-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام والغرب أم الدين وكمال داود؟

التهامي مجوري
  • 3093
  • 9
الإسلام والغرب أم الدين وكمال داود؟

أول ما يلفت انتباه المتابع، لما أثاره موقف الصحفي كمال داود، من الإسلام والعربية وعلاقتهما العضوية بالجزائر والجزائريين، في تصريحاته الأخيرة المتعلقة بروايته، ورد الفعل المباشر والصريح والشديد لعبد الفتاح زيراوي، يلمس أن القضية ليست في هذا الموقف والرد عليه، بقدر ما هي إثارة لمسائل أخرى من ورائها، تتعلق بجوهر الصراع القائم بين مظمومتي الفكر الإسلامي، والفكر الغربي، بما يحملان من تصورات مختلفة ومتباينة، في الموقف من الإنسان وقيمه.

ومن تلك المسائل المتعلقة بالإنسان وقيمه، الحريات والعدل والقيم الأخلاقية، حيث أن الفكر الغربي يرى أن الإنسان هو محور الوجود، وحاجته هي المعتبرة اولا وأخيرا، وقيمه مرتبطة ارتباطا وثيقا بواقعه الاقتصادي أساسا، اما الإسلام فيرى أن محور الوجود هو الله سبحانه وتعالى، والإنسان ما هو إلا مخلوق مكلف بعمارة الأرض انطلاقا مما سخر له، وإذا جاز الكلام عن محوريته، فهو محور الكون وليس محور الوجود، وعليه مدار الحياة الدنيا، فهو صانع الخير والشر فيها، ومن ثم فإن عالم القيم هو الأساس؛ لأن الإنسان فردا وجماعة، يمثل قيما قبل أن يكون مادة.

وهذه الجدلية التي لا تزال وستبقى، والتي لا يبت فيها إلا الحوار الحضاري والثقافي الندِّي، فإن الضمير الغربي لا يريدها كذلك، وإنما يريدها حملات تشويه مركزة، يقوم بها حثالة من أبناء المسلمين، لإقصاء المنظومة الإسلامية، من المساهمة في معالجة قضايا الإنسان المطروحة في العالم؛ لأن الإسلام يملك المنظومة الاجتماعية والثقافية المنافسة للمنظومة الغربية، على حد تعبير فوكو ياما [أنظر نهاية التاريخ] .

إن موقف كمال داود فيما نقل عنه، ليس جديدا وإنما هو موقف يشبه موقف سلمان رشدي في روايته آيات شيطانية سنة 1988، والتي دفعت بالإمام الخميني إلى الإفتاء بقتله، لتطاوله على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويشبه رأي الكاريكاتيريست الدانماركي الذي نشر الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي هزت كل العالم الإسلامي؛ بلغت حد تأزيم العلاقات الدبلوماسية بين الدانمارك وبعض الدول والشعوب الإسلامية، ويشبه قبل ذلك موقف تسليمة نسرين من بنغلاداش في روايتها “لاجا” العار، ولا يختلف عما كتب حيدر حيدر في روايته “وليمة لأعشاب البحر” المنشورة في 1974، وأعيد نشرها في 1983 في بيروت وقبرص، وعشرات قبلهم وعشرات بعدهم.

والقاسم المشترك بين جميع هذه الأعمال الفنية والروائية، هو الإساءة للإسلام وللعرب والمسلمين، وهذه الصدف والمطابقات، لا يمكن أن تكون عفوية، وإنما هي صيغة من صيغ الصراع  -الغربي الإسلامي-، مثل حركة التغريب والاندماج التي كانت أيام الاستعمار، ولكنها  إساءة بأيد إسلامية مائة بالمائة، كمال داود الجزائري، وسلمان رشدي الهندي الأصل، ونسرين البنغلاداشية، وحيدر السوري، كلهم مسلمون أو على الأقل من بلاد إسلامية تدين شعوبها بالإسلام، وتحترمه وتعتبره عمق هويتها، باستثناء الهند التي لم تعد ذات أغلبية إسلامية بعد اقتطاع باكستان وبنغلداش منها في أربعينيات القرن الماضي.

