-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر سنة 2030

الشروق أونلاين
  • 1620
  • 0
الجزائر سنة 2030

لم أصح صيحة أكثر من صيحة هذا الدخول الاجتماعي، لما فيه من قنابل موقوتة اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية وعلمية ورياضية.

 فالدينار الذي زاد “تكركبا”، والدولار الذي زاد تبركا، والنفط الذي زاد حطة، والفساد الذي زاد فكة، والشعب الذي ضاق ذرعا، والخزينة التي زادت فراغا، والمرض اذ1ي زاد حدة، والاقتصاد الذي زاد تعاسة، والعمل السياسي الذي تضاعف ضعفا وبؤسا، كل هذه العوامل جعلتني أتخوف على مستقبل البلاد.  تضاف إلى ذلك التربصات المنكرة ضد أمن الدولة على الحدود وفي داخلها، ونمو وعودة بروز تنظيمات مسلحة، كل هذا من شأنه أن يضعف كاهل الدولة التي قد تجد نفسها لوحدها من خلال الجيش والشرطة تكافح التطرف وسوء التصرف لرجال السياسة والتسيير في بلادنا.

صيحة، ضد الفساد المستشري في أوصال الدولة والنظام والشعب، وصيحة ضد الخطر الذي يداهم البلاد شرقا وغربا وجنوبا وشمالا! إننا بالفعل نعيش على حديد ساخن، لأننا لم نعرف كيف نستثمر في الإنسان، واستثمرنا في النفط. فوجد اللاعبون المجال واسعا أمام النهب والسلب، لأنهم يعرفون أن المشاركة في العمل السياسية والنظامي أو ضده، أمر عارض! فلا النظام سيعمر طول العمر ولا النفط سيبقى دوما، ولا سوء التسيير سيستمر إلى يوم الدين. الكل يعلم هذا، ولهذا، كان الحراك السريع نحو تراكم الثورة بكل الطرق السيارة والطيارة!

النظام من جهته، لم يكن في يديه وسيلة أخرى لشراء السلم الاجتماعي والسياسية والأمني من رجال الأعمال الشباب البطال والسياسيين الثرثارين المعارضين فقط لاستعراض، والقوى الأمنية في الجيش والإدارة المتجذرة في النفوذ، سوى رش الناس بمال النفط كيفما اتفق! ملايير ذهبت لشراء محبة فلان ولولاء علان، عن طريق البنوك والقروض وتشكيل شركات وهمية أحيانا وشركات الاستيراد التي أفرغت خزائن المال العام. نحج النظام في كسب ولاءات كثيرة في كل الهيئات، وربح السلم الاجتماعي المؤقت، وها هو المؤقت قد انتهى مفعول “المورفين” فيه، فور انهار سعر النفط وانهيار بالتالي الدينار أمام الدولار، العملة التي نتعامل بها دوليا، فارتفعت الأسعار واشتعلت النار. ولسنا ندري ماذا سيكون الحال بعد 15 سنة، أي قبيل 2030، التاريخ الذي أفترض أن يكون نهاية مطاف للنظام وللشعب المسلوب الإرادة الغارق في العيش على فتاة خبز النظام تحت موائد الكبار.

نمت على هذا التخوف من مستقبل غامض ومروع، لأجد نفسي أعيش كابوسا أكبر من “الكلاش”!

وجدت نفسي سنة 2030!

