-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بلد‮ ‬العجائب‮ ‬القانونية

بلد‮ ‬العجائب‮ ‬القانونية

هكذا وصف الإمام عبد الحميد ابن باديس – رحمه الله ورضي عنه- الجزائر تحت حكم الاحتلال الفرنسي اللعين، الخبيث، لأن تلك المنظومة القانونية التي حكمتنا بها فرنسا، التي حارت البرية فيها، منظومة كريهة يمقتها ويشمئز منها شياطين الجن رغم أنها من اختراع إخوانهم شياطين‮ ‬الإنس،‮ ‬ولو‮ ‬سردتُ‮ ‬بعض‮ ‬تلك‮ ‬القوانين‮ ‬لا‮ ‬تّهمني‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يعلمون‮ ‬بالتجني‮ ‬على‮ ‬فرنسا‮ ‬أو‮ ‬بالاختلال‮ ‬العقلي‮ ‬لما‮ ‬في‮ ‬تلك‮ ‬القوانين‮ ‬من‮ ‬تناقضات‮ ‬وغرائب‮ ‬تستغرب‮ ‬منها‮ ‬الغرائب‮..‬

  • زعمت فرنسا – وما تزال تدّعي- أنها دولة “مساواة”، ولكنها عند الانتخابات مثلا تستعمل نوعين من الصناديق؛ نوعا يصوّت فيه الجزائريون الذين تسميهم “أنديجان” احتقارا لهم، واستهزاء بهم، وسخرية منهم؛ ونوعا يصوّت فيه حثالة البشر الذين جاءت بهم إلى الجزائر من فرنسا ومن الدول الأوروبية، وأعطتهم أراضينا ومساكننا.. بل لقد وصل التمييز إلى الحيوانات، فقد حدّثنا الشيخ عبد الرحمن شيبان – رحمه الله- أن البغل الذي يمتطيه الدركي الفرنسي يُعطى من العلف أكثر مما يُعطاه البغل الذي يمتطيه الدركي “الأنديجان”.. بل لقد تدنّت “آدمية” الفرنسيين إلى درجة تفضيل الحيوان على الإنسان، فقد أخبرني أحد الشيوخ في أولاد يعيش (ولاية البليدة) أن جزائريا كان يعمل في مزرعة من المزارع التي اغتصبها الفرنسيون، ولاحظ الفرق في المعاملة بينه وبين بغال ذلك الفرنسي، فقال له: يا مسيو حبّيت نتُورَزْ (❊) بغل، لعلّ‮ ‬معاملتك‮ ‬لي‮ ‬ترتفع‮ ‬إلى‮ ‬مستوى‮ ‬معاملتك‮ ‬لبغالك‮..‬
  • ومن كان يمتري في ادّعاء فرنسا المساواة ولا تطبقها إلى الآن فلينظر إلى ما تفعله؛ فهي تطلب من تركيا الحالية أن تعترف بما تسميه فرنسا “جرائم إبادة” في حق الأرمن ارتكبتها تركيا منذ قرن؛ ولكن فرنسا الحالية نفسها عندما يُطلب منها أن تعترف بجرائم الإبادة التي ارتكبتها في الجزائر طيلة قرن واثنتين وثلاثين سنة يتوقّح رئيسها ويقول إن الأبناء لا يتحمّلون أوزار آبائهم.. وأن المرء ليتساءل هل كان هذا الكائن في كامل قواه العقلية عندما سمح لهذه “الهدرة” أن تخرج من فمه.. لقد أضحك هذا الكائن بقوله وفعله المتناقضين الرّضّع في المهود،‮ ‬وحرّك‮ ‬الموتى‮ ‬في‮ ‬اللّحود‮..‬
  • جرّنا إلى كلّ هذا الكلام ما نشرته جريدة الشروق اليومي يوم 6 جانفي الماضي من أن “وزارة الداخلية تمنع بيع الخمور بولاية غرداية”. أستسمح قرائي الكرام إذا صَدّعت رؤوسهم، وعَكّرت أمزجتهم، وكدّرت أنفسهم بتكرار ذكر فرنسا فيما أكتبه وأقوله، لأنني على مذهب الشيخ المغربي‮ ‬محمد‮ ‬تقي‮ ‬الدين‮ ‬الهلالي‮ (‬1897‮ ‬‭-‬‮ ‬987‮) ‬القائل‮:‬
  • أعادي‮ ‬فرنسا‮ ‬ما‮ ‬حييت‮ ‬فإن‮ ‬أَمُت‮          ‬فأُوصي‮ ‬أحبّائي‮ ‬يعادونها‮ ‬بعدي
  • ذلك أن الجزائر كانت شبه خالية من هذا الخبث والدّنس المسمى الخمر، وقد وصف القنصل الأمريكي في الجزائر وليم شالر في مذكراته شعبنا بـ “الشعب الذي لا يتناول الخمر، ولا يشرب سوى الماء القُراح (1)”، فلمّا أصابت شعبنا وبلدنا القارعة الفرنسية حلّت معها جميع الخبائث،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها‮ ‬الخمر‮ “‬أم‮ ‬الخبائث‮”‬،‮ ‬حيث‮ ‬حوّلت‮ ‬أخصب‮ ‬الأراضي‮ ‬وأحسن‮ ‬السهول‮ ‬إلى‮ ‬زراعة‮ ‬عنب‮ ‬الخمر‮ (‬2‮)…‬
