-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التصنيفات العالمية للجامعات: ترويجٌ ومغالطة!

التصنيفات العالمية للجامعات: ترويجٌ ومغالطة!

تتعالى أصواتٌ في العالم الغربي أكثر فأكثر موجِّهة النقد والاتهامات للتصنيفات العالمية التي تحظى بها الجامعاتُ عبر العالم. وتنذر بخطر ممارسات المصنفين على مسيرة البحث العلمي ونزاهته ودور الجامعة المتعدد الأشكال.

ومنذ البداية، أثار تصنيف الجامعات العديد من التحفظات والانتقادات. وحتى اليوم، لا تزال العديد من الجهات الفاعلة في الأسرة الجامعية تعارض استخدامها في عديد الجوانب، مثل المقارنة بين الجامعات واعتماد صناع القرار السياسي عليها لوضع السياسات العامة للتعليم العالي. ويمكن القول إن هناك فئتين من الانتقادات: فئة الانتقادات المتعلقة بمنهجية التصنيف وفئة الانتقادات الخاصة باستخدام التصنيف وتأثيرات.
5 مآخذ
يخضع كل تصنيف من هذا القبيل للنقد فيما يتعلق بمنهجيته. نستطيع تلخيص ذلك في 5 نقاط اختلاف، هي:
أولا: يكتفي التصنيف بتقديم ترتيب واحد للجامعات، الواحدة تلو الأخرى، دون مراعاة خصوصيات كل جامعة. مثلا، يتم تجميع الجامعات التي ليس لديها كلية للطب والصيدلة مع تلك التي لديها مثل هذه كلية. والنتيجة هي أن قائمة “أفضل” الجامعات في العالم تهيمن عليها المؤسسات التي لديها كليات للعلوم الطبية وعلوم الطبيعة. ذلك أن الطب والصيدلة والبيولوجيا اختصاصاتٌ تحتل مكانة متميزة في التصنيف سواء من ناحية تمويل البحوث الخاصة والعامّة أو من ناحية عدد المنشورات العلمية.
ثانيا: يتم استخدام استطلاعات الرأي التي تهدف إلى تقييم سمعة المؤسسة الأكاديمية؛ وفي بعض التصنيفات الدولية والوطنية، تؤدي نتائج هذه الاستطلاعات إلى منح عدد كبير من النقاط لهذه المؤسسة أو تلك من دون مقياس دقيق. يلاحظ المتتبعون أن مفهوم “السمعة” له جانب نسبي يعتمد على التصورات القائمة على سمعة المؤسسة أكثر مما يرتكز على أدائها الفعلي. كما أنه يثير عددًا من التساؤلات حول سبل اختيار الأشخاص الذين يجيبون عن أسئلة الاستطلاع المطروح وكذا حول معالجة تلك الأجوبة من قبل المصنِّف.
ثالثا: هناك تحيز ينشأ من لغة التدريس والنشر. هذه اللغة التي تختارها الجامعة للتدريس ويختارها الباحث لنشر أعماله تؤدي دورًا حاسمًا في التصنيف العالمي. ومن ثمّ لا جدال اليوم في أن المؤسسات التي تدرّس باللغة الإنكليزية تجد نفسها مفضَّلة من خلال تدريسها باللغة السائدة دوليا؛ فهي أكثر تأهيلا بأن يطلع عليها وعلى أعمال باحثيها وهيئة تدريسها أصحابُ المصالح في المجتمع العلمي، وهذا ما يؤثر عموما بشكل إيجابي على سمعة المؤسسة.
رابعا: هناك تساؤل حول مصداقية البيانات الإحصائية التي تدلي بها مختلف الجامعات. ذلك أن هناك معايير متنوعة تختلف من جامعة إلى أخرى في تحديد النسب المئوية لبعض المعطيات وإغفال أخرى بما يرفع من سمعة الجامعة ويخفي نقائصها. ومن المعلوم أن التصنيفات العالمية تبْني ترتيبها لمؤسسات التعليم العالي على هذه الإحصاءات. ذلك ما يثير تساؤلات حول استخدام هذه الإحصاءات من قبل المصنفين دون مراعاة خصوصيات كل منها. مثال ذلك: هيئة التدريس في المؤسسة، هل نحصي فيها جميع المدرِّسين أو الدائمين فقط؟ أو ذوي الرتب العالية دون سواهم؟… وهذا العدد يدخل في الحسبان لمعرفة تغطية الجامعة بالأساتذة لمجموع الطلبة… وأمثلة الاختلاف من هذا القبيل كثيرة وهي تؤثر على ترتيب الجامعات القائم إلى حد كبير على المعلومات التي توفرها الجامعة نفسها. وتضاف إلى ذلك تعقيداتٌ ناجمة عن إحصاء البحوث المنشورة من قبل هيئة التحرير. على سبيل المثال، إن كان هناك حائزٌ على جائزة نوبل أو جائزة مماثلة قد انتمى إلى مؤسستين فلكل مؤسسة النصف من نقاط التصنيف. ويحدث في عديد الحالات أن هذا الفائز يعمل في آن واحد في جامعة وفي مؤسسة بحثية لا تخضع للتصنيف فيذهب نصف النقاط هباءً.
خامسا: يتعلق النقد هنا بميزانيات التشغيل للمؤسسات التي تعكس السياسات العامَّة للدول أكثر مما تعكس قدرة الجامعة على تحسين أدائها وإمكاناتها. أليس من الأجدى تقييم “مخرجات” الجامعات انطلاقا من “مدخلاتها”؟ أليس من المهم قياس “القيمة المضافة” التي تقدمها المؤسسة للحياة الأكاديمية لطلبتها، مثل تقييم مستوى الطلبة العلمي عند دخولهم إلى المؤسسة ومستواهم عند تخرجهم وذلك مقارنة بالجامعات الأخرى، وهذا ما لا تلتفت إليه تصنيفات الجامعات؟