إن مواجهة الغرب للإسلام مواجهة سافرة لم تعد ممكنة، في جو يقول فيه علماؤهم “لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتها” [هذا القول منسوب لابن باديس]، ويقول عامتهم “العربي عربيي ولو كان الكولونيل بن داود”؛ بل إن الغرب أضحى يتحاشى بل ويخاف معارضة قيم الإسلام ومحاربتها؛ لأنه من ناحية يتبنى حق الشعوب في تحديد مصالحها وخياراتها  ولو شكليا، ومن ناحية أخرى يخاف على مصالحه، لمعرفته بتعلق المسلمين بدينهم وانتقامهم له بكل الوسائل، والدليل على ذلك موضوع الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي كانت بأيد غربية، ولكنها لو عرضت على منهجية الغرب في التعامل مع العالم الإسلامي لما أقرها.

إن الغرب يريد لقيم الإسلام أن تسقط، ولثقافة المسلمين أن تتزحزح عن موقعها، ولكنه يحترم نفسه ولا يقوم هو  بدور إسقاطها، وإنما ينتدب غيره أمثال رشدي ونسرين وداود، وغيرهم من عملائه الظاهرين والمستترين، فإذا أراد أن ينتقم من خصم سياسي، أو يزيح فكرة من الوجود، أو يطيح بنظام، او يميِّع قضية جادة، او يرفع من شأن أمر تافه، فإنه يكلف ويوحي لأولئك بالقيام بهذه الأدوار، فيغتالون ويسجنون ويعذبون ويقومون بحملات إعلامية –تعز من تشاء وتذل من تشاء- تطاولا على الله وعلى النبي وعلى الإسلام والمسلمين، فيريحونه من مهام لم يكن له أن يقوم بها، وهو يمجد حرية الإنسان واحترام الثقالفات.

يروي عبر بهاء الدين الأميري، الشاعر والدبلوماسي السوري رحمه الله، وقد كان سفيرا لسوريا أظن في باكستان أو السعودية –لا أذكر-، يقول زارني السفير الأمريكي يوم إعدام سيد قطب رحمه الله سنة 1966، وقال “هذا الأحمق –يقصد جمال عبد الناصر- لم نقل له أعدم واقتل، وإنما قلنا له ضيق على الإخوان المسلمين وعلى الفلسطينيين” [في حوار لمجلة المجتمع الكويتية معه].

إن المركزية الغربية كانت ولا زالت، ترى في نفسها المثال الأعلى، الذي ينبغي أن يحتذى، فاخترعت الميثاق الإستعماري، من أجل رفع مستوى العالم الإسلامي وتثقيفه وتحضيره، بزعمهم، ولما استنفذ هذا الميثاق قدراته وطاقته، كانت الوِصَايات المتنوعة بواسطة المنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات، والضغط على الأنظمة المحلية ليكونوا وكلاءه في بلدانهم، وحتى منظمات المجتمع المدني الحكومية وغير الحكومية، كانت تقوم بنفس الدور في عملية صراع قائمة، تحرص على تكريس قيم نظام غالب، في مواجهة قيم نظام مغلوب .

ولكن بحكم أن هذا العالم المتخلف المغلوب، قد استعصى على التطويع، ولم تنفع معه تلك الوسائل الترهيبية والترغيبية، اهتدى الغرب إلى أن المواجهة السافرة لم تعد ممكنة، فقامت آلة الصراع الفكري والثقافي بالدور المطلوب، لاستمرار عملية المسخ والتغريب و”التحديث” إلى اليوم، ولعلها اليوم أوضح من أي وقت مضى، في إطار العولمة التي تعمل على تغيير منظومة القيم التربوية والتعليمية والإجتماعية، وتحويلها إلى نظم أمريكية غربية في جميع العالم، ومنه العالم الإسلامية، ابتداء من فرض منظومات تربوية على الأنظمة الوطنية القائمة، وانتهاء باسدراج الشعوب إلى معارك هامشية وأحيانا معارك وهمية، وقد تكون معارك جادة ولكن لها مفعولا عكسيا على قيم هذه الشعوب المنتفضة.

