-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعقيباتٌ على حوار وزير التعليم العالي

تعقيباتٌ على حوار وزير التعليم العالي

في مساء يوم الجمعة الماضي، 22 سبتمبر، عشية الدخول الجامعي قدّمت القناة التلفزيونية الثالثة حوارا مطولا مع  السيد وزير التعليم العالي الذي صال وجال في كل المواضيع التي تهم الجامعة الجزائرية وسير شؤونها ومستقبلها وحال طلبتها وأساتذتها وخدماتها من نقل وإسكان وإطعام دون نسيان موضوع رقمنة كل ما يحيط بالجامعة وخدماتها.

وبطبيعة الحال، ففي كلام الوزير عديد الحقائق والأرقام نرى بعضها بالعين المجردة. ومع ذلك فالمصداقية في تصريحات أي مسؤول تزداد عندما يشير في آن واحد إلى الإيجابيات والسلبيات، ولا يتغاضى عن النقائص. وفي تعقيبنا هذا لن نشير إلى الإيجابيات لأن هناك مختصين في تعدادها، وإنما نريد الإشارة إلى بعض ما شدّ انتباهنا من سلبيات مرّ عليها الاستجواب مرور الكرام، لعلنا نذكّر… فالذكرى تنفع المؤمنين.

  1. 1. العاشرة ليلا 

ليست المرة الأولى التي يطلب فيها كبار مسؤولي وزارة التعليم العالي التدريس و/أو ترك الجامعة مفتوحة حتى ساعة متأخرة من اليوم: سمعنا خلال السنوات الماضية طلبهم بالعمل حتى السادسة مساء، ثم الثامنة مساء، وطلب هذه السنة هو العمل حتى العاشرة ليلا! أما إن كان قول هؤلاء يشير إلى مخابر البحث والباحثين من الأساتذة وطلبة الدكتوراه في بعض التخصُّصات، فهذا لا يحتاج إلى تذكير إذ من قديم الزمان، تقضي هذه الفئة من الباحثين أحيانا لياليها بالمخابر، أو يغادروها بعد العاشرة ليلا عند الضرورة التي تقتضيها تجاربهم العلمية.

وأما إن كان قصد مسؤولينا إلقاء الدروس حتى العاشرة مساء حضوريا، فيبدو أنهم لا يدركون بأن كثيرا من الجامعات ومسؤوليها وطلبتها يجدون صعوبة كبيرة في مواصلة التدريس حتى الساعة الخامسة مساء في كامل أرجاء القطر. والواقع الذي يبدو أنهم يتجاهلونه هو أن التنقل في المدن الجامعية بجوار الساعة الخامسة، وضع ينفر منه الطلبة والأساتذة لما فيه من متاعب ومضيعة للوقت بسبب الازدحام المروري، فضلا عن الجانب الأمني ليلا، لاسيما بالنسبة للإناث. وهذا دون أن ننسى مستلزمات رب وربة البيت من الأساتذة.

وفي هذا السياق، ندعو السادة المسؤولين إلى تقييم إحصائي لنسبة حضور الطلبة في الحصص المسائية بعد الساعة الثالثة حاليا في الجامعات قبل أن يطالبوا بالمكوث في أماكن العمل حتى العاشرة ليلا. وبهذه المناسبة يمكن أيضا أن يتبيّنوا ضآلة نسبة حضور الطلبة في الحصة الأولى (الثامنة صباحا). ولذا نقول إن من يتحدث من المسؤولين عن البقاء بالمؤسسات الجامعية بعد الخامسة مساء لعموم الطلبة والأساتذة لا يراعي ما تفرضه الطبيعة.

لا يفوتنا هنا الإشارة إلى عيب كبير في جامعاتنا يشكو منه الكثير من أساتذتنا، وهو نقص المكاتب التي تأوي الأساتذة ويمكثون فيها خارج أوقات التدريس عندما يكونون في أماكن عملهم. ولذا نجد عادة في الكليات والمعاهد قاعات للأساتذة، ليست الأماكن المناسبة ليركز فيها الأستاذ وينتج فيها ما هو مطلوب منه. ومن ثم لا نستغرب في عديد الجامعات أن الأستاذ يأتي إلى مؤسسته قبيْل انطلاق درسه بسيارته (إن وُجدت) فيركنها، ويتوجه رأسًا إلى قاعة الدرس، وعند الانتهاء من محاضرته يمتطي سيارته ليعود من حيث أتى. هل الأستاذ مسؤول عن هذا الوضع؟ لا أبدًا.

