على لسان شخصيات فرنسية، إلى رفع دعوى قضائية ضدها بتهمة “معاداة السامية”، لكن تم رفض الدعوى؛ فقد حكمت العدالة بأن “انتقاد إسرائيل بسبب سياستها العدوانية لم يكن معاداة للسامية.”

وفي عام 1983، أدى الهجوم على مقر “دراكار” للفرقتين الأمريكية والفرنسية في لبنان إلى مقتل ما يربو عن عشرة جنود فرنسيين، وكان بينهم مسلمون، وتلقى الشيخ عباس، العميد الجديد لمسجد باريس، دعوة من ميتران لحضور الحفل الذي نُظم في “لي زانفاليد”. فكان ذلك علامة على الاعتراف بالإسلام في فرنسا، لكن أعقبه انعدام ثقة دائم. وفي العام نفسه، كشفت “المسيرة من أجل المساواة ومناهضة العنصرية” عن مشاكل عدم اندماج الشباب من أبناء المهاجرين. لكن ما أثار القلق أكثر هو ارتداء المتظاهرين الكوفيةَ الفلسطينية، فتمّ تكليف المنظمة المناهضة للعنصرية”SOS-Racisme”  بإزالة علامة التّضامن مع فلسطين.

وفي عام 1986، تم إنشاء “حلقة الاشتراكيين من ذوي الثقافة الإسلامية” التي أبرقت وفداً إلى تونس للقاء ياسر عرفات، بعد القصف المميت لمقر منظمة التحرير الفلسطينية عام 1987 على يد الطيران الحربي الإسرائيلي.

وكشفت أزمة الخليج عام 1990 وحرب 1991 ضد العراق عن تيار كبير معادٍ لـ«منطق الحرب»، واستقال محمد مبتول مدير “موزاييك” على FR3، والبرنامج الإسلامي على “أنتان 2 ” استقال من اللجنة الإدارية للحزب الاشتراكي وكشف عن صعوبات “الاندماج من خلال السياسة”. بينما فضَّل ثيو كلاين، الرئيس المؤسس لـ CRIF، الحوار مع المسلمين على الشكوك.

كان من بين مؤيدي الامتناع عن التصويت، “لوي ماسينيون” الذي ذكّر بالرقم: 35 ألف جزائري الذين يعيشون في فلسطين وأصبحوا مواطنين فرنسيين منذ اعتماد النظام الأساسي في سبتمبر 1947؛ فبالنسبة للمستشرق الكبير، فقد كانت فرنسا القوة الغربية المعنيّة أكثر وبشكل مباشر بالمشكلة الفلسطينية، ومقالاته القوية المنشورة في “الشهادة المسيحية”Témoignage Chrétien  تسببت للأب شـِــيِّي -مقاتل المقاومة السابق الذي كان يدير الصحيفة- في تهديد بالمقاطعة على يد وكالة إعلانات.

وتنطلق جمعية «فرانس بلاس» في التّصعيد لتتهم كل معارضي «منطق الحرب» برفض الاندماج الجمهوري متهمة إياهم بـ«الأصولية».

وفي الفترة 1994-1995، ظهر حديث مفتوح عن “تصويت المسلمين”. وشجع شارل باسكوا، وزير الداخلية، على إقامة تحالف بين UOIF و”France-Plus”  تلبية لاحتياجات حملة بالادور. وندَّد المتظاهرون بأعدادٍ متزايدة من يوم سبت إلى آخر بالحروب القاتلة التي شهدتها الأعوام 2004، 2006، 2009 بجنوب لبنان وفي غزة. وآثرت وسائل الإعلام تجاهل المظاهرات الأولى، لكنَّهم عندما كانوا يتنازلون ويغطّونها يطلقون على المتظاهرين اسم “المخربين”، و”معادي السامية”، أو “الأصوليين”. رغم مشاركة عدد كبير من اليهود الذين توقفوا عن الموافقة غير المشروطة على العدوانية الإسرائيلية.

تصدَّر الصفحة الأولى من عدد مجلة  France-soir” ” الصادرة بتاريخ 6 جوان 1967 عنوان: “إسرائيل يهاجمها جيرانُها العرب”! أما الجنرال ديغول فأدان في مؤتمره الصحفي يوم  27 سبتمبر 1967، ما يحدث مبرزا أنه لا وجود لاحتلال، بغير قمع ونفي، رافضا عدم التمييز بين المقاومة والإرهاب. بعد هذا التصريح الهام، تمّ استقبال وفد برئاسة الحاخام الأكبر “كابلان” في الإليزي، حيث أوضح الجنرال ديغول أن “فرنسا عليها أيضًا واجبات الحماية تُجاه المسلمين”.

بعد 7 أكتوبر 2023، فاجأت محاولات منع كافة المظاهرات المنددة بالمجازر التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون كل من يتذكر هذه السوابق الكثيرة. ومن خلال تقديم تأييد إسلامي زائف لغضب انتقائي، لم يكشف من يسمون “ممثلي الإسلام في فرنسا” إلا عن توسيع الفجوة التي تبعدهم عن المجتمع المسلم الحانق بسبب المعايير المزدوجة التي تفرضها وسائل الإعلام.

ترجمة: محمد الصديق بْغوره تحت إشراف دار الأمير للنشر مرسيليا

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!