الشروق تنفرد بحوار منتظر الزيدي عراقيون يعرقلون مقاضاتي بوش وقناة البغدادية قالت لي لا طاقة لنا بجالوت
“لي نداء أُريد توجيهه عبر جريدتكم، التي جمعني بها أول لقاء صحفي أُدلي به لجريدة شقيقة من الجزائر، إلى كلّ الجزائريين الذين هم في المهجر، من أجل حثّهم على المحافظة على لغتهم العربية، وألاّ ينسوها، لأنّني للأسف، قابلت إخوة جزائريين، لا يُتقنون العربية في المهجر “.
-
أتمنى أن أزور الجزائر في القريب، لتعريف الإخوة في الجزائر بما يُعانيه الشعب العراقي
-
لا شك أنّ الرئيس الراحل جورج بوش الابن، لن ينسى أبدا ما حدث له في العراق أياما فقط قبل مغادرته البيت الأبيض، بعد عهدة حافلة بالظلم والعدوان على الآمنين. ولا شك أنّ حادثة قذفه بالحذاء، التي كانت بمثابة حفل وداع يليق بمقام رئيس بقامة جورج بوش، ستظل محفورة بذاكرته، وسيحملها معه إلى القبر لأهميتها الرمزية التي تُدين فترة حكمه الغارقة في الدماء والمظالم. ولأنّ الحادثة لم يكن يتوقّعها الرجل الأول في البيت الأبيض، لم يجد أمامه سوى التعليق بلهجة ساخرة على ما حدث له، عندما قال في إجابته على بعض الصحفيين الذين طلبوا منه تعليقا على الحادثة إنّ “قياس الحذاء الذي تعرّضت له هو 10، وهذا لا يؤثر عليّ شخصيا، ومن قام بهذا العمل يريد أن يجذب الانتباه إليه”، وأردف قائلا “يحدث هذا في الاجتماعات العامة”. لكن بعض المحلّلين أكّدوا عقب حادثة قذف بوش بالحذاء، بأنّ رشق الرئيس الأمريكي الراحل بفردتي حذاء منتظر الزيدي، يزيد في أهميته الرمزية على ضرب تمثال الرئيس العراقي صدام حسين بالنعال بعد هروب صدام حسين، وإسقاط التمثال من قاعدته في وسط بغداد بعد سقوط العاصمة العراقية عام 2003 . ولأنّ الحكومة الأمريكية التي قامت بغزو العراق بدعوى تحريره من “طغيان حكم صدام حسين”، مثلما ردّدت وما تزال، لم تكن أكثر عدلا، ولم تنشر السلام الذي مثّل الجنة الموعودة التي بشّرت بها العراقيين، بل نكّلت بشعبه، وشرّدت الملايين منهم في مختلف قارات العالم، ناهيك عن ملايين العراقيين الذين قضوا في حرب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ولأنّ ذلك كلّه حصل، أصبح من المعروف لدى القاصي والداني، أنّ الحرب المعلنة على العراق أمريكية الأسباب بدايةً، وأمريكية الأهداف نهايةً. وهذه الحقائق صارت معروفة لدى الجميع، ولن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية ومن ساروا في ركبها، مهما فعلوا، إيهام الناس بعكسها مهما حاولوا إعطاءها صبغة أخرى .
-
في الرابع عشر من شهر ديسمبر2008، أي قبل عامين، وُلد بطل قومي عراقي لم يُطلق رصاصة واحدة في وجه محتل بلاده، وإنّما أطلق فردتي حذاء كالصاروخ، فكادت الفردتان أن ترسُما علامة على خد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الراحل جورج دابليو بوش. ولم تمر الحادثة التي كان بطلها الصحفي العراقي منتظر الزيدي دون تعليق، بل شغلت كافة وسائل الإعلام الدولية لأسابيع متّصلة ولا تزال.
-
ومنتظر الزيدي الذي فضّل توديع جورج بوش بالحذاء على أبواب نهاية عهدته الرئاسية بالطريقة التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، هو مراسل قناة البغدادية الذي لم يعد بعد الحادثة صحفيا عراقيا وحسب، وإنما تحوّل إلى بطل حقيقي في نظر كلّ القوى التي تكره الظلم والعدوان .
-
في هذا الحوار الذي خصّ به منتظر الزيدي الشروق اليومي كأول صحيفة جزائرية يُفردها بحديث صحفي بعد الحادثة الشهيرة، الكثير من التفاصيل حول ظروف حياته التي يقضيها في العاصمة اللبنانية بيروت، والتي يبدو وأنّها أصبحت تُمثّل بالنسبة له ما يُشبه المنفى الإرادي.
