الزواج الذي أصبح ”متعة” فقط
الأرقام المخيفة التي من المفروض ألا تبقى ملازمة لمناسبات يوم الطفولة وعيد الأم، حتى لا يجرفها اليوم والشهر الموالي حول ارتفاع معدلات الطلاق والأمهات العازبات، وقضايا إثبات النسب وانتشار زواج المسيار وزواج المتعة و”الكونكيبيناج”، من المفروض أن يكون لها جلسات حوار حقيقية، بعيدا عن جلسات السيد عبد القادر بن صالح، ويشارك فيها كل المجتمع، وليس الذين اختارهم السيد بن صالح، وأمام الملأ وليس في “ظلام” السيد بن الصالح، لأن المآسي التي نعيشها من الإرهاب إلى “الحقرة” إلى الانتحارات والعنف.. إنما أبطالها من الذين تزلزلت حياتهم الاجتماعية، إما بفعل الطلاق أو معدومي النسب أو بسبب سوء التربية.. وفي الطب نقول دائما: إن تشخيص الداء هو ثلاثة أرباع العلاج. وأحيانا العلاج كله، ونقول أيضا: إن الوقاية خير من العلاج. في الوقت الذي نصرّ على مجالسة المحنّطين ومداواة أنفسنا بمن كانوا همّ الداء.
- أربعون ألف حالة طلاق و11 مليون عانس وأربعة آلاف قضية إثبات نسب سنويا في محاكمنا، هي أرقام صرنا نخشى أن تنافس أرقام السكن والتشغيل المليونية، التي ترفعها الدولة للقضاء على الأزمات، بينما الطوفان الاجتماعي يُجرف ما بقي من أخلاق ومن قيم، لنخرج من أزمة السكن والبطالة إلى الأزمات التي تفقدنا شهية السكن وشهية العمل، خاصة أن ما خفي من مآسي المجتمع الأخلاقية أكبر وأخطر، لأن العُرف يقول في الجزائر إن المجتمع يكتم فضائحه الاجتماعية، فيقبل الفراق دون الطلاق الإداري في المحاكم، ويقبل بتبني من هو مقتنع بأنه ليس من صلبه.
الطفل الذي احتفل العالم، نهار أمس، بيومه العالمي، هو نتاج علاقة جسدية وروحية بين بالغين، ونتاج حياة اجتماعية كاملة ومسار دولة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال بأن الطفل يولد على الفطرة، وإنما أبواه من يهودانه أو ينصرانه، فإن الطفل حتما وُلد على الفطرة النظيفة، وإنما المحيطون به من يصنعون منه حراڤا ومنتحرا وإرهايبا. لأجل ذلك يبدو الاهتمام بالبالغين أهم من الاهتمام بالطفل نفسه، والمثل العربي يقول: ابنة أبيها. والمثل الإفرنجي يقول: مَثل الأب مَثل الابن.
ما يعاب على الدولة عندنا، وعلى الشعب أيضا، أننا لا نفكر إلا في مشاكل الكبار، لأنهم يمتلكون القدرة والقوة، فيقطعون الطرقات ويحتجون ويخربون، والدولة التي رصدت الملايير وفتحت جلسات الحوار، إنما همّها الأول إطفاء فتيل النار الاجتماعية الملتهبة في المدن والقرى، والشعب الذي يطالب بما هو مقتنع بأنه من صميم حقوقه، نسي فلذات كبده وخليفته بعد عمر طويل في الهموم أو قصير بالهموم، لقد كان ويجب أن يعود الزواج مقدسا حتى يبقى المجتمع مقدسا، والأرقام التي أحصتها وزارة العدل، تؤكد أننا حولناه إلى مسيار ومتعة وكوكيبيناج للأسف، ولكن من دون مسميات؟