وفي المقابل بدلا من ان تواجه الشعوب المغلوبة، مثل هذه الاستراتيجية الاستعمارية، التي لا تريد لثقافة أخرى، أن تبقى مع ثقافة الغرب، بما تستحق من التعامل الفعال والمثمر، ذهبت تستجيب لمثيرات عاطفية أقل ما يقال فيها ان الاستعمار هو المستفيد منها.

فعندما أفتى الخميني بقتل سلمان رشدي، وصدر الحكم بالسجن في بنغلداش على نسرين، وكُفِّر حيدر حيدر وكمال داود أو فسقا، فإن العالم الإسلامي، انتعش انصارا لدينه من هؤلاء الخارجين عن ثقافتهم ودينهم، ولكن عالم الغرب وأتباعه بمثقفيه وحكامه، لم ير من هذه العملية إلا “حرية الرأي والتعبير”.

فأن يستهزأ بالله ويهان الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤذى، ويتطاول على الإسلام، وينتقص من العرب وثقافتهم… كل ذلك جائز ولا بأس به؛ بل هو من صميم حرية الرأي والتعبير، اما أن يصدر حكم قضائي أو فقهي بتكفير، من تلفظ أو قصد انتقاص الله تعالى او النبي او الإسلام، أو حتى معلوما من الدين بالضرورة، فذلك هو الإرهاب.. وذاك هو التخلف.

والاستدراج للمعارك الوهمية، ليس مقصورا على تحريض أبناء المسلمين للنتقاص من الإسلام، وإنما قد يستدرج المسلمون للإنتقاص من قيم لغير المسلمين كما استدجت طالبان إلى تحطيم تمثال بوذا، الذي ظل منتصبا مدة 14 عشر قرنا، ولم يمسه مسلم بسوؤ، بل ربما كان ذلك احتراما لديانة قائمة في المنطقة، ولكن لما كانت الاستراتيجية الغربية تقضي بالتحريش بين فئات المستضعفين كافرهم ومؤمنهم، مسلمين ونصارى وسنة وشيعة، وهندوسا وبوذيين..، كان تحطيم التمثال والقتل على الهوية والتكفير والتكفير المضاد.. وانتقاص كل ما يأتي من العالم المستضعف، لا سيما إذا كان هذا المستضعف من المسلمين.  

ولا أدري لماذا يتحرج أولئك المنتدبون –بشكل مباشر أو غير مباشر-، من وصفهم بالكفر.. وقد نطقوا به؟ وماذا يؤذيهم في ان يحكم عليهم الدين بالكفر، وهم كافرون به او لا يولونه اهتماما؟

ولماذا يكون كلامهم المؤذي حرية تعبير، وكلام من يكفرهم إرهابا؟ قد يقول قائل إن التكفير معناه التحريض على القتل، وهذا محتمل..، ولكن ما معنى استهانة المسلم بثقافة المسلمين ودينهم، في إطار صراع ثقافي بين ثقافتين –غربية وإسلامية-؟ ألا يعد ذلك انحيازا من المسلم للعدو في حرب قائمة؟

والأعجب في هذه المكاييل الدولية المتحيزة التي لا تتردد في مساندة اليهود، إذا ما مسوا في شيء من ثقافتهم ودينهم ودنياهم – مهما كان الموقف حقيرا-، تقوم الدنيا ولا تقعد؛ بل ربما يحاكم من يقول فيهم شيئا بتهمة معاداة السامية؟ اما عندما يسب الله ويهان دين وتحتقر شعوب، فذلك حرية تعبير وحرية رأي.

إن كل عاقل، لا يسعه إلا الدفاع عن الحرية لكل إنسان، مهما كان دينه ولونه وعرقه، فلا إكراه في الدين ولا في الدنيا، ولكن هذه الحرية ينبغي أن تكون عادلة، بجميع أبعادها الإجتماعية والثقافية والسياسية، وأن تكون مبنية على العدل في احترام الثقافات والشرائع وغيرهما من خصوصيات الشعوب.