-
-
أنا فخور بالجزائر والجزائريين
-
عندما عرف الزيدي بأنّنا من جريدة “الشروق” الجزائرية، أبى إلاّ أن يوجّه تحياته الحارة إلى كلّ الجزائريين بقوله “أنا فخور بالجزائر والجزائريين من صحفيين ونقابيين ومن مختلف الفئات والاهتمامات، على وقفتهم معي ومع العراق وقفة شجاعة”. ولم يكتف منتظر بهذه الانطباعات عن الجزائر، بل استرسل في الحديث عن مشاعره التي يُكنّها للجزائر دولة وشعبا “أُوجّه تحية للشعب الجزائري المناضل البطل الذي تعلّمنا منه الثورة ضد الظالمين والمحتلين، والجزائر معروفة على مدى الزمان، بأنّها العمق النضالي لكلّ المظلومين، وهي في الوقت ذاته نبراس المناضلين من كلّ أصقاع العالم، والعراقيين تحديدا”. وخصّ منتظر الزيدي الذي كان يتحدث إلى الشروق عبر الهاتف، المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد بأحرّ التحيات “أنقل تحياتي عبر جريدتكم إلى المناضلة الجزائرية الكبيرة جميلة بوحيرد، التي أقف أمامها وقفة تحية وإكبار”. ولأنّ الفرصة قد لا تتاح مرتين للحديث إلى رمز مثل منتظر الزيدي، فإنّ الشروق انتهزت فرصة الحوار الذي خصّها به، لتسأله كيف يعيش في لبنان فأجاب “أُقيم مؤقتا في العاصمة اللبنانية بيروت على نفقتي الخاصة”.
-
لكن من المؤكد أنّ الكثير من الجزائريين يتساءلون عن العبارة التي قالها الزيدي، وهو يُوجّه فردتي الحذاء لوجه الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش، هل هي الكلمات نفسها التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية يوم الحادثة، فرصة الحديث التي منحها لنا الزيدي، جعلتنا في حُرقة لطلب إعادة سماع العبارة مثلما قالها من غير نقصان أو تحريف، فأكد للشروق أنّ الجملة التي قالها حرفيا، وهو يُسدّد فردتي الحذاء لوجه جورج بوش “هذه قُبلة الوداع أيُها الكلب منّي ومن العراقيين والأرامل والأيتام”.
-
-
اخترتُ سويسرا لمحاكمة بلير وبوش
-
بعدما أُطلق سراح منتظر الزيدي، عقب تسعة أشهر قضاها في السجن، لم يتخلّ هذا الأخير عن الدفاع عن قضايا العراق والعراقيين التي نذر نفسه لها، وقام بتاريخ 19 أكتوبر 2009 بتأسيس “مؤسسة الزيدي لرعاية ضحايا الاحتلال الأمريكي في العراق”، وهي مؤسسة ذات طابع إنساني وخيري، فإلى أين وصلت مسيرتها، وهل تُقدّم شيئا للعراقيين ميدانيا، يُجيب منتظر على هذا السؤال “مؤسسة الزيدي هي الآن شبه معطّلة في جانبها الإنساني لعدم وجود التمويل الكافي، أما في جانبها الإعلامي والقانوني، فهي تنشط بشكل مستمر ودائم، حيث تنظم المؤسسة الندوات والمؤتمرات في العالم العربي، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية لتطلع العالم أجمع على الجرائم التي اقتُرفت في حق العراق والعراقيين، والتي تعتّم عليها الإعلام الغربي بشكل كبير. وأنا أحاول من خلال مؤسسة الزيدي حمل قضايا شعبي إلى كلّ العالم”. لكن ماذا عن الجانب القانوني لمؤسسة الزيدي، هنا يُجيب منتظر كاشفا للشروق عن جديد مؤسسته “أحاول في الشقّ القانوني لعمل مؤسسة الزيدي، رفع دعاوى قضائية ضد كلّ من ارتكب جرائم ضد شعبي، وعلى رأسهم المجرمان الراحلان الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وأنا في مرحلة التحضير لذلك من خلال جمع تواقيع من عراقيين عُذّبوا وأُهينوا وشُرّدوا، وكذا جمع شهادات وصور لمعاناة هؤلاء. وقد اخترتُ سويسرا لتكون البلد الذي يحتضن هذه المحاكمة”. لكن ما هي الأهداف التي يتوخّاها منتظر من وراء هذه المحاكمة، التي إن كُتب لها التجسيد ميدانيا، ستكون تاريخية من دون شك، يجيب الزيدي عن هذا التساؤل بالقول “أُريد أن أوصل للعالم أجمع من خلال هذه المحاكمة، أنّه ما ضاع حق وراءه طالب”. ولم يُخف الزيدي أثناء حديثه للشروق عن هذه المبادرة، أنّ الإعلان عنها سيكون في الوقت المناسب “هذا مشروع ضخم، وسأعلن عنه حين يكون لديّ الدعم الكافي لجمع التواقيع التي حدّثتك عنها”. من جهة أخرى لم يُخف الزيدي أنّ هناك أيادي عراقية لا تُريد لهذه المحاكمة أن تتمّ “هناك أيادي عراقية لبست لباس العار، وأصحابها يحاولون وضع العصي في عجلات هذا المشروع، من خلال نشر الدعايات المُغرضة ضدّي، لكن ليعلم هؤلاء أنّه لا يصح إلاّ الصحيح، وسيأتي اليوم الذي يُعاقبون فيه عن جرائمهم “.
