الرأي

الإطاحة بمنطق اليأس

محمد سليم قلالة
  • 3732
  • 27

لم أكتب في السنوات الماضية إلا نادرا، لأني كنت ومازلت أرفض الكتابة بمنطق اليأس. كيف أكتب بهذا المنطق وأنا الذي كنت في أحلك أيام الأزمة في بداية التسعينيات من القرن الماضي أكتب أسبوعيا شروق الغد في صحيفة الشروق الأسبوعية، ومساحة أمل في أسبوعية الحقيقة رغم ما كانت تعانيه البلاد من أزمة وما كنت أشعر به من أسى وألم، وأتعرض إليه من صعوبات ومحن؟

كيف أكتب بمنطق اليأس وأنا الذي اعتبر أن “الأمل الفسيح” ركن من أركان الدولة على حد تعبير صاحب “أدب الدنيا والدين” الإمام الماوردي رحمه الله؟..

كيف أكتب بمنطق اليأس وأنا أرى بأن لا نهضة لبلادي إلا بعودة روح الأمل لدى شبابها والبسمة على ثغور نسائها ورجالها؟

كيف أسمح لنفسي بأن أُساير التشخيص اليائس للأوضاع وأدفعه نحو مزيد من السقوط والضياع؟

وهل لا يوجد بريق أمل؟ وهل لا توجد معالم نصر، آتٍ؟ وهل لا توجد مخارج لبقية الطريق؟ وهل لا توجد بدائل أفضل للمستقبل؟

يقول منطق اليأس الذي أشاعه اللصوص وناهبو المال العام: أن الكل يسرق إلا من لم يستطع، والكل يخون إلا من لم يستطع، والكل يغش إلا من لم يستطع، والكل راش أو مرتش…

ويقول منطق اليأس الذي أشاعه المحتالون والمزيفون: أن لا تلامذة ولا معلمون في المدارس، ولا طلبة أو أساتذة في الجامعات ولا شباب في الأحياء ولا تجار ولا عمال في الأسواق، ولا احترام ولا أخلاق أو قيم أو تضامن بين العائلات، بل ولا عبادات أو دين في المساجد…

وهكذا في جميع المستويات… العلمية والسياسية والأخلاقية… كل شيء في غير محله، كل شيء بالمقلوب.. ويدفع إلى اليأس…

هل ينبغي أن نُساير هذا الطرح، ونكتب ونتكلم ضمن هذا المنطق؟ وكم هو سهل ذلك… وكم أصبح من العادة لدينا أن نُثلج صدورنا بذلك؟ أم ينبغي البحث عن الإشارات الحاملة للمستقبل ضمن المحيط الذي نعيش؟ عن بوادر الأمل التي بيننا؟ عن عناصر القوة التي نملك؟ عن قدرتنا على تغيير ما أنفسنا لنغير ما حولنا؟ عن ما ينبغي أن نُثمّنه لدينا ولدى المحيط الذي نعيش ضمنه؟ 

أليس من الصواب أن يبدأ كل منا بطرح السؤال على نفسه: هل يعيش ضمن أسرة من ناهبي المال العام؟ هل يعيش ضمن أسرة تحتقر العلم والمعلم؟ هل يعيش بالمال الحرام؟ هل في نيته أن يغش وينجح أو يسمح لأبنائه بذلك؟ هل في نيته ألا يبر والديه؟ هل في نيته أن يصوم ويعبد الله زيفا وخداعا؟… الخ.

كم هو عدد الذين سيجيبون الآن بنعم؟! قليل بلا شك، بل قليل جدا…

إذن نحن الأغلبية… لسنا من المحتالين ولا المزيفين، ولا من اللصوص أو أبناء اللصوص وناهبي المال العام، نحن الذين ينبغي أن نصنع منطق الأمل ونطيح بمنطق اليأس إذا أردنا أن نكون…

 

تلك هي الروح التي أريدها أن تسري بين هذه الأسطر، التي شرعت في كتابتها ابتداء من اليوم، لتكون منطلقا لإعادة صوغ رؤيتنا للحياة وتعزيز ركن الأمل لبناء دولة الأمل، دولتنا، لا دولة اليأس، دولتهم… رغم كل ما يجري حولنا ويسعى ليدفعنا عكس هذا الاتجاه، في بلدنا وفي كل بقعة من بقاع أمتنا الإسلامية المترامية الأطراف عبر كل القارات…

مقالات ذات صلة