-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تركيبة النفس الإنسانية

خير الدين هني
  • 335
  • 0
تركيبة النفس الإنسانية

نهي النفس عن كل ما تحب وتهوى وتستلذّ، من الشهوات والملذات المباحة والمحرمة والمقبوحة، أمر تستلزمه الطبيعة الإنسانية المنوطة بالتكليف الشرعي، والمراد بالتكليف الشرعيّ هو “إلزام المكلّف بمقتضى خطاب الشرع”، حيث إن الله تعالى هو من شرع الأحكام ووضع أصولها وقواعدها وضوابطها، وأمر المكلفين بما يفهمونه ويقدرون على تنفيذه، من غير عسر ولا قهر ولا تكليف بما يفوق الطاقة الإنسانية.

يقول الله تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)) (البقرة: 185). ويقول -سبحانه تعالى- أيضا في الآية 286 من سورة البقرة: ((لا يكلِّفُ اللهُ نفْسًا إلاّ وُسْعَهَا)). والمقصود أن الله تعالى لا يكلِّف عباده، ولا يحمِّلهم ما لا يطيقونه ويتجاوز طاقتهم وجهدهم وقدراتهم، فهو سبحانه أرفق بعباده وألطف بهم من نفوسهم، ولو كان غير ذلك لأنزل عذابه ونقمته على المشركين والوثنيين والعصاة، حالما يكفرون به أو ينكرون وجوده وفضله ونعمته، أو يخالفون أوامره بالمعصية، ولكنه -جل ثناؤه- أرخى لهم الحبل وأمهلهم الحياة كلها، لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويؤمنون ويطيعون ويلتزمون بأوامره ونواهيه كما أمرهم بها.

وقد جعل -سبحانه- أنبياءه ورسله، ليكونوا وسطاء بينه وبين عباده يبلغونهم أمر التكليف بالإيمان والطاعة والاستقامة والالتزام، من غير كفر ولا شرك ولا عصيان ولا تمرد ولا ضجر ولا ملل ولا رياء وغير إخلاص، ومن وفى بذلك نال رضا الله وفاز بالخلود في جنة عرضها السماوات والأرض، ومن عصاه وخرج عن أمره نال جزاءه في عذاب جهنم خالدا فيها، من غير خروج ولا تخفيف ولا غفران، بالنسبة للكفار والمشركين والملاحدة والمرتدين، أما العصاة المؤمنون فينالون الشفاعة بعد قضاء مدة في العقاب الشديد، جزاء عصيانهم وخروجهم من الدنيا من دون توبة نصوح.

والمكلف ملزم بمعرفة دين الله، وما جاء فيه من تعاليم وأوامر ونواهٍ وأحكام، وإذا عرف ذلك قام على الفور بتنفيذ ما عرف أنه الحق، وحمل نفسه على ما تكره من فروض الطاعة والعبادة والالتزام بقواعد التشريع وفضائله ومحامده، ولكن الحق -سبحانه- ولكي يكون للتكليف قيمته واعتباره وصعوبته، ركّب في النفس الإنسانية العقل والغريزة والشهوة والطاقة والإرادة، وجعل العقل أداة للتفكير والإدراك والتمييز بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الجمال والقبح، وبين الصواب والخطأ، وبين الفضيلة والرذيلة.

وجعل الغريزة نزّاعة للخير والشر، وجعل الشهوة المطلقة المقيدة بضوابط وغير المقيدة، بمثابة طُعم شهيّ لجذب الغرائز وإثارتها بالشهوات، وهي تشتهي الملذات بشراهة تفوق الحدود والوصف، عند من لا يضبطون نفوسهم وغرائزهم، وجعل الطاقة للحركة والفعل والنشاط، من أجل الوصول إلى المبتغى من غير عجز ولا إعاقة، وجعل الإرادة هي المحرِّك للدوافع، من أجل الحركة لطلب الشيء المرغوب فيه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!