-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الاستثمار الممتنع في حَراك بلا هوية

حبيب راشدين
  • 1488
  • 3
الاستثمار الممتنع في حَراك بلا هوية
ح.م

يدخل الحَراك الشعبي شهره الثاني عشر، وهو على بُعد أسبوعين من إحياء الذكرى الأولى، مع تراجع متواصل في الأعداد وفي جغرافية التظاهر، من دون أن ينتقل الحراك إلى مرحلة البناء على ما تحقق، وتقدير عقلاني للموقف، بعد أن نجحت السلطة في إعادة إعمار مؤسسة الرئاسة، وتشكيل الحكومة، وفتح ورشة تعديل الدستور، فيما أهدر الحراك سنة كاملة مع ما كان له فيها من زخم، وفشل في فرز نخبة مقبولة، مؤهَّلة، ومفوَّضة لتصنيع بدائل للتظاهر الأسبوعي، المتوحل في “ظاهرة صوتية” بشعارات تنهل من مخلفات الربيع البربري، وانتفاضة أكتوبر، والمتشابه من الثورات المخملية.

بمقاييس الرِّبح والخسارة، يُحسب للحَراك حفاظه على السلمية التي تقاطع بها مع حاجة السلطة وحرصها على ضمان تأمين المظاهرات، وإدارتها بمستوى منخفض من العنف، وتحصينها من فرص إراقة الدماء، لتتحوَّل “السلمية” إلى “إصر” كبَّل الأطراف النشيطة خلف الستار وحرمها من التوظيف السياسي للحراك، وقد غادرته معظمُ تشكيلات أحزاب المعارضة باستثناء التشكيلات المحسوبة على التيار العلماني واليساري العالق في تناقضاته، ليكون الحراك قد أفضى إلى تفكيكٍ بالوكالة لقوى المعارضة وإضعافها، كما أضعف أحزاب الموالاة التي أقصتها السلطة من أيِّ شراكة في إعادة بناء مؤسسات الدولة.

مساعي الاستثمار السياسي القاصر في الحَراك من قِبل الأحزاب العلمانية واليسارية جاءت متأخرة، فاقدة لرؤية عقلانية تتعامل بقدر من البراغماتية مع الواقع على الأرض، ومنها خروج السلطة من عنق الزجاجة، واستعادتها زمام الأمور داخليا وخارجيا، باستعادة الرئاسة لسلطة صناعة القرار بلا شريك، وتواري مؤسَّسة الجيش عن الواجهة، واستفادتها من اعترافٍ دولي غير منقوص، كانت فرنسا آخر من التحق به من باب الاضطرار والحاجة إلى حماية ما بقي لها من مصالح.

كما أن الالتحاق المتأخِّر لجانبٍ من المعارضة الإسلامية “المغرر بها” بخارطة الطريق التي تبنَّاها الرئيس تبون، لن يفيدها كثيرا في انتزاع صفة الشريك، خاصة أن ما صدر عنها حتى الآن من مواقف، لا يشي بحصول تغيير يُذكر في الذهنية وفي السلوك، والتعاطي العقلاني الواجب مع تبعات الحراك الشعبي من جهة، ومع الصلابة والصمود وحسن إدارة الأزمة التي تُحسب لنظام لم يسقط، وقد استعاد عافيته وأمسك بزمام إدارة التغيير بأدواته، وبشروطه وفق خارطة طريق باتت معلومة، تريد أن تجعل من العهدة الأولى للرئيس تبون عهدة انتقالية بجميع المواصفات، تراهن على التعديل الدستوري القادم كفرصة لصناعة مشهد سياسي جديد، هو ما يعوّل عليه كشريك في بناء جمهورية جديدة، لم يساهم الحراك حتى الآن في تحديد معالمها ومضامينها السياسية والاقتصادية والمجتمعية.

سنة كاملة من حَراك شعبي غير مسبوق، لم تسمح للبلد بإنتاج فكر إصلاحي مبتكَر للدولة وللبلد، كان بالضرورة يحتاج من جهة مضمونه السياسي إلى تفكيك مضمون المادة السابعة، بإنتاج صيغة مبتكرة لمبدإ “الشعب مصدر للسلطات” يحرِّره من الخدعة البصرية، ومن السرقة الموصوفة لـ”السلطة التأسيسية” في تدابير المادة الثامنة الملغمة، والتفكير الجاد في بناء سلطة تأسيسية دائمة تلعب دور “حارس البوَّابة” تكون ضابطا لإيقاع وسلوك السلطات التمثيلية والتنفيذية والقضائية، وتكون مدخلا لبناء نظام ديمقراطي أصيل، لا تُسرق فيه إرادة وسلطة الناخب في الساعة الموالية لغلق صناديق الاقتراع.

ومن جهة الإصلاح الاقتصادي ما زلنا، في السلطة كما في المعارضة، ندور في حلقةٍ مفرغة، نستنسخ عن طريق القطع واللصق جُملا مفككة من تجارب الغير، نرفض حتى الآن البحث في بناء توافق وطني على قاطرة مستدامة لاقتصاد البلاد، لن تكون لا بالدخول في منافسة مستحيلة مع الورشة الأسيوية، ولا مع الاقتصاد الرقمي والتقنية العالية في الاقتصاديات الغربية، فيما تملي علينا جغرافية البلد، والتقسيم العالمي للعمل، الذهاب المبكر، ومن دون تردد، نحو بناء اقتصاد وتنمية مستدامة بقاطرتين: صناعة الطاقات البديلة المتجددة والفلاحة، وما يرافقهما من صناعات وخدمات من المنبع إلى المصبّ، نمتلك لها فرص التنافس والتطوير المستدام، كيفما كانت أوضاع وأحوال الاقتصاد العالمي الذي سيظل على الدوام فقيرا إلى الطاقة وإلى الغذاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ياسين

    بالفعل كما ورد في خاتمة المقال، حيث:"تملي علينا جغرافية البلد، والتقسيم العالمي للعمل، الذهاب المبكر، ومن دون تردد، نحو بناء اقتصاد وتنمية مستدامة بقاطرتين: صناعة الطاقات البديلة المتجددة والفلاحة، وما يرافقهما من صناعات وخدمات من المنبع إلى المصبّ، نمتلك لها فرص التنافس والتطوير المستدام، كيفما كانت أوضاع وأحوال الاقتصاد العالمي الذي سيظل على الدوام فقيرا إلى الطاقة وإلى الغذاء."

  • مهاجر

    نسيت ايجابية مهمة للحراك و هي أنها أضهرت أن العبيد لا يزالون على صفتهم مهما حاول الانسان ان يحررهم ....

  • عبدالله FreeThink

    حارس البوابة هو البرلمان القادم إن شاء الله، بصلاحيات موسعة ، فلنعمل ليكن برلمان النزهاء من الشعب بإمتياز إن شاء الله.