الرأي

الحقُّ في الغش والتهريب والإجرام!

حسين لقرع
  • 2139
  • 7

منذ أيام قليلة، قام سكانُ قريةٍ حدودية غربية بالتظاهر وقطع الطريق احتجاجاً على منع السلطات لهم من ممارسة ما أسموه “حقهم” في تهريب الوقود إلى المغرب، وفي الفترة نفسها أقدم تلميذٌ في متوسطة بشرق البلاد على ضرب أستاذة إنجليزية احتجاجاً على حرمانها له مما أسماه”حقه” في الغش.

هذه الممارسات الخطيرة تذكّرنا بما وقع في بكالوريا 2013، من اعتداءات واسعة من الممتحَنين على الأساتذة والحراس، داخل الثانويات وخارجها، لأنهم منعوهم من ممارسة الغش جماعيا، والذي رأوه”حقا” لهم. أما في بكالوريا 2014 فقد قام أحدُ الممتحَنين بصب البنزين على نفسه والتهديد بالانتحار احتجاجاً على منعه من “حقه” في الغش، وطعن ممتحَنٌ آخر أستاذة بسكّين في ظهرها للسبب ذاته.

كما تذكِّرنا هذه الممارسات بإقدام سكان بعض الأحياء في العاصمة منذ أكثر من سنة على مواجهة الشرطة بالحجارة والأسلحة البيضاء، حينما حاصرت منازلَ بأحيائهم قصد القبض على متّهمين بتجارة المخدرات، ما مكّنهم من الفرار من قبضة الشرطة. وربما رأى هؤلاء السكانُ أيضاً أن المتهمين لم يخطئوا، بل قاموا فقط بممارسة “حقهم” في المتاجرة بالسموم.

سلمّ القيم تغيّر في هذا المجتمع بشكل أصبح يثير القلق على مستقبل أبنائنا، وإلا كيف يتحوّل الغش والتهريبُ وبيع السموم والإجرام من مناكر وآفات ينبغي أن يساهم المجتمعُ في محاربتها إلى”فضائل” لا تُمارس جهاراً نهاراً فحسب، بل وتجد أيضاً بين المواطنين من يعتبرها “حقوقاً” مشروعة ويناوئُ السلطاتِ دفاعاً عنها؟

الرشوة أصبحت مجرّد “قهوة” أو”حق” المسؤول الذي يمكّن المواطنَ من حقوقه، والرذائلُ والمعاصي أضحت “قفازة” لا يخجل صاحبُها من التبجّح بها أمام الناس دون حياء وكأنه إنجازٌ يفخر به، وسرقة المال العام والتزوير والاختلاسات أصبحت “شطارة” وعلامة “ذكاء وفطنة”، في حين يُنظر إلى التعفف والتورّع عن المال الحرام على أنه بلاهة و”جياحة” تجلب لصاحبها الاحتقار والسخرية..

والغريب أن المحتالين واللصوص أصبحوا يستعملون الدينَ بشكل فجّ لتبرير جرائم الاحتيال والاستيلاء على المال العامّ، فهذا”يجيز” نهب بنك أو مركز بريدي بدعوى أنّ “سرقة أملاك الدولة حلال” وآخر يزعم أن ما ينهبه من مؤسسات الدولة المختلفة “جائز” لأنه يمثل “حقه في البترول” ولا يُعتبر سرقة. ومنذ يومين فقط أقدم مواطنٌ بوهران على الاستئثار بمخمرة والده المتوفى وحرمان والدته الفرنسية من الإرث، و”أفتى” بأنه “لا يجوز لها شرعاً” أن ترث شيئاً لأنها مسيحية وليست مسلمة، وكأن أموال المخمرة جائزة شرعاً، والمشكلة فقط تكمن في ديانة الأم.

حتى بعض طلبة الشريعة لا يتورّعون عن إصدار”فتوى” بـ”جواز” الغش في اللغات الأجنبية بذريعة أنها “لغات الكفار”، في حين ضبط حراس البكالوريا منذ أيام الكثير من المتحجبات وهن يغششن بتقنية البلوتوث المخفية تحت الخمار وفي مادة الشريعة الإسلامية، أليس هذا مدعاة للعجب وصيام رمضان في رجب؟

باختصار، قيمُ المجتمع تتدهور بسرعة، وأخلاقُ أبنائه تسوء باستمرار، ولا ندري ما الذي تخفيه الأيام مع الأجيال الصاعدة التي تفتَّحت عيناها على سلوكات وآفات كانت قبل عقود قليلة مناكر مُخجلة وأصبحت الآن تُمارَس جهاراً وتُعتبر”حقوقاً” مشروعة، وتحظى ببعض الدعم الشعبي. ولعل القادمَ أخطرُ وأجلّ.

مقالات ذات صلة