-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ممارسات شائعة لم يسلم منها الأموات

تصوير المرضى.. “مجازر” عبر الشبكات

كريمة خلاص
  • 5612
  • 0
تصوير المرضى.. “مجازر” عبر الشبكات

يرتكب بعض الزائرين للمرضى “مجازر إنسانية” بسبب هوس التصوير وتشارك الصور والفيديوهات على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة لبعض الأشخاص الذين يكونون في قاعات الإنعاش أو في وضعية صحّية متدهورة تغير الصورة الأصلية التي عرفهم بها ذووهم وأصدقاؤهم.

ويجد هؤلاء المرضى وذووهم حرجا كبيرا وانزعاجا في نشر تلك الصور أو منعها، حتى وإن كانت النية صادقة والسلوك عفويا من باب طمأنة الجميع على أحوال المريض الذي قد لا يستطيع كثيرون زيارته، غير أنهم في غالب الأحيان لا يستحسنون الصورة ويفضلون أساليب أخرى مثل منشور كتابي يطمئن دون نشر الصورة التي قد تفتح أبوابا للأذية النفسية هم في غنى عنها.

وتلقى صور المرضى تفاعلا كبيرا وتشاركا واسعا بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يرفقها ناشرها بطلب الدعاء فتجد التعليقات والتغريدات تصب بالآلاف.

إمام.. أنا عشت الموضوع وتألمت من المظاهر

وفي هذا السياق، نهى الإمام والمصلح الاجتماعي، كمال تواتي، عن نشر صور المرضى في أثناء عيادتهم في البيوت أو المستشفيات، حيث أشار إلى أنّ بعض الناس يتسابقون إلى نشر صور المرضى، خاصة إذا كانوا من المشاهير في مختلف المجالات الدينية أو الثقافية أو السياسية أو غيرها في إطار السبق الصحفي، فالآن كل وسائل التواصل الاجتماعي تتسابق من أجل نشر صور عن تلك الشخصيات وتأكيد الوصول إليها بتوثيقها وأحيانا حتى بعد الوفاة تنشر صور خاصة أخذت في سياقات معينة فيعاد نشرها لتأكيد نوعية العلاقة المقربة بين الطرفين.

وأوضح تواتي أنّ الغرض من السلوك إشباع غريزة ذاتية بحب إخبار هؤلاء الناس أنّه الأقرب منه وأنّه كان محبوبا لديه.

ومن المعلوم في الدين الإسلامي، أنّ الوقوف أمام المريض أو زيارته فيه أجر كبير جدا وكما قال رسول الله- عليه الصلاة والسلام-: “من عاد مريضا فهو في خرفات الجنة”، فهل يعقل خيانة هذا الشخص المريض الذي كان سببا في الحصول على كل تلك الحسنات، يضيف الإمام تواتي.

واستحضر المتحدث بعض المواقف التي تعرض لها في أثناء مرضه وفترة استشفائه فبعض الزائرين، كما قال، أرادوا التقاط صور خفية لكنه منع حدوث ذلك، حيث قال: “أنا عشت الموضوع وتألمت من محاولة النشر فقط، فكيف لو كانت قد نشرت..”

وأضاف تواتي أنّ “المريض حتى وإن لم يرفض مباشرة فذلك لأنّه في وضع صحّي صعب ويتألم كثيرا أو محرج وليس متفرغا للخوض في مثل هذه الجوانب وإن كانت تؤلمه”.

وتطرّق محدثنا إلى آداب زيارة المريض ومنها الدعاء له بالخير والشفاء وعدم الإطالة وعدم الخوض في التفاصيل والخصوصيات وكذا انتقاء الكلمات وعدم إظهار الشفقة والحزن المبالغ فيهما.

ولفت الإمام تواتي الانتباه إلى أنّ السماح بالتصوير والنشر في مواقع التواصل هو حق من حقوق المريض لا يجوز للعائلة التدخل فيه ومنح الموافقة للزائرين بدلا عنه.

تصوير مرضى يحتضرون وأموات..

بدوره، أفاد الدكتور عبد الحليم فول المختص في علم النفس العيادي أنّنا اليوم في عصر الصورة التي أخذت حيزا كبيرا في يوميات الأفراد وكانت محل عدة دراسات لمختصين في علم النفس ممن درسوا الإنسان بين المظهر والجوهر حيث بات الاهتمام بمظاهر المسائل بدل التعمق فيها والبحث في تأثيراتها ومآلاتها خاصة نتائجها النفسية والاجتماعية على الفرد.