اما فيما يتعلق بالموقف الشرعي، ممن كفر بسبب من الأسباب، فإن ثقافة الغرب لا ينبغي أن تملي على المسلمين دينهم؛ لأن مصطلح “كافر” في الشرع، له مقدمات وهي كل من كفر بمعلوم من الدين بالضرورة فهم كافر، وعندما يحكم على إنسان بالكفر، فإن ذلك تنبني عليه أحكام شرعية أخرى، تتعلق بقانون الأحوال الشخصية، الزواج والطلاق والميراث…إلخ، وما عدا ذلك فإن للقضاء  كلمته في الموضوع، انطلاقا من مبدأ المواطنة حقوقا وواجبات، والحق العام في محاسبة من يخرق ثوابت المجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • سميح

    عجبا الصحافة لا ترحم اجزم ان من يكتب عن ما يقال انها كتابات داود لم يقرا حرفا منها بل جلهم ابتلعو طريقة سمعتهم يقولون فقلت نرجو التاكد قبل التعليق على الرجل عسى ان تصيبو قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين و لا يعلم نوايا هذا الشخص الا الله كما ندعوا كتاب المقالات ان يبتعدوا في كتاباتهم عن ايديولوجياتهم التي يلتفون حولها و اقصد بالتحديد الاديولوجيا السلفية الوهابية او البعثية المتطرفتين و مخاطبة القارئ بلغة الواقع و المنطق فالمتلقي يختلف الان اختلافا كليا عنه سنوات السبعينيات

  • شعبان(امت يامنصور)

    جادلهم بالتي هي أحسن ان صدر شيء من كافر او غربي . لأكن اذا صدر الشيء من مسلم و خاصة جزائري فهذا شيء اخر،ان يصدر في حقه.

  • khaled

    عجبا اقرا كثيرا لكامل دوود ان هذا الكائن الغريب وكانه وجد في هذه الدنا وهمه الواحد والاوحد مطاردة كل ما هو اسلامي يتصيد الزلات الهفوات الاختلافات وتعجبه التونوسيات بال..... ويتذمر من الجزائريات المتحجبات كما جاء في احد مقالاته كي يقول ان تونس اكثر امنا

  • حكيم

    شكرا

  • حكيم

    بارك الله ففيك استاذ.

  • بدون اسم

    شكرا أستاذ على هذا الموضوع القيم ...

  • عبد الرزاق صحراوي

    اما الربط بين الغرب وهدم طالبان لتمثال البوذا فأرى فيه تجاوزا للحقيقة لان الفكر الطالباني أقرب ما يكون للفكر الوهابي الذي اشتُهر عنه طمس الآثار التاريخية كما حصل مع اثار الرسول في مكة مثلا.
    واما التكفير فلا يجب ان يستهان به لأنه يؤدي الى القتل الذي حرّمه الله إلا بالحق. أنضر الى مجتمعاتنا هل فيها عدالة وهل الحقوق مصانة فيها فالأولى ان نوّفر العدل للناس قبل ان نقيم عليهم الحدود وإلا فلِما نميِّز بين الحدود فنهمل مثلا حد السرقة ونطالب بحد الكفر؟

  • عبد الرزاق صحراوي

    اللجوء الى العنف في هاته الأحوال لا يدل الا على ضعف صاحبه وضيق أفقه وبعده عن حكمة القرآن الذي فيه "وجادلهم بالتي هي أحسن" وحكمة سيدنا رسول الله الذي روي عنه حديث "ليس الشديد بالصرعة انما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"

  • عبد الرزاق صحراوي

    لا اعتراض على طرحكم القائل بان الجدل القائم هو نابع من جدل حضاري بين الفكر المسلم والفكر الغربي لكن مشكلتنا ان الكثير منا لا يحسن مبادئ الحوار ويلجأ للعنف وحد القتل كلما اصطدم بمن لا يسلِّم بمعتقداته ومسلَّماته فبدل ان يعامل الآخرين حسب مفاهيمهم ومناهجهم ليقيم عليهم الحجة كما فعل مثلا جمال بوراس (فرنسي وأحد ابطال العالم في الجيدو) لمَّا سأله تيري ارديسون عن الكاريكاتير الدانماركية في حصة تلفزيونية فافحمه جمال بردوده المنهجية.