  1. مستوى المدارس العليا

من المواضيع التي تناولها الوزير في الرد عن أسئلة الصحفي موضوع مستوى الطلبة، ولاسيما في المدارس العليا (الرياضيات والذكاء الاصطناعي). كنا نتمنى ألا نسمع في هذا الجواب ردًّا يعتمد على نسب النجاح؛ فمسؤولونا يدركون أفضل من غيرهم كم يمكن أن نقفز بنسبة النجاح في أي مؤسسة من 50% إلى 80%. يمكن إنجاز ذلك بجرّة قلم. ونسبة النجاح لا تدل أبدا على تميّز الناجحين أو تفوّق المؤسسة إلا إذا روعيت عوامل دقيقة أخرى. على سبيل المثال، كانت نسبة النجاح في البكالوريا قبل عقود بجوار 20% والآن تتجاوز 50 %. وماذا عن المستوى العلمي للحائز على بكالوريا قبل عقود والحائز عليها هذه السنة؟

ولنضرب مثلا آخر: في نهاية السنة الجامعية 2021/2022، قررت إدارة المدرسة العليا للرياضيات إعادة توجيه نحو 95 طالبا من بين نحو 170 مسجلا في أول دفعة لهذه المدرسة النخبوية. ثم صرح وزير التعليم العالي آنذاك بأن نسبة النجاح في هذه المدرسة بلغت 52%، وأنه كلف الهيئات المعنية بالنظر في الموضوع. والمتتبعون يعلمون ما جرى بعد ذلك.

في حديثه يوم الجمعة، صرح الوزير أن نسبة النجاح في تلك المدارس العليا مرتفعة، وهذا يبشر بالخير. لكن الحقيقة ليست كما وصفها السيد الوزير إن صح قول آخرين يؤكدون أن من هؤلاء الطلبة من تم التداول في موضوع نجاحه ومعدله أدنى من 9.50/20. فهل هذا مستوى نخبتنا التي نعوّل عليها في بناء البلاد؟

الخطاب الشفوي بالعربية والدارجة الهجينة، وأما العلاقات الرياضية والفيزيائية وما شابهها فتُكتب على السبورة بالفرنسية. والآن ماذا سيحدث؟ ما كان يُكتب بالفرنسية سيُكتب باللغة الإنكليزية. لكن المعضلة هي أن الأستاذ غالبا لا يتقن الفرنسية ولا الإنكليزية اتقانا يجعله خلال درسه يستعمل لغة واحدة دون سواها مع الطلبة. ولذا يلجأ إلى هذا الخليط. وربما بعضهم يلجأ إليه عن قصد لتسهيل استيعاب الطالب. وفي كل الأحوال فالخلط بين اللغات خلال درس من الدروس لا يخدم الطالب.

وقد بلغنا أيضا أن عددا معتبرا من هؤلاء الطلبة النجباء قد غادر (يبدو إلى الخارج)، ومن أسباب المغادرة تدني مستوى المؤطرين. ولذا إن كان هذا صحيحا، فعلى وزارة التعليم العالي أن تسارع إلى تدارس وضع المدارس العليا النخبوية؛ ذلك أن الأموال الطائلة التي تصرف من أجلها ينبغي أن لا تذهب سدى. ومن الأسئلة التي ينبغي أن تنظر فيها السلطات منذ الآن لاستباق الأحداث تلك المتعلقة بمصير هذه النخبة عند تخرُّجها: لقد دخلت الدفعة الأولى في المدرسة العليا للرياضيات وللذكاء الاصطناعي سنتها الثالثة في مطلع هذه السنة الجامعية. وبعد سنتين تقريبا ستتخرج هذه الدفعة، فماذا أعدت الدولة لهؤلاء المتخرجين من مهام ومناصب كي تستفيد منهم البلاد وتجني ثمار جهودها؟ أم أننا سنترك الحبل على الغارب ليغادروا البلاد جماعيا؟

نشير أيضا إلى أنه ثارت زوبعة كبيرة -وما تزال- حول المناهج الدراسية في مدرسة الرياضيات مثلا، وكأن في الأمر تصفية حسابات. والمنطق السليم يقول إن هذا الموضوع كان يمكن الفصل فيه من البداية بالرجوع إلى برامج كبريات المدارس المشابهة في أوروبا وأمريكا وآسيا… بل يكفينا أن “نستنسخ” برامج إحداها (مثلا برنامج مدرسة لوزان السويسرية الشهيرة) ونكف عن مواصلة حذف هذا البرنامج أو ذاك واستبداله بغيره. وهذا ما لم يشر إليه السيد الوزير.