وأوضح فول أن التصوير نازلة على العالم يعرف مبالغة حتى أنّ البعض يقومون بـفيديوهات مباشرة “لايف” عن الدقائق الأخيرة لأشخاص مرضى وهم يحتضرون.

وأوضح المختص النفسي أنّ تصوير المريض يؤثر بشكل كبير على نفسيته، فهو لا يرغب في الظهور بمظهر الضعف ويرغب في أن تكون فترة المرض مؤقتة وعابرة.

ومن خلال ما يصل الدكتور في عيادته من حالات وصرّح به، فإن في الأمر أذية نفسية كبيرة وقف عليها مع بعض الأشخاص الذين اهتزت صورتهم الذاتية في أعينهم ووجدوا صعوبة في العيش بحالة طبيعية، علما أن الصورة الذاتية هي شخصية عميقة جدا وذات تأثير كبير على النفسية واهتزازها يفقد الشخص ثقته في نفسه وتتأثر تعاملاته مع الآخرين، ويطبعها الحياء والخجل والرهاب الاجتماعي في حالات أخرى.

وانتقد المختص غياب ثقافة الخصوصية وطلب الإذن بالتصوير في المجتمع الجزائري، واقترح في هذا السياق تدخل السلطات من أجل ردع تلك السلوكات من خلال عقوبات ضد كل من ينشر مثل هذه الصور.

وأفاد المتحدث أنّ البعض يصوّر المرضى وحتى الأموات وينشر الصور أو يشاركها في مجموعات خاصة أو عائلية وهذا فيه ضرر كبير لعائلته وله، مؤكدا استقبال حالات لبعض الأهل الذين يعانون من تلك الصور والفيديوهات بشكل عميق ويتابعون جلسات على مستوى عيادته للتخلص من تلك الأذية العالقة لديهم بعد مرور أشهر على الحادث، حيث يؤكد هؤلاء أنّها لا تعكس الصورة الحقيقية لذويهم الذين يرغبون في الاحتفاظ لهم بصورتهم الأصلية وليس في صورة المرض والضعف أو الموت، هذا انتهاك لحرمة الشخص.

ودعا المتحدث المواطنين إلى إسقاط الأمر وقياسه عليهم، فما لا يرضاه الشخص لنفسه لا يرضاه لغيره ولا أحد يرغب في الظهور في لحظات ضعف وهوان، وعليه لا بد من نشر ثقافة الوعي بين المواطنين.

وأضاف المتحدث “أعزّ ما نملك هو ثقتنا في أنفسنا وتأثير تقديرنا لأنفسنا خطير جدا، فأي إنسان لا يملك تقديرا لذاته يتعرض لأمراض نفسية ويصبح ضعيفا وقد يصل إلى اضطرابات ووساوس”.

وعاد المختص بالذاكرة إلى “تأثير الكلمات على الفرد في وقت مضى فما بالك بتصويره وتوثيق اللحظة عندما كان ضعيفا بالصورة والفيديو”.

ودعا عبد الحليم فول المريض وأهله المقربين إلى الحزم ورفض التصوير وعدم السكوت عنه خجلا واستحياء، مشيرا إلى أنّ نظرية التفاعل مع البشر تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي العنف والضعف وهما منبوذان ومرفوضان لهما تأثير نفسي وعاطفي يؤدي إلى أمراض نفسية جسدية “بسيكوجسمانية” وأفضل النوع الثالث الذي يتمثل في الحزم والتصدي لهذا السلوك والتعبير عن المشاعر بالتصريح كالقول “لقد آذيتني بهذا السلوك” وانتشار هذه التقنية في المجتمع سيغير كثيرا من الأمور ويصحّح كثيرا من المفاهيم والقاعدة في علم النفس أنّ أي شيء لا نعبر عنه بلساننا سيعبر عنه الجسد بالأضرار”.

ونبّه عبد الحليم فول إلى أنّ النشر قد يوقع الشخص في التنمر والشماتة وقد يفتح الباب لتأويلات أخرى من باب سوء الخاتمة.. كما أنّ المبالغة في التصوير والتعرض لتلك المحتويات يجعلنا مشاهدين لا نتفاعل مع الحدث وهو ما نقف عليه فعلا حيث أصبحنا نستقبل فقط ولا نتفاعل لا فكريا ولا عاطفيا وعندما تتكرر تلك المشاهد أمام الشخص في الحياة الواقعية يتعامل معها ببرودة ويكتفي بتصويرها وطلب الدعاء وكل هذا لأنّنا أصبحنا مشاهدين جامدين لا نقدم يد المساعدة والدليل هو تصوير العديد من الحوادث بدل التدخل أو طلب النجدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!