-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (23): تحدي القرآن الكريم للمشركين

خير الدين هني
  • 362
  • 0
الحلقة (23): تحدي القرآن الكريم للمشركين

صورة الإعجاز اللفظي في القرآن الكريم ودليله، حين كثر لغط قريش حول حقيقة القرآن وصلته بالسماء، أن تحداهم في سورة هود المكية، وهم أرباب اللغة والبيان والفصاحة والشعر والخطابة والحكمة، على أن يأتوا بعشر سور مفتريات مثل القرآن، إن كانوا يرتابون في نزوله من عند الله، ويعتبرون تأليفه من عند النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ليطلب به الجاه والسلطان والمال كما كانوا يزعمون، والحال أن النبي محمدا غير متميّز عنهم في الفصاحة والبلاغة واللّسَن.

ورد في تفسير الطبري، لقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين﴾: فإذا كان قد افتراه، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته، فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وأنّ ما جاء به من عندي عَجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم، عن أن تَأتوا بسورةٍ من مثله. وكيف تعجزون عن ذلك، وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذَّرابة”.

وكانوا في بداية الأمر قد اشتبه عليهم تأليف القرآن، فخُيل إليهم أنه على منوال ما اعتادوه من كلام البشر المسجوع، معتقدين أن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- احترف مهنة الكهانة وأتى بالسجعات ليغالط الناس بكلامه المسجوع، ولكن القرآن الكريم كان يفضحهم ويفحمهم بالدليل والبرهان، ويبطل دعاويهم وافتراءاتهم.

ومن يتأمل السجع في القرآن الكريم بما يحس به من تذوق لغة العرب، يلفاه على منوال متفرد في التأليف، والتركيب والتنميق والتنضيد والإيقاع، أعجز البلغاء، وأفحم الفصحاء، وحيّر الحكماء، وأربك الفهماء، وبزّ الخصماء، وأعيى المعاندين وأخزى المكابرين، وأخرس المشاكسين، ودوّخ المناوئين، وغلب المنافقين، وسما على كلام البشر، بطلاوة كلامه وجزالة لفظه، ومتانة صياغته، وبلاغة حبكه وسبكه وتركيبه، ووضوح معانيه، وحسن سمته وعميق تصويره، وجودة نظمه ونسقه، وبقي على هذا التميز والتفرد عبر العصور، تقرأه الأجيال، وتتدارسه الأمم، ويتباهى به المؤمنون المخلصون الصادقون في إيمانهم، والبارون في طاعتهم واسترضائهم لخالقهم وموجدهم ومصورهم.

فلما أخذ سحر القرآن وروعة بلاغته عقول قريش، وتحيروا في سمو كلامه وعميق بلاغته وفصاحته، خرج أبو سفيان بن حرب، وأبو جهل بن هشام، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، حليف بني زهرة ، في إحدى الليالي ليستمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي من الليل في بيته وكان يقرأ جهرا لعلمه بتصنّت المشركين لقراءته، لأنهم كانوا يتمنّعون ويمنعون غيرهم من الاستماع إلى القرآن خوفا من أن يتأثروا بجماله وعذوبته ورونقه، فجعل كل رجل يأتي إلى رسول الله من مكان لا يعلمه غيره، باتوا على ذلك حتى أدركهم طلوع الفجر، فتفرقوا، “فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض‏‏:‏‏ لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا‏‏”، وفي الليلة الثانية والثالثة عاد كل رجل منهم إلى مكانه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا “، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض‏‏:‏‏ لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود‏‏:‏‏ فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!