-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشّتاء.. فرصة سانحة لتهذيب النّفوس

سلطان بركاني
  • 2619
  • 0
الشّتاء.. فرصة سانحة لتهذيب النّفوس

في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر الجاري، حلّ فصل الشّتاء، وحلّت معه الخيرات والبركات على أكثر مناطق هذا البلد المسلم، واستبشر النّاس خيرا بالغيث الذي نزل من السّماء، وأحيى الله به الأرض، بعد أن مرّت أشهر الخريف والناس يترقّبون رحمات الخالق سبحانه، وقلوبهم تتوجّس من عام كادت بعض الأوساط الرّسمية تعلنه عام جفاف، لولا أنّ الله سقى أرضه ورحم عباده وخلقه.

الله -جلّ شأنه- قادر على أن ينزّل غيثه وينشر رحمته في الوقت الذي يريد عباده، لكنّه –سبحانه- قد يؤخّر فضله وينزّله بقدر، ليتذكّر العباد ضعفهم وقلّة حيلتهم وحاجتهم إلى رحمة خالقهم سبحانه، فيلجؤوا إليه ويلوذوا برحمته، ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ))؛ فإذا ما نزل الغيث، عرفوا قيمته وشكروا خالقهم سبحانه، وسألوه أن يغيث ويحيي قلوبهم كما أغاث وأحيى أرضهم، ويرحمهم يوم مبعثهم من قبورهم بعد موتهم، ((اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).. وهكذا يحمل الشّتاء معه من المواعظ التي تحرّك القلوب، ما يجعل العبد المؤمن يشعر بضعفه أمام قدرة القدير سبحانه، فيفرّ إليه من نفسه وشيطانه، ويسعى لإصلاح حاله والاستعداد لمآله.. هذا هو المفترض في كلّ عبد مؤمن، لكنّ الواقع يدلّ على أنّ بعض المسلمين تمرّ بهم هذه المواعظ التي يحملها الشّتاء من دون أن تجد طريقها إلى قلوبهم ولا إلى أرواحهم.

في كلّ عام نرى كيف ترغم لسعاتُ برد الشّتاء بعض نساء وفتيات المسلمين على التّخفيف من حدّة التبرّج والتبذّل، وعلى ستر أجسادهنّ بأصفق الثياب، وهنّ اللائي كنّ قبل ذلك يتفننّ في إبداء ما لا يحلّ لهنّ إبداؤه.. لقد كان حريا بهؤلاء المسلمات المؤمنات أن يتأمّلن حالهنّ كيف يتستّرن خوفا من البرد ولا يتستّرن خوفا من زمهرير جهنّم، الذي لا نسبة لبرد الدّنيا إليه.. وهكذا بعض عباد الله المسلمين الذين يصرّون على إضاعة صلاة الفجر في فصل الشّتاء، على الرّغم من أنّ اللّيل يتطاول في هذا الفصل ليصل عدد السّاعات بين أذان صلاة العشاء والأذان الثاني للفجر، عشر ساعات كاملة!.. إنّه الحرمان الذي ما بعده حرمان، أن يصرّ العبد المؤمن على النّوم عن صلاة الصّبح، ويؤثر دفء الفراش والغطاء على دفء مناجاة ربّ الأرض والسّماء، وهو يسمع ويقرأ قوله تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً))؛ هذا فيمن يقوم إلى الصّلاة وهو كسلان، فكيف بمن لا يقوم إليها أصلا؟.. إذا كان المسلم يتعلّل في فصل الصّيف بقصر اللّيل وفي الشّتاء بالبرد، فمتى يصلّي الفجر في وقتها؟ الأوّلون كانوا يقولون إنّ الشّتاء الذي يطول ليله ويقصر نهاره، هو فرصة سانحة ليجعل العبد المؤمن لنفسه حظا من قيام اللّيل وصيام النّهار، وكان عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- إذا حلّ الشتاء يقول: “مرحبًا بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام”، وكان عبيد بن عمير –رضي الله عنه- يقول: “يا أهل القرآن، طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر نهاركم لصيامكم فصوموا”.. الشّتاء فرصة سانحة لكلّ عبد مؤمن، ليعالج نفسه حتى تستقيم على طاعة الله، فما يمنع النّفسَ من الاستقامة إلاّ إيثار الشّهوات الثّلاث، شهوة البطن وشهوة الفرج وشهوة النّوم، والشّتاء غنيمة باردة لكبح جماح هذه الشّهوات، فطوبى لعبد ترك دفء الفراش لأجل فراش الجنّة، وطوبى لعبد مشى في ظلمة الليل إلى بيت من بيوت الله لأجل نور يسعى بين يديه يوم القيامة، يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “بشّر المشّائين في الظّلم إلى المساجد بالنّور التامّ يوم القيامة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!