  1. التدريس بالإنكليزية والطلبة الأجانب

تحدَّث الوزير أيضا، وبارتياح، عن قضية التدريس باللغة الإنكليزية وعن جلب الطلبة الأجانب. وبالنسبة إلى وزارة التعليم العالي، يعتبر مسؤولها الأول أنها هيّأت كل المتطلبات ليدرّس الأستاذ بالإنكليزية وليتلقى الطالبُ بها دروسه بعد أن تابع المعلم والمتعلم خلال الفترة الصيفية دروسا في اللغة الإنكليزية. والغريب أن أحد كبار المسؤولين في وزارة التعليم العالي استُجوِب في القناة الإذاعية الثالثة قبل بضعة أيام، وأشار إلى الانشغال بموضوع التسرب المدرسي (في الجامعة) بسبب عدم التحكم في لغة التدريس من قبل الطالب: يأتي الطالب إلى الجامعة في الاختصاصات العلمية، وقد تابع تعليمه ما قبل الجامعة بالعربية، ويواصل تعليمه الجامعي بالفرنسية. وهذا الانتقال من العربية إلى الفرنسية هو أحد أسباب التسرب في دعوى هذا المسؤول. ولذا نتساءل: من سيقنعنا في هذه الحالة أنه لن يزيد التدريس باللغة الإنكليزية وضع التسرب سوءا؟

وفي هذا السياق، كنا نتناقش قبل نحو شهرين مع أحد أساتذة الفيزياء القدامى (مارس أيضا مهام إدارية) قضية لغة التدريس في المجال العلمي، وكان يرى بعين الرضا خطوة الوزارة في التدريس باللغة الإنكليزية، وحجته هي أن تدريس المواد العلمية حاليا في جل الجامعات الجزائرية يتم كالتالي: الخطاب الشفوي بالعربية والدارجة الهجينة، وأما العلاقات الرياضية والفيزيائية وما شابهها فتُكتب على السبورة بالفرنسية. والآن ماذا سيحدث؟ ما كان يُكتب بالفرنسية سيُكتب باللغة الإنكليزية. لكن المعضلة هي أن الأستاذ غالبا لا يتقن الفرنسية ولا الإنكليزية اتقانا يجعله خلال درسه يستعمل لغة واحدة دون سواها مع الطلبة. ولذا يلجأ إلى هذا الخليط. وربما بعضهم يلجأ إليه عن قصد لتسهيل استيعاب الطالب. وفي كل الأحوال فالخلط بين اللغات خلال درس من الدروس لا يخدم الطالب.

كما أشار السيد الوزير إلى أن وزارة التعليم العالي تسعى إلى مضاعفة عدد الطلبة الأجانب في الجزائر خدمة للجامعة وسمعة البلاد. لكن الدول التي تسعى إلى جلب الطلبة الأجانب هي تلك التي تتنافس على تقديم المِنح الدراسية المرتفعة لجلب النخب من هؤلاء الطلبة. والفائدة المرجوة من ذلك هو أن الطلبة الوافدين سيرفعون من سمعة الجامعة ومن مستواها العلمي؛ ثم إن جلّهم سيقيم بتلك الدول ويسهمون في ازدهار نشاطها الاقتصادي والعلمي. فأين نحن من هذه الإستراتيجية؟ فلنبدأ أولا بجعل نخبتنا تستقر في البلاد قبل التفكير في جلب الشباب الأجنبي.

  1. التعليم عن بُعد “حصريا” 

هناك موضوعٌ آخر تعرَّض إليه الوزير، وهو التعليم عن بُعد الذي سجَّل خطوة إلى الأمام خلال فترة كورونا حتّمتها الظروف الصحية، وكانت تجربة في كل الدول عرفت إيجابيات وسلبيات. لكن علينا أن ندرك بأن مساوئ هذا التعليم كانت في دول كثيرة –ومنها الجزائر- أكثر من محاسنه. ومع ذلك، يصر القائمون على التعليم العالي عندنا على مواصلة العمل به رغم عدم وجود ضرورة لذلك، فالثغرة الأساسية هي أن عددا كبيرا من طلبتنا لا يمتلكون جهاز حاسوب، ويكتفون باستخدام الهاتف المحمول… وهذا الهاتف ليس مؤهلا لأن نتابع به دروسا مطولة في أي مادة كانت. والعيب الثاني –في رأينا- أنه مهما كان الحال، فالجانب البيداغوجي يحتم أن تكون نسبة من تلك الدروس حضورية؛ ومن غير المعقول أن يتم تدريس مادة بشكل جدّي ما لم يكن جزء منها حضوريا. فلماذا نفرض “الحصرية” في التعليم عن بُعد؟

تلك تعقيبات نعتقد أنها تعبِّر عن وجهة نظر الكثير من متتبعي شؤون الجامعة والتعليم العالي. وإن كان الأمر كذلك فمن واجب الوصاية التأمل فيها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!