-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفساد الأحمر!

الفساد الأحمر!
ح.م

عندما تلتهم النيران، ما تبقى من حياة خضراء في الجزائر، فتأتي على بقايا الكائنات الحية في عز فصل الخريف، الذي من المفترض أن الناس فيه، من دولة وشعب، قد باشروا عمليات تشجير عملاقة على وزن مشروع أمة، وليس استعراضية، فمعنى ذلك أننا أمام أسوأ حالة فساد يمكن للإنسان أن يتصورها، فهي لا تسرق المال العام أو الخاص أو تقتل إنسانا في مكان ما، وإنما تبيد حياة بالكامل، بث الخالقُ فيها الروح فكبرت غابات وأدغالا من كل أنواع الشجر، وقطيعا وأسرابا من الحيوانات والطيور.

هناك من يصرّ على أن الفاسدين هم دائما من كبار القوم، فنجد الناس تسأل عن رئيسي الحكومة السابقين، وما فعلاه رفقة رجالات المال والسياسة من اختلاسات، ويطالبون بتشديد العقوبات في حقهم جميعا، ولكن السكوت عن انحراف الصغير، هو الذي سيجعل الفساد أشبه بالوباء الفتاك الذي ينفث فيروساته في المجتمع فلا يستطيع أحد معالجته ولا الوقاية منه ولا حتى تحقيق مناعة قطيع.

لقد جعل الخالق أشدّ عقوبة للمفسدين في الأرض هي نار جهنم، وثبُت علميا وتاريخيا بأن لا عذاب في الوجود أشدّ إيلاما من النار، فمآسي الحروب من النار، وأبطش طرق التعذيب بالحرق والكيّ، والنار هي التي تُتلف وتبيد أكثر من كل الوسائل والكوارث، وهي الخزي الحقيقي للظالمين كما جاء في القرآن الكريم: “ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار”، فكانت النار وستبقى أشد الوسائل البشرية والربانية عذابا دون كل الوسائل، وحتى الفيروس الذي أصاب وقتل في العالم عشرات الملايين وعجز علماء الكرة الأرضية عن فهم طبيعته ومكوناته، ولا نقول إيجاد علاج أو لقاح له، لا تبيده سوى النار.

 ما حصل في شهر نوفمبر من سنة 2020، هو أكبر كارثة تتعرض لها البلاد في العصر الحديث، فإذا كنا قد وجدنا أعذارا لأنفسنا عندما كانت النار تلتهم الغابات فأبادت عشرات الآلاف من الهكتارات في السنوات السابقة خلال فصل الحرّ، فإن نيران الخريف، بصَمت على وجود جماعات فساد أحمر، تريد إبادة الغطاء النباتي في الجزائر لأجل تحويله إلى أراض تابعة لهذه العائلة أو ذاك الشخص ونجحت، وجماعات أخرى صامتة تتفرَّج، إمَّا غير معنية بإبادة الحياة النباتية والبرية، وتلك مصيبة حمراء، أو عاجزة عن توقيف هذا الفساد، وتلك مصيبة قانية الإحمرار. أما الفساد الأكبر الذي منح للفاسدين مزيدا من الثقة بالنفس فهو ما يقوم به المسؤولون الذين تحدثوا عن غرس مئات الملايين من الأشجار لتحدي الحرائق واتضح بأنها جميعا مجرد “كرنفالات” في أراض جرداء، يدعو فيها المسؤولُ وسائل الإعلام وأصدقاءه لأجل غرس عشر شجيرات ميّتة، على أرض التهمت فيها النيران عشرات الهكتارات، كمن ينفخ نفسا في جثة هامدة.. بل إنه فعلا نفخُ نفسٍ في جثة هامدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    الامتناع عن قول الحقيقة والتهرب من تعيين من لا يقومون بواجباتهم المهنية ليل نهار وتفضيل الاعتكاف على الأرائك تحت الهوائيات الكهربائية عوض حراسة الغابات الخضراء التي تحمي التربة وتساهم في تلطيف الأجواء وتمكينا من استنشاق الهواء النقي مما حول أرضنا إلى صحراء يغطيها البلاستيك المضر لكل أنواع الحياة.نعم شعبنا لا يعير للطبيعة قيمة لكن المسؤولين في مختلف المناصب ليسوا أقل فسادا لما استخلفنا الله فيه.هذا الإهمال الذي طبع كل واحد منا يجعلنا جميعا لا نليق بخيرات بلدنا الجميل والذي تحسدنا عليه كثير من الشعوب.فلنطرد كل من لا يقوم بالدفاع عن أرض الجزائر وخيراتها.هل المنظمات الجماهيرية تصلح إلا للابتزاز؟