  • وعادت الجزائر إلى “محمد” – صلى الله عليه وسلم – كما أنشد شعبنا في 1962، وطردنا منها عدونا، وظننّا أننا سنتصهّر ونطهّرها مما تركته فرنسا من خُبثاء، وخبائث، خاصة أننا كتبت في رأس الدستور أن “الإسلام دين الدولة”، فإذا بنا بعد 46 سنة من “الاستقلال” نقرأ أن في الجزائر‮ ‬189‮ ‬مصنعا‮ ‬للخمر‮ (‬3‮)”‬،‮ ‬وأن‮ ‬مطالبة‮ ‬فرنسا‮ ‬بالاعتراف‮ ‬بجرائمها‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬والاعتذار‮ ‬عنها‮ ‬يعتبر‮ ‬عند‮ ‬بعضنا‮ “‬مُتاجرة‮ ‬بدماء‮ ‬الجزائريين‮”…‬
  • ونعود إلى ماجاء في جريدة الشروق اليومي من منع وزارة الداخلية بيع الخمور في ولاية غرداية لنتساءل: هل ولاية غرداية جزء من الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وبالتالي يسري فيها وعليها ما يسري في الولايات الأخرى وعليها من قوانين؟
  • فإن‮ ‬كان‮ ‬الجواب‮ ‬بـ‮ “‬نعم‮”‬،‮ ‬وهو‮ ‬لاشك‮ ‬كذلك،‮ ‬فلماذا‮ ‬يحرم‮ ‬فيها‮ ‬ما‮ ‬يَحِلُّ‮ ‬في‮ ‬غيرها؟
  • وإن كان هذا الذي حُرّم فيها شرا فلماذا يخلّص إخواننا في ولاية غرداية منه، ويبقى الجزائريون في الولايات الأخرى يكابدون ويلاته؛ وإن كان هذا الذي حُرّم فيها خيرا فلن يَهنأ لنا بال ولن يطمئن لنا جنب حتى “ينعم” إخواننا في ولاية غرداية بما “ننعم” به.. إذ أن سيدنا‮ ‬محمدا‮ – ‬عليه‮ ‬الصلاة‮ ‬والسلام‮- ‬الذي‮ ‬نؤمن‮ ‬به‮ ‬كما‮ ‬يؤمن‮ ‬به‮ ‬إخوتنا‮ ‬في‮ ‬ولاية‮ ‬غرداية‮ ‬يقول‮: “‬لا‮ ‬يؤمن‮ ‬أحدكم‮ ‬حتى‮ ‬يحب‮ ‬لأخيه‮ ‬ما‮ ‬يحبه‮ ‬لنفسه‮”.‬
  • إذا اتفقنا على أن ولاية غرداية العزيزة التي تطهرت من الرجس جزء من الجزائر الغالية، وأهلها إخوة كرام لنا في الدين والوطن، فإننا نعتبر قرار وزارة الداخلية بمنع بيع الخمر فيها وحدها من نسل العجائب القانونية التي سنتها فرنسا في الجزائر، وأنها ماتزال تلد العجائب‮ ‬القانونية‮ ‬رغم‮ ‬بلوغها‮ ‬سن‮ ‬اليأس‮.‬
  • فهنيئا لإخوتنا الأعزة في ولاية غرداية إذ منّ الله عليهم بتخليصهم من هذه القذارة التي يصبها السفهاء سوائل في بطونهم ثم يخرجونها كلاما قذرا وقيئا نتنا من “أفواههم”، فاللّهم عجّل قطّ (❊❊) من يصرّ على تنجيس الجزائر، وإشاعة الخبائث والفواحش فيها.
  • ‮—‬
  • ❊) نتورز: كلمة دارجة محرفة عن الكلمة الفرنسية “naturalisation”، ومن معانيها التجنس بجنسية أخرى، وكان شعبنا يطلقها احتقارا وإهانة على من يتجنس بالجنسية الفرنسية، وقد حرمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ذلك التجنس، وما أكثر “المتُورزين” اليوم في الجزائر حتى‮ ‬ممن‮ ‬يأكلون‮ ‬غلتها‮ ‬ويلعنون‮ ‬ملتها‮.‬
  • 1‮) ‬مذكرات‮ ‬وليم‮ ‬شالر‮- ‬تعريب‮ ‬إسماعيل‮ ‬العربي‮ . ‬ص88‮.‬
  • 2‮) ‬انتقلت‮ ‬مساحة‮ ‬غراسة‮ ‬الكروم‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬في‮ ‬عشر‮ ‬سنوات‮ (‬1878‮ ‬‭-‬‮ ‬1888‮) ‬من‮ ‬17‭.‬614‮ ‬هكتار‮ ‬إلى‮ ‬103‭.‬408‮ ‬هكتار،‮ ‬انظر‮: ‬شارل‮ ‬روبير‮ ‬آجرون‮: ‬تاريخ‮ ‬الجزائر‮ ‬المعاصرة،‮ ‬2‮ ‬‭/‬‮ ‬177‮.‬
  • 3‮) ‬جريدة‮ ‬الشروق‮ ‬اليومي،‮ ‬27‮ ‬‭/‬‮ ‬5‮ ‬‭/‬‮ ‬2008،‮ ‬ص‮ ‬5‮.‬
  • ❊❊ قط: من معاني هذه الكلمة “النصيب” أو “الكتاب”، ومنه ما جاء على لسان بعض الكفّار: “ربّنا عجّل لنا قطّنا قبل يوم الحساب” أي عجّل لنا نصيبنا من العذاب، أو أطلعنا على صحائف أعمالنا.. نظر مادة قطط في القوامس.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدون اسم

    لقد سبقتها ولاية تيزيوزو الى منع الخمر في عهد بومدين وهاهي تعود اليه الآنالله يهدي ما خلق