سوء استخدام التصنيف
تخضع التصنيفات للنقد أيضًا في موضوع استخدامها وتأثيرها. يرى العديد من الفاعلين في العالم الغربي وحتى في بعض بلدان العالم الثالث الماضية في التركيز على استغلال هذه التصنيفات، أن التصنيف له تأثير غير موفق على تطوير المؤسسات والأنظمة الجامعية، وهذا يعود إلى ما يوليه الفاعلون وأصحاب القرار من أهمية لهذا التصنيف عند نشر نتائجه. في حين أن مَهمّة الجامعة بالغة التعقيد وتبرز بوجه خاص في ثلاثة مجالات هي: التدريس (نقل المعرفة) والبحث (ابتكار المعرفة) وخدمة المجتمع (تنوير الرأي العامّ). وفي هذا السياق نجد لكل مؤسسة جامعية خصوصيات وقيما وتاريخا وأولويات تطوير معينة. ومع ذلك فالتصنيف يضع الجميع في سلة واحدة، ويحاول تلخيص أداء الجامعة بترتيبها بوضعها في خانة تحمل رقما معينا لا أكثر. ومن ثم تصبح التصنيفات غامضة المضمون والأبعاد لأن ذلك الرقم الترتيبي لا يوفر المعلومات الضرورية للقارئ والمتتبِّع.
وبصفة عامة، تميل هذه التصنيفات بشكل حصري إلى الاهتمام بإسهام هيئة التدريس في البحث العلمي وبسمعة الجامعة، وهذا من شأنه أن يركز كثيرا على الكمّ (عدد المنشورات والاستشهادات بكل ما فيها من تلاعبات) وقليلا على الكيف. ويهمل بشكل واضح ما يتعلق بالتدريس وخدمة المجتمع.

هناك تحيز ينشأ من لغة التدريس والنشر. هذه اللغة التي تختارها الجامعة للتدريس ويختارها الباحث لنشر أعماله تؤدي دورًا حاسمًا في التصنيف العالمي. ومن ثمّ لا جدال اليوم في أن المؤسسات التي تدرّس باللغة الإنكليزية تجد نفسها مفضَّلة من خلال تدريسها باللغة السائدة دوليا؛ فهي أكثر تأهيلا بأن يطلع عليها وعلى أعمال باحثيها وهيئة تدريسها أصحابُ المصالح في المجتمع العلمي، وهذا ما يؤثر عموما بشكل إيجابي على سمعة المؤسسة.

كما أنَّ هناك نقدًا موجَّها للتأثير الذي يمكن أن تُحدثه التصنيفات على الاختيارات المؤسسية، إذ يخشى البعض من توجُّه الحكومات وإدارات المؤسسات الذي يدفع إلى إعطاء الأولوية للاستثمارات الرامية إلى تحسين ترتيب المؤسسة بناء على مكاييل القائمين على التصنيفات. لذلك يشعر عديد المنتسبين للجامعات بالقلق إزاء تفاقم عملية المنافسة العقيمة بين المؤسسات إذ يحاول الجميع الظهور بشكل أفضل في التصنيف العالمي. وللأسف فهناك المزيد والمزيد من الجامعات تقوم بترتيب أولوياتها حسب معايير تقييم التصنيفات العالمية، وهذا على حساب التنوع والتكامل بين الجامعات.
وبخصوص الاعتماد على عدد المنشورات البحثية في هذه التصنيفات، يلخّص الموضوع الفيزيائي والمؤرخ وعالم الاجتماع الكندي إيف جينغراس Yves Gingras في العبارات التالية: “قبل كل شيء، من الضروري تثقيف وإقناع رجال العلم أنفسهم بمخاطر إساءة استخدام التحليل الإحصائي للمنشورات البحثية. وبدلًا من السماح للهواة بأن يتحوَّلوا إلى مقيِّمين للأبحاث بحجَّة أن لهم باعا طويلا في النشر العلمي، فمن الأفضل أن نترك تقييم الأبحاث للأشخاص الذين يكرِّسون لها ما يكفي من الوقت حتى يتمكّنوا من التمييز بين المقاييس الزائفة والمؤشرات القوية”.
ومن المخاطر التي يراها هؤلاء المتتبعون نجد في رأس قائمتها استخدام البيانات والمعلومات التي تقدمها التصنيفات العالمية للجامعات في مجال التخطيط الاستراتيجي للمؤسسات، وتطوير برامج التدريس فيها، ووحدات البحث والترقية المهنية للأساتذة. ذلك أن تلك البيانات تفتقد إلى المصداقية على الرغم من أنَّه يتم تقديمها على أنها أدواتٌ مناسبة لتقييم جودة وأداء الجامعات. لكن شتان بين القول والأداء… فهي تصنيفات مُصمَّمة قبل هذا وذاك لتكون أدوات ترويج يغلب عليه الجانب المادي والسياسي من دون مراعاة خدمة العلم والعلماء والحياة الجامعية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!