-
الزواج من جزائرية شرف كبير لي
-
ويبدو أنّ الزيدي لم يتسلّل إليه اليأس، رغم شُح المعونات والتبرعات لمؤسسته، وهو يُعلّق الآمال على الكتاب الذي سيصدره، ويتناول فيه تفاصيل فترة اعتقاله وسجنه لتمويل مشاريع مؤسسته، وبهذا الخصوص كشف للشروق”الكتاب سيصدر عن دار النشر للمطبوعات، وهي دار نشر لبنانية، وإن شاء الله، سيصدر الكتاب في ذكرى ضرب بوش بالحذاء بتاريخ 14 من ديسمبر المقبل، وسأُخصّص جزءا كبيرا من ريع هذا الكتاب لمشاريع الأيتام والأرامل في العراق”.
-
في أوج الأزمة التي رافقت اعتقال منتظر الزيدي، خصّصت قناة “البغدادية” العراقية، التي كان من المنتظر أن يشتغل مراسلا لصالحها، حملة كبيرة من أجل إطلاق سراحه، ولم تتردّد “البغدادية” – طبعا – في الاستثمار في الحادثة لتحقيق الانتشار، وهذا ما يطرح تساؤلا حملناه إلى منتظر بشأن علاقته بهذه القناة، التي لم يعُد يظهر عليها لا كمراسل، ولا في أية صورة أخرى، فيكشف منتظر عن الآتي “في البداية اقترح عليّ مسؤولو قناة البغدادية منحي منزلا ومكتبا في إحدى الدول التي أرغب في الاستقرار بها، ثم فجأة قالوا لي إنّهم لا يستطيعون أن يُعادوا أمريكا، وأنّهم يخشون مواجهتها”. ويستطرد الزيدي “..ثم قالوا لي لا حاجة بنا إليك طالما أنشأت مؤسسة لمقاضاة مجرمي الحرب”. وهنا يُضيف منتظر بأسف شديد مستعيدا صورة قرآنية بليغة “كأنّهم أرادوا أن يقولوا لي مثلما جاء في القرآن الكريم “لا طاقة لنا بجالوت اليوم “” . وبكلّ روح رياضية أجاب الزيدي مسؤولي قناة البغدادية، مثلما أكّد لنا، بقوله ” لكم الحق ” . لكنّه لم يُخف التعليق للشروق ” أنتم تعرفون أنّ هناك مثل يقول رأس المال جبان ” .
-
من الأخبار الطريفة التي تناقلتها وسائل الإعلام، عقب الحادثة الشهيرة لمنتظر الزيدي، أنّ مصريا عرض على الزيدي أن يصير زوجا لابنته الطالبة الجامعية، وأنّه مُستعدٌّ لتجهيزها وإرسالها إلى العراق حال تلقيه الموافقة، كما أنّ الكثير من المُعجبات أصبحن يحلُمن به فارسا للأحلام، سألنا منتظر عن بعض شؤون حياته الشخصية، وهل يفكّر في الزواج، وماذا لو اقتُرحت عليه جزائرية، هنا يضحك الزيدي ويقول”في الحقيقة الزواج من جزائرية شرف كبير لي، لكنّي لا أُفرّق بين فتاة عربية وأخرى. وحين أجد من تُناسبني فلن أتردّد في الزواج”.
-
أنصح الجزائريين في المهجر بالحفاظ على لغتهم
-
في بداية هذا الحوار الذي خصّنا به الزيدي، لم يتردّد قاذف بوش بالحذاء، في التعبير عن شوقه لزيارة الجزائر إن تلقى دعوة من جهة ما “أتمنى أن أزور الجزائر في القريب، لتعريف الإخوة في الجزائر بما يُعانيه الشعب العراقي”. وأضاف “إن شاء الله، سآتي لزيارة الجزائر إن وُجّهت لي دعوة من جهة ما ” .
-
وفيما يبدو أنّه قلق من الزيدي على جزء من قومه وبني جلدته، حمّل منتظر الشروق اليومي، أمانة تبليغ هذا النداء للجزائريين الذين يعيشون في المهجر، من أجل أن يحفظوا لغتهم العربية “لي نداء أُريد توجيهه عبر جريدتكم، التي جمعني بها أول لقاء صحفي أُدلي به لجريدة شقيقة من الجزائر، إلى كلّ الجزائريين الذين هم في المهجر، من أجل حثّهم على المحافظة على لغتهم العربية، وألاّ ينسوها، لأنّني للأسف، قابلت إخوة جزائريين، لا يُتقنون العربية في المهجر ” .