ماذا حدث قبل هذا التاريخ؟ حدثت أمور كثيرة كانت متوقعة! انهيار سعر النفط، أدى تلقائيا إلى ارتفاع أسعار المواد كلها، بما في ذلك الخضر والمنتجات المحلية القليلة. لأننا وجدنا أنفسنا مرتبطين عضويا بالتجارة الخارجية ولم نطور صادراتنا من غير النفط الذي بعناه تحت الأرض لجيل قادم ورهنا مستقبل البلاد لكي تعيش طبقة صغيرة في النعيم. الشعب لم يتحمل، رغم الزيادات في الأجور من حين لأخر! لكن ذلك لم يكن كافيا، فارتفاع الأسعار كان يقابل تدني في الأجور، مما جعل الشعب يشعر بالقميص يرتفع وبالسروال ينخفض! لم يقبل بهذا الوضع الفاضح! فلا نقابة الحكومة تمكنت من إسكاتهم ووخزهم بإبر جديدة منها كما ظلت تفعل طيلة 20 سنة، ولا الخطاب السياسي ولا الديني الرسمي أفلحا في إسكات الاحتجاجات التي بدأت من الجنوب وانتشرت شمالا وشرقا وغربا ووسطا! فما كان على السلطة إلا أن أسقطت الحكومة وأعلنت عن انتخابات تشريعية ورئاسية مسبقة ومتزامنة! الشعب والمعارضة السياسية التي بدأت أخيرا تجد متنفسا لها بعد الخنق الطويل الأمد، لم توافق على الأجراء وطالبت بتنحي النظام برمته عن السلطة وتشكيل مجلس تأسيسي جديد، كما حدث بعد الاستقلال، وإعادة النظر في الدستور وكل القوانين ومحاسبة كل المتسببين في الأزمة وفي سوء التسيير من مفسدين وظلام ومستبدين بالرأي ومحتكرين للخطاب والمال والدين. السلطة لم ترض بذلك بطبيعة الحال، فقامت القيامة: مظاهرات واعتصامات وتهديدات بالعصيان الوطني المدني وغير المدني إن استشرى التعفن إلى درجة البتر. وهذا كان يعني إعلان حالة حرب أهلية إن لم تتوقف السلطة عن جر البلاد نحو التفكك والتدخل الأجنبي. الجيش، يقف هذه المرة إلى جانب المطالب العامة ويتدخل ليحسم الأمر ويقيل كل من الشعب والجيش النظام برمته وتقام حكومة مؤقتة للإنقاذ الجمهوري.

حدث هذا مع نهاية 2028، بعد أن بدأت التصدعات في صفوف السلطة مع تزايد الاحتجاجات السلمية التي بدأت منذ 2018.

واليوم، الجيش لا يزال يمسك بزمام الأمور الأمنية رغم وجود حكومة مدنية مكونة من كل الأطياف، لكن وزير الدفاع لأول مرة صار مدنيا، مع خبرة عسكرية. ولأول مرة تفصل وزارة الدفاع عن الرئيس الأعلى للقوات المسلحة الذي هو رئيس الجمهورية. فهذا الربط لم يقم به أحد سوى الاتحاد السوفيتي عندما استغل بومدين هذا الفصل فقام بانقلاب ضد بن بلة، ومن ثم قرر بومدين ألا يفصل وزارة الدفاع عن رئيس الدولة ليكون هو الخصم والحكم، وتفاديا لكل انقلاب. الدستور قد تم تغييره وصار النظام الدستوري برلمانيا لا رئاسيا، والرئيس لا يعمر أكثر من 8 سنوات في عهدتين. وقعت تغيرات جذرية على نظام الحكم: الإسلاميون سيطروا بشكل متوازي تقريبا مع بقية الأطياف، مما سمح بإقامة حكومة ائتلافية تمنع من التفرد بالحكم، على الأقل في المرحلة المقبلة التي لا تقل عن 40 سنة! وهذا تفاديا لانزلاق نحو أي شكل من الأشكال الدكتاتورية والهيمنة الدينية أو العلمانية. لم يحدث وأن منع أنصار النظام السابق من الترشح أو العمل السياسي، فقد بقيت أحزاب الموالاة تشتغل لكن على قاعدة جديدة، لم تنل من الانتخابات سوى 15 في المائة مجتمعة. الانتخابات صارت أكثر شفافية وأقل سوء من ذي قبل وعادت اللحمة بين الشعب والثقة بينه وبين حكامه لأول مرة من الاستقلال.

عندما أفقت، لم أثق في أحد، حتى مما كانوا حولي: فرحت أفتش في جيوبي لعلهم يكونون قد سرقوا من جيوبي الصرف الذي بقي من